يقضي مواطنو الولايات المتحدة الأمريكية، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و60 عاماً، ما يعادل 2930 ساعة من حياتهم في انتظار اختفاء النور الأحمر أثناء التوقف في إشارات المرور.
وهو عدد الساعات الذي قد يقل كثيراً عند مقارنته بـ"الإشارات المرورية الطويلة" أو السير البطيء بسبب الحوادث، أو الإصلاحات، أو عمليات التشييد وغلق الطرق.
هذا العدد الهائل من ساعات الانتظار المرورية قد يتضاعف بشكل كبير في العديد من الدول النامية التي تعاني من سوء التخطيط والتنظيم مثلما يحدث ببعض البلدان العربية حيث الاكتظاظ السكاني الشديد، كما هو الحال في دولة مثل مصر التي تحتل عاصمتها المرتبة الثانية عالمياً في نسب التلوث المروري للهواء بسبب السيارات.
ما هو التلوث المروري؟
يتم تعريف التلوث المروري بأنه نوع من تلوث الهواء يحدث نتيجة انبعاثات السيارات الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري، وهو ما يجعل البقاء لفترات طويلة داخل السيارة، سواء كنت قائدها أو على متنها فقط، عامل خطر يؤثر على حالتك الصحية بشكل كبير.
مخاطر على صحة الدماغ
في دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة كولومبيا، وتُعد الأولى من نوعها في العالم، توصل باحثون إلى أن "التلوث المروري" ولو لفترة وجيزة له تأثيرات سريعة وقوية على الدماغ.
لا نتحدث هنا عن مستويات الزحام وساعات الانتظار الطويلة جداً، وإنما عن المستويات الشائعة من التعرُّض للتلوث المروري، والتي اتضح أنها تضعف وظائف مخ الإنسان في غضون ساعات فقط.
وقد تم إخضاع المشاركين في الدراسة لتصوير بالرنين المغناطيسي، عقب التعرض لعوادم الديزل، واكتشف الباحثون أن مجرد التعرض ولو لفترة وجيزة لهذه الملوثات يعطل مناطق مختلفة من الدماغ البشري ويوقف قدرتها على التواصل مع بعضها البعض.
معاناة خاصة يتحملها جهاز الرئة
ويُعد الجهاز الأكثر تأثراً بمشكلة التلوث المروري هو رئتا الإنسان، إذ يصبح تلوث الهواء بوابة لكثير من أمراض الجهاز التنفسي ومن ضمنها الربو، والانسداد الرئوي المزمن، والالتهاب الرئوي، والسل.
في دراسة علمية متخصصة حول ذلك الأثر بالذات، توصل مجموعة من الباحثين إلى تأثير الحرائق المحلية والتلوث المروري في تفاقم أمراض الجهاز التنفسي.
وهو ما وجدوه مؤثراً بشكل جذري، ما جعلهم يختتمون دراستهم بتوصية حول ضرورة تعزيز الوعي، ودعم التدخلات الفردية والمجتمعية، كالمبادرات الرسمية والفردية للحد من الانبعاثات وتلوث الهواء.
التلوث المروري قد يسبب التهاب المفاصل الروماتويدي!
عادةً ما تُعزى الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي إلى العوامل الوراثية، ومع ذلك كشفت دراسة علمية تم إعدادها عام 2009، الدور الذي تلعبه الجسيمات الملوثة في الهواء، أثناء التعرض للتلوث المروري، على صحة مفاصل الجسم.
حيث قام مجموعة من الباحثين بدراسة أكثر من 90 ألف سيدة أمريكية، يقطعن طرقاً طويلة من وإلى مواقع عملهن، لبحث مدى تأثير التلوث المروري على حالتهن الصحية.
كانت المفاجأة التي كشفتها الدراسة، أن التعرض للتلوث الناجم عن حركة المرور، في مرحلة البلوغ، قد يكون عامل خطر كبير، حيث تزداد احتمالية الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي.
الإشارات المرورية قد تسبب الموت!
الأمر الأكثر خطورة بشأن التلوث المروري هو أنه قادر على أن يقتلك.
يحدث هذا الأمر إما بشكل مباشر، وإما بشكل غير مباشر عبر إصابة المرء بالأمراض الخطيرة المفضية إلى الوفاة.
كشفت دراسة علمية شملت بلداناً لا تتميز بارتفاع نسب التلوث فيها من الأساس، مثل النمسا وفرنسا وسويسرا، أن تلوث الهواء كان السبب في 6% من إجمالي الوفيات في تلك الدول، ما يعني أكثر من 40 ألف حالة في العام الواحد.
وكان أكثر من نصف هذه الأرقام، لحالات أصيبت بالتهاب الشعب الهوائية المزمن، ونوبات التهاب الشعب الهوائية بين الأطفال، كما تسبب التلوث المروري في قرابة نصف مليون نوبة ربو.
واتضح أن آثار تلوث الهواء على الصحة العامة، رغم أنها مخاطر فردية ومحدودة نسبياً مقارنة بمخاطر صحية أخرى، كانت دافعاً ملحاً وكافياً لمزيد من سياسات الحفاظ على البيئة، من أجل تحقيق صحة أفضل.
لهذا يجب ألا تصحب أطفالك في رحلات طويلة
يعد تأثير التلوث المروري من أخطر عوامل التهديد لصحة الأطفال والأجنة حتى قبل الولادة. فهو قادر على أن يصحبهم بتأثيراته المزمنة منذ لحظة الميلاد، وحتى آخر لحظات حياتهم.
وقد حاولت دراسة أمريكية متخصصة أن ترصد آثار ازدحام السيارات على تلوث الهواء المحيط، ومقارنتها بمعدلات وفيات الرضع المحلية في ولاية كاليفورنيا.
وتبين أن هناك دوراً يلعبه التلوث المروري في وفيات الرضع الأسبوعية، خاصة بين منخفضي الوزن عند الولادة، ويرجع هذا لتأثيرات أول أكسيد الكربون الكبيرة على الأطفال.
لذلك حذّرت الكثير من الأبحاث العلمية عن تأثير التلوث على الأطفال من تعرضهم لتلوث الهواء في المناطق الحضرية، وربطوه بضعف الأداء الإدراكي، والذي ينتج عن التداخل المباشر للملوثات في عملية نضج الدماغ، والعمليات العقلية الداخلية، والعمليات العقلية المرتبطة بالتحفيز.
لا تسكن قرب الطرقات الرئيسية
رغم الأسعار المرتفعة، والمزايا العديدة للوحدات السكنية المعروضة للبيع في الشوارع الرئيسية، فإن من الضرورة بمكانٍ الابتعاد عن مثل تلك الوحدات مهما كلّف الأمر.
إذ يدعم ذلك عدد من الدراسات التي تناولت أثر السكن بجانب طرق رئيسية مكتظة بالحركات المرورية المستمرة؛ إذ لا يتعلق الأمر فقط بالتلوث المروري طويل الأمد، ولكن أيضاً بالضوضاء الشديدة، الأمر الذي ينتج عنه بحسب دراسة أوروبية، ارتفاع مخاطر الإصابة بمرض الضغط، وتفاقم المعاناة المترتبة على ذلك.
خطوات للوقاية من تأثير التلوث المروري
في خطوات فردية يمكنك القيام بها للوقاية من الأثر السلبي للتلوث المروري، ربما يكون من الحكمة مطالعة خرائط جوجل قبل التحرك، من أجل تجنب الطرق المزدحمة قدر الممكن.
وبحسب وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هناك طرقاً للتحكم في نسبة التلوث المروري الذي من المحتمل أن تتعرض له يومياً، وذلك عبر عدة نصائح يمكن اختصارها كالتالي:
- القيادة أقل، والمشي أو ركوب الدراجات قدر الإمكان، أو حتى العمل من المنزل إن كان هذا ممكناً.
- القيادة الحكيمة التي تتضمن العناية بالسيارة، واتباع جدول الصيانة الخاص بالشركة المصنعة، واستخدام زيوت المحركات الموصى بها.
- اختيار السيارات الأكثر كفاءة والأقل تلويثاً للبيئة، كالسيارات الكهربائية.
- عدم إبطاء القيادة، لأن إبطاء السيارات والشاحنات دون ضرورة يلوث الهواء بشكل أكبر، ويؤدي إلى تآكل المحرك أيضاً.
- تقليل المشاوير والاعتماد أكثر في التسوق عبر الإنترنت، إذ يمكن أن يساعد الطلب الجماعي، أو المتاجر الـ"أون لاين" على تقليل التلوث الذي تتعرض له.