البعض يربطه بـ "شيب الشعر"، لكن يمكن لقليلٍ من التوتر والضغط النفسي أن يكون مفيداً لك؛ وبحسب دراسة نُشرت في العام 2013؛ فقد رأى الباحثون أن الأحداث المُجهدة أو الضاغطة هي على الأرجح ما يجعل الدماغ أكثر يقظة، وغالباً ما يكون أداؤنا أفضل حين نكون متنبّهين.
لكن يمكن لزيادة التوتر أن تسبّب مجموعةً من المشكلات الصحية الخطيرة التي تتضمّن أمراض القلب، والصداع، ومشكلات المعدة، بالإضافة إلى اضطراب النوم وضعف جهاز المناعة.
ويمكن أن يؤثر التوتر على مظهرك الخارجي أيضاً؛ فقد يتسبّب في إلحاق الضرر ببشرتك، من خلال الحبوب أو الصدفية، كما أنه قد يتسبّب بحالات مَرَضية مثل تساقط الشعر الكربي أو الثعلبة، وكلتا الحالتين تؤدي إلى تساقط كميات كبيرة من الشعر.
ولكن، هل صحيح أن شيب الشعر مرتبط بالتوتر؟
لا توجد وظيفة في العالم أكثر إجهاداً من منصب رئيس للبلاد، أي بلاد، وكيف الحال إذا كان رئيس الولايات المتحدة؟
وبحسب موقع How Stuff Works، فقد خضع رؤساء الولايات المتحدة، من بيل كلينتون مروراً بجورج بوش وصولاً إلى باراك أوباما، إلى مقارنات بين حالهم، قبل شغل المنصب وبعد تركه، أظهرت مدى تأثير هذا المنصب على فروة رؤوسهم.
ويذكر الموقع في تقريرٍ آخر أن ماري أنطوانيت ظهر الشيب على رأسها، عندما كانت بمواجهة المقصلة. وقد اعتقد المتفرّجون حينها أن لون شعرها تغيّر بين ليلةٍ وضحاها، بسبب التوتّر؛ لأنها كانت في انتظار مصيرها.
لكن تبيّن لاحقاً أنه في حالتها، لم يكن الشيب مفاجئاً؛ فشعرها لطالما كان رمادي اللون، لكنها كانت ترتدي شعراً مستعاراً، وكان الأمر شائعاً في القرن الـ18.
ولكن ماذا عن الرؤساء الثلاثة؟
- كان شعر كلينتون تكسوه مسحة من اللون الأبيض، حين بدأ عمله الرسمي رئيساً للولايات المتحدة في عمر الـ46، وصار أبيض تماماً عندما غادر المنصب.
- الرئيس جورج بوش هو الآخر صار شعره أبيض تماماً، بعد 8 سنوات في منصبه رئيساً للبلاد.
- أوباما بدأ ولايته بشعرٍ أسود داكن؛ وبعد 8 سنوات في المنصب، صار شعره مكسواً بمسحة رمادية ظاهرة تماماً.
ولكن بالنسبة لغالبية الأشخاص، ليس التوتر والضغط العصبي السببين وراء شيب الشعر؛ إذ يبدأ الشعر في التحوّل إلى اللون الأبيض بصورة طبيعية، بين الـ30 والـ35 من العمر، وغالباً ما تلعب الجينات دوراً في بداية عملية التحوّل هذه.
ولكن، لماذا يشيب الشعر في الأساس؟
يحتوي رأس الإنسان على مئات الآلاف من البصيلات، وكلّ بصيلة تنتج شعرة واحدة. والخلايا الميلانينية (الصبغية) هي التي تحدّد لون الشعر، وبمجرّد أن يتحدّد لونه، فإنه لا يتغيّر.
يتحوّل الشعر إلى رماديّ، بسبب قلّة إنتاج الميلانين، ويصبح أبيض تماماً، بسبب اختفاء الميلانين كلياً. ولكن، لماذا نفقد الخلايا التي تُنتج الميلانين؟
الغريب أن العلماء لا يملكون جواباً واضحاً، لكن الأكيد أن الموضوع مرتبط بالخلايا الجذعية. قد تتلف، أو لا تحصل على الدعم اللازم الذي يساعدها على الاستمرار في أداء عملها.
والأكيد أيضاً أن بصيلات شعرنا تُنتج بدورها لوناً أقل كلما تقدّمنا في العمر، ولذا، فمن المنطقي أنه مع سقوط كلّ شعرة وإعادة إنتاج شعرة جديدة مكانها، يكون لونها أفتح من الشعرة التي سبقتها.
الجينات وشيب الشعر
تلعب الجينات دوراً رئيساً في شيب الشعر، وهي تتحكّم بتوقيت تحوّل شعرك إلى اللون الرمادي.
حاول العلماء على مدى عقود تحديد ماذا يحدث تحديداً مع الجينات والخلايا، عندما يتحوّل الشعر إلى أبيض؛ وليس فقط من أجل حلّ لغز الشيب، بل لأن شعرنا قد يكشف عن معلومات مفيدة في علاج حالاتٍ مرضية أخرى، مرتبطة بالتقدّم في السن.
على سبيل المثال، في العام 2004 كان الباحثون في معهد دانا فاربر (المختصّ بعلاج السرطان) ببوسطن، يدرسون الورم الميلانيني، الذي ينتج عن الإفراط في إنتاج الخلايا الصبغية في الجلد، والذي يمكن أن يؤدي إلى سرطان الجلد.
وبينما كانوا يحاولون معرفة المزيد عن طبيعة الخلايا الصبغية، وجد الباحثون أن الشعر قد يتحوّل إلى اللون الرمادي مع استنفاد الخلايا الجذعية الصبغية.
كذلك أشارت نتيجة دراسة يابانية أجريت في العام 2009، ونُشرت في صحيفة Cell، إلى أن التوتر والضغط العصبي يمكن في واقع الأمر أن يتسبّبا في تحوّل لون الشعر إلى رمادي.
ولسنا نتحدث هنا عن نوعية التوتر الذي يأتينا بسبب قيادة السيارة، أو الذي تشعر به عندما يكون لديك مقابلة عمل.
وجد الباحثون أن الإجهاد الذي يؤثر على الجينات، في صورة الأشعة فوق البنفسجية والمواد الكيميائية، يدمّر الحمض النووي لدينا، ويمكنه أن يؤدي إلى استنفاد هذه الخلايا الجذعية الصبغية.
صحيحٌ أن البحث أشار، على ما يبدو، إلى أننا قادرون على إيقاف تدمير الحمض النووي عن طريق التخلص من الإجهاد المضر بالجينات، لكن الباحثين يقدرون أن الخلية الواحدة في الثدييات تتعرض لـ100 ألف نوع من مثل هذه العوامل المسببة للإجهاد في اليوم الواحد، وهو ما يجعل التجنب التام أمراً مستحيلاً.
هل التخلّص من التوتر يعيد للشعر لونه؟
ثمة دراسة واحدة صغيرة أُجريت في عام 2021 عن طريق باحثين من كلية الأطباء والجراحين بجامعة كولومبيا، هي الأولى من نوعها التي تحمل أدلة قياسية تربط عوامل التوتر اليومية بتحوّل لون الشعر إلى الرمادي.
وليس هذا فقط، بل تقول هذه الدراسة: إنه يمكن إعادته إلى لونه السابق!
حلّل الباحثون شعر 14 متطوّعاً، وقارنوا النتائج مع مذكرات المتطوعين التي يذكرون فيها الضغوط اليومية، وتتبعوا من خلالها مستوى التوتر الأسبوعي وقدّروه.
واندهش الباحثون عندما اكتشفوا أن الشعر استعاد لونه السابق، لدى بعض المشاركين، الذين تخلّصوا من عوامل التوتر والضغط العصبي.
وفي بيانٍ صحفي، قال الدكتور مارتن بيكارد، المؤلف الرئيس للدراسة: "إن فهم الآليات، التي تسمح للشعر الرمادي بالعودة إلى حالات بصيلاته الشابة، يمكن أن يحمل أدلة جديدة على مرونة الجنس البشري في العموم وقابليته للتطويع، وكيفية تأثره بالتوتر".
وأضاف: "بياناتنا تضاف إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تُشير إلى أن تقدّم الجنس البشري في العمر ليس عملية بيولوجية خطية ثابتة، بل ربما تتوقف أو حتى تعكس اتجاهاً مؤقتاً، ولو بصورة جزئية على الأقل".