هناك العديد من الطرق التي يحاول بعض الأشخاص من خلالها الحد من مستويات التوتر لديهم، أو زيادة مستوى تركيزهم، أو اعتمادها من أجل العزلة عن العالم، أو مساعدتهم على الاسترخاء والنوم.
ومن بين هذه الطرق المعتمدة، هو وضع سماعات الأذن والضغط على زر التشغيل من أجل الاستماع إلى الموسيقى، أو برنامج حواري، أو كتاب مسموع، أو غيرها من المقاطع المسجلة على شكل صوت.
هذه الطريقة هي نوع من الهرب من الضوضاء الخارجية، لضوضاء أخرى ثابتة ومحددة بشكل أكثر، تتم الإشارة إليها بلون معين (الضوضاء الملونة)، حسب تأثيرها المختلف، إذ تختلف بين كل من الضوضاء البيضاء، والبنية، الوردية، والخضراء، والزرقاء.
الضوضاء الملونة للابتعاد عن الأصوات المزعجة
يعتبر الاستماع إلى مجموعة مختلفة من "الضوضاء الملونة" نوعاً من العلاج الصوتي، لكن تصنيفها على أنها أكثر من ضوضاء تأتي من خلفية ممتعة ينطوي على مزيد من التعقيدات.
وقد تم اختراع أول آلة ضوضاء للنوم، من طرف المهندس المعماري والنحات جيان لورنزو بيرنيني، في القرن السابع عشر، ومن هناك تم اكتشاف هذه الطريقة، والتي تم تحديدها على أنها ضوضاء بيضاء، تعتمد على الاستماع إلى أصوات موسيقى خافتة منخفضة التردد على الدماغ، للمساعدة على الاسترخاء والهدوء ثم النوم.
إلا أن تأثير الأنواع المختلفة من الضوضاء بألوانها المختلفة على الدماغ، لا تزال حديثة العهد، ولا يزال هناك العديد من الأبحاث التي يتم إجراؤها حولها، من أجل الوصول إلى التأثير الدقيق لكل لون من الضوضاء على دماغ الإنسان، وكيف يمكن له أن يساعده في الابتعاد عما يمكن أن يزعجك، أو يعيق تركيزه، من خلال ترددات مختلفة من الأصوات.
وحسب الأستاذ في كلية الصيدلة بجامعة ريجيس الأمريكية دان بيرلاو، نقلاً عن صحيفة "allure"، يقول: "هناك فائدة نوعية لهذه الأنواع من الأصوات، التي تسمى التغطية السمعية؛ مما يعني أنك عندما تستمع إليها، فأنت أقل ميلاً لسماع أصوات غير مرغوب فيها مثل أصوات أبواق السيارات، وهكذا، يمكنك القول إنَّ كل هذه الضوضاء تساعد في النوم والتركيز، لكنها في الحقيقة تخفي أصواتاً أخرى قد تشتت انتباهك أو توقظك".
حصر الدماغ في ضوضاء محايدة
في وقتنا الحالي، ومع كثرة مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت إمكانية الوصول إلى الأنواع المختلفة من الضوضاء الملونة سهلة بشكل كبير، سواء عن طريق اليوتيوب، أو منصات الموسيقى، أو منصات المسلسلات والأفلام، أو حتى التطبيقات الخاصة بالكتب المسموعة.
وتتصدر الضوضاء البيضاء المجموعة من حيث عدد الدراسات السريرية التي أجريت عليها، كونها أقدم نوع ضوضاء تم اكتشافها، فيما تعتبر فيديوهات الضوضاء البنية الأكثر مشاهدة، واستهلاكاً من طرف الجمهور، وذلك لأنها تساعد في تحسين التركيز والانتباه والاسترخاء، وكذلك من أجل الخلود إلى النوم.
ويمكن أن يكون تأثير هذه الأصوات وهمياً، لكنه له تأثير في الوصول إلى الحالة المراد الوصول إليها، والتي تتمثل في ما ذكر سابقاً، أي الحالة المراد علاجها.
وسواء كانت هذه الأصوات من اللون البني أو الوردي أو الأخضر أو الأبيض أو الأزرق، فإنها جزء من طيف الصوت، وتحتوي على ترددات منخفضة بمستويات مختلفة.
إذ يعتمد تحديد ضوضاء اللون المناسب من شخص لآخر في غالبية الأحيان على التفضيل الشخصي أكثر من أي شيء آخر.
تشرح باربرا شين-كننغهام، أستاذة علم الأعصاب السمعي ومديرة معهد كوان لعلوم الأعصاب في جامعة كارنيغي ميلون الأمريكية: "التوازن بين كمية الطاقة ونطاق التردد هو في الأصل عنصر الاختلاف الذي يحدد وصف الصوت بأنه باللون الوردي أو البني أو الأبيض، وقد يكون للاختلافات نتائج إدراكية حقيقية، لكن لديها جميعاً هذه الصفة بأنها رتيبة للدماغ وقادرة على حجب الأصوات الأخرى".
كما يمكن وصف أن الاستماع إلى هذه الأنواع من الضوضاء، بمختلف ألوانها، هو شبيه بعملية التأمل، حين تركز انتباهك على شيء ما بعيداً عن المحيط الخارجي، وهذا التركيز يلعب نوعاً من التأثير على الدماغ، من خلال إلهائه عن الضوضاء الخارجية، وحصره في ضوضاء محايدة.
ما هي الضوضاء البيضاء وفوائدها؟
يتم تحديد الضوضاء البيضاء في كونها عبارة عن ترددات مسموعة تصدر معاً في نفس مستوى الصوت، وتكون قريبة لكونها همسات خافتة، وذلك لأن قوقعة الأذن تسمع الأصوات عالية التردد بمستوى أعلى، عكس التي تطلقها الضوضاء البيضاء، والتي تسمى كذلك ضوضاء النطاق العريض.
وغالباً ما يكون صوت الضوضاء البيضاء صوتاً أجوف، أحادي التردد، مثل قناة تلفزيونية مشوشة، أو صوت غسالة الملابس، أو صوت خرير المياه، أو صوت مروحة.
وحسب الخبراء، فإن هذه الضوضاء من الممكن أن تساعد في حل مشاكل فرط الحركة، ونقص الانتباه، وخاصة تحسين سرعة القراءة والكتابة بالنسبة للأطفال، إلا أنها لا يجب اعتبارها حالاً كاملاً لهم، وأنه يمكن أن يكون لها تأثير ضار على التعلم السمعي وربما حتى تطور الجهاز السمعي عند الرضع.
ومن بين الأسباب التي تجعل البالغين يلجأون للضوضاء البيضاء، التمكن من العزلة من أجل التفكير بدماغ صافٍ، أو إخفاء أصوات الضوضاء الخارجية، وكذلك المساعدة في الاسترخاء من أجل النوم.
الضوضاء البنية للحصول على الهدوء
تعتبر الضوضاء البنية هي الأكثر ضجيجاً مقارنة ببقية الألوان، وسُميت على اسم الحركة البراونية (البنية) للسوائل، وهي الحركة العشوائية للجسيمات في سائل أثناء ارتدادها عن بعضها بعضاً، التي اكتشفها عالم النبات الاسكتلندي روبرت براون في سنة 1827.
ولهذه الضوضاء ترددات أخف من الضوضاء البيضاء، مما يجعل صوتها أقل رنيناً معدنياً، تساعد على تهدئة العقل وتسكينه، لكن مع ذلك ليس هناك عدد كبير من الأبحاث السريرية التي تثبت ذلك.
يقول أستاذ الصيدلة الأمريكي دان بيرلاو: "قد تكون الضوضاء البنية أكثر فائدة لعدة أسباب، فمن المحتمل أنَّ الترددات المنخفضة يمكن أن تحفز الدماغ أكثر، فيما يمكن اعتبارها أكثر متعة من الضوضاء البيضاء، وقد يكون الناس أكثر ميلاً لاستخدامها على المدى الطويل".
ويأتي دور الضوضاء البنية في كونها كذلك تساعد على حجب الأصوات الخارجية المزعجة، من أجل التركيز، أو الانعزال عن العالم، للحصول على نوع من الهدوء.
الضوضاء الوردية لنوم مستقر
تعتبر الضوضاء الوردية مفيدة للأشخاص الذين يعانون من الأرق، وصعوبة في الاسترخاء والنوم، وذلك لأن تردد هذا النوع من الضوضاء منخفض بشكل أكبر مقارنة بالأنواع الأخرى.
ويتمثل هذا النوع من الضوضاء غالباً في أصوات هطول الأمطار مع قليل من السكون، أو حفيف الرياح عبر الأشجار، أو الأمواج على الشاطئ، إذ إنه غالباً ما يكون الصوت مرتفعاً، إلا أن تردداته المنخفضة، تعطي تأثيراً جيداً على الدماغ، وتساعد على الدخول في حالة استرخاء والنوم بشكل مستقر.
الخضراء والزرقاء.. أنواع أخرى من الضوضاء
هناك ألوان أخرى من الضوضاء المشتقة من من أنواع الضوضاء التي تم الحديث عنها سابقاً، والتي تعمل بدورها على التأثير في الدماغ بشكل معين، من أجل علاج حالة خاصة، حسب التفضيل الشخصي.
إذ إن الضوضاء الخضراء هي نوع آخر من الضوضاء البيضاء التي تقع في منتصف طيف الصوت، ومثلما يوحي اسمها، تذكرنا بعض الشيء بالأصوات الموجودة في الطبيعة؛ مثل الشلال، مع نغمة أكثر إرضاءً وأقل تشوشاً من الضوضاء البيضاء.
في حين أن الضوضاء الزرقاء عبارة عن طاقة مركزة في الطرف الأعلى من طيف الصوت -أي بصفة أساسية عكس الضوضاء البنية، وغالباً ما تُقارَن بصوت خرير المياه.
الضوضاء الملونة.. علاج وهمي لكن مفيد!
يمكن أن يكون الاعتماد على هذا النوع من الأصوات، والتي يتم اختيارها حسب التفضيل الشخصي، من شخص لآخر، حالاً من أجل التركيز، والهرب من عدة ضغوط خارجية.
وبالرغم من أن هذا النوع من التركيز، يمكن أن يصنف على أنه علاج وهمي، لكنه يساعد على معالجة الدماغ، خلال لحظات من الانفصال عن العالم الخارجي المليء بالقلق.
لذلك، إذ تعرض أحد منا لليلة بلا نوم أو يوم عمل مرهق في المستقبل القريب، فهناك شيء يمكن فعله من أجل الحصول على جزء من الراحة، هو اختيار لون الضوضاء المناسب، ثم الدخول في عالم منفصل، ونقل العقل إلى حالة من الخضوع السلمي.