نحرص جميعاً على تقوية جهاز المناعة وتحسين وظيفته؛ ونركز في هذا الإطار على صحة المعدة أولاً، لأننا ندرك أن ما يفوق 70% من جهاز المناعة يكمُن في الجهاز الهضمي، وفق دراسةٍ نُشرت عام 2008.
لا شكّ إذاً أن الاهتمام بصحة الأمعاء ضروري، لكن هل فكرتَ بصحة جسمك عموماً وتأثيرها على تقوية جهاز المناعة؟
تزايد الاهتمام بصحة جهاز المناعة بشكلٍ خاص بعد انتشار جائحة كورونا، وبتنا جميعاً نبحث عن وسائل لتعزيز قوته في مواجهة الفيروس وأعراضه القاتلة. وربما سمع بعضكم عن الدراسات التي تقول إن عناصر مثل فيتامين "د" والزنك والبروبيوتيك من شأنها أن تساعد في تقوية جهاز المناعة.
وهذا إن دلّ على شيء، فهو أن صحة الجسم وتقوية عضلاته وعظامه لا تقلّ أهمية أبداً عن صحة المعدة والجهاز الهضم. وبالفعل، فقد أشارت أبحاث حديثة إلى أن الأشخاص الذين يمارسون الرياضة يقاومون الأمراض المعدية بشكلٍ أقوى.
تريد تقوية جهاز المناعة؟ مارس الرياضة
اكتشف العلماء، الدارسون لعوامل الخطورة المرتبطة بفيروس كوفيد-19، بعض الأدلة الأولية بشأن العلاقة بين ممارسة التمارين الرياضية بانتظام وتقوية جهاز المناعة وتحسين دفاعاته ضدّ مسببات الأمراض.
راجع الباحثون 16 دراسة، عن أشخاصٍ حافظوا على نشاطهم البدني أثناء جائحة كوفيد-19، وقد جدوا ارتباطاً بين ممارسة الرياضة بانتظام وانخفاض خطر الإصابة بالعدوى، والأهم: انخفاض احتمالية الإصابة بحالة حرجة جراء الفيروس.
هذا البحث، الذي نُشر في شهر مارس/آذار 2023 الماضي في دورية British Journal of Sports Medicine، أثار الكثير من الحماس لدى أخصائيي التمارين الرياضية، الذين يقولون إن تلك النتائج قد تقود إلى تحديث المبادئ التوجيهية بشأن دور الرياضة في مواجهة العديد من المشكلات الصحية.
لكن الخبراء، الذين يدرسون علم المناعة والأمراض المعدية، لا زالوا أكثر حذراً في تفسير نتائج البحث، لكنهم يتفقون على أن التمارين الرياضية تساعد في تعزيز وتقوية جهاز المناعة بعدة آليات مختلفة.
الرياضة تُعزز المناعة بطرقٍ مختلفة
لاحظ العلماء على مدى عقود أن الأشخاص النشيطين بدنياً، الذين يتمتعون باللياقة البدنية، تقلّ لديهم معدلات الإصابة بأنواعٍ مختلفة من عدوى الجهاز التنفسي.
ففي حديثٍ إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، قال ديفيد نيمان، أستاذ الصحة وعلم وظائف الأعضاء الخاص بالرياضة البدنية: "عندما يمرض الأشخاص المعتادون على ممارسة الرياضة، فإنهم يميلون إلى الإصابة بأعراضٍ أقلّ حدة".
وأضاف نيمان أن "خطر الإصابة بأعراضٍ حادة، أو الوفاة جراء نزلات البرد والإنفلونزا والالتهاب الرئوي، قد انحسر إلى حدٍّ ما، فيما أسمّيه التأثير الشبيه باللقاح".
في دراسةٍ نُشرت عام 2005 في المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، يفترض الباحثون أن الرياضة تساعد في محاربة البكتيريا والفيروسات المعدية، من خلال زيادة دوران الخلايا المناعية في الدم.
فيما أشارت بعض الدراسات الصغيرة إلى أن انقباض العضلات وحركتها يُطلق بروتينات، تُعرف باسم "السيتوكينات"، من شأنها أن تساعد في تقوية جهاز المناعة عبر توجيه الخلايا المناعية للعثور على العدوى ومكافحتها.
في هذا الصدد، حتى في حال انخفاض مستويات "السيتوكينات" والخلايا المناعية بعد ساعتين أو ثلاث، من توقفك عن ممارسة الرياضة؛ فإن جهازك المناعي يصبح أكثر استجابة وقدرة على التقاط مسببات الأمراض بشكلٍ أسرع مع مرور الوقت، في حال واظبتَ على ممارسة الرياضة بانتظام.
وليس بعيداً جداً من تقوية جهاز المناعة؛ فإن النشاط البدني عند البشر يرتبط أيضاً بانخفاض الالتهابات المزمنة، والالتهابات عامل خطورة معروف للإصابة بالفيروسات؛ لذا، من المنطقي أن يحسّن تقليل الالتهاب قدرة جسمك على مكافحة العدوى.
تظهر الأبحاث أيضاً أن التمارين الرياضية قد تُعظّم فاعلية بعض اللقاحات. على سبيل المثال، بدت أجسام الأشخاص، الذين مارسوا الرياضة بعد الحصول على لقاح كوفيد-19 مباشرةً، تنتج المزيد من الأجسام المضادة (Antibodies).
لتأكيد العلاقة بين الرياضة وتقوية الجهاز المناعي
لا شكّ أن ثمة حاجة إلى مزيدٍ من البحث، قبل أن يستطيع العلماء تأكيد وجود علاقة مباشرة وسببية، بين ممارسة الرياضة وتقوية جهاز المناعة.
لا يمكن الجزم في الوقت الحالي أنك ستذهب إلى صالة الجيم حتى تتجنب الإصابة بكوفيد-19 مثلاً. فمشكلة دراسة التأثير الدقيق للنشاط البدني على تقوية جهاز المناعة تتمثَّل في أن الرياضة ليست شيئاً يستطيع العلماء قياس تأثيره بسهولة، خصوصاً أن الأشخاص يمارسون الرياضة بطرق مختلفة.
نتيجة لذلك، قد يصعب على الباحثين تحديد مقدار التمارين الرياضية أو النوع المثالي لتعزيز وتقوية جهاز المناعة.
ومع ذلك، تشير الدلائل الأولية إلى وجود تأثير وقائي ضدّ الإصابة بحالة حرجة من المرض، في حال كنتَ تمارس النشاط البدني بانتظام. ومما لا شكّ فيه أن نظام حياةٍ يتضمّن غذاءً صحياً وتمارين رياضية لا يُمكن إلا أن يكون مثالياً.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.