على الأرجح قد سمعت من قبلُ أحدهم يصف شخصاً آخر بأنه "مختل عقلياً" أو "معتل اجتماعياً"؛ ولكن ماذا تعني هذه الكلمات حقاً؟ وهل هناك فارق بينهما نسبة للأعراض النفسية والحالة العقلية للمصاب بها.
على الرغم من أن تلك التسميات تشير إلى حالات نفسية وعقلية، فإنك لن تجد هذه التعريفات في كتيب الصحة العقلية الرسمي، أو في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية العالمي.
إذ لا يقوم الأطباء بتشخيص المصابين رسمياً على أنهم مختلون عقلياً أو معتلون اجتماعياً. وبدلاً من ذلك يستخدمون مصطلحاً جامعاً لهاتين الحالتين وهو: اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أو antisocial personality disorder (ASPD).
ويعتقد معظم الخبراء أن السيكوباتي أو المختل عقلياً، والمعتل اجتماعياً يتشاركان بالفعل في مجموعة محدودة متماثلة ومتطابقة من الأعراض والسمات النفسية والعقلية.
لأنه بالنسبة لهؤلاء، عادةً ما يكون لديهم حس داخلي ضعيف بالصواب والخطأ. كما أنهم لا يستطيعون فهم مشاعر شخص آخر والتعاطُف معه، لكن هناك بعض الاختلافات الجذرية.
الفارق بالنسبة للمختل عقلياً أنه لا يمتلك الضمير
يقول أستاذ علم النفس أمريكي، إل مايكل تومبكينس، لموقع WebMD للطب، إن الاختلاف الرئيسي بين المختل عقلياً والمعتل اجتماعياً هو ما إذا كان لديه شعور بالضمير أم لا، ويتمتع بالصوت الخفيف الداخلي الذي يسمح لنا بمعرفة متى نفعل شيئاً خاطئاً.
وبالتالي فإن السيكوباتي ليس لديه ضمير. إذا كذب عليك حتى يتمكن من سرقة أموالك، فلن يشعر بأي مخاوف أو وازع أخلاقي، رغم أنه قد يتظاهر بذلك، وقد يراقب الآخرين ثم يتصرف بالطريقة التي يتصرفون بها، لكنه في قرارة نفسه لا يشعر إلا بمصلحته الشخصية.
في المقابل، عادةً ما يكون لدى المعتل اجتماعياً وازع من الضمير والرقابة الذاتية، لكنها ضعيفة نسبياً. فهو قد يعلم أن سرقة أموالك أمر خطأ، وقد يشعر ببعض الذنب أو الندم، لكن هذا التأنيب لن يوقف سلوكه.
وفي المُجمل، كلاهما يفتقر إلى التعاطف والقدرة على الوقوف في مكان شخص آخر وفهم ما يشعر به والتعاطُف معه وتخيُّل موقفه.
لذا فإن السيكوباتي أو المختل عقلياً لا يهتم كثيراً بالآخرين. شخص ما بهذا النوع من الشخصية يرى الآخرين كأنهم أشياء يمكنه استخدامها لمصلحته الخاصة مهما كلف الأمر.
وعلى الرغم من تلك الأعراض المُقلقة، فإنه ليس بالضرورة أن يكون كل مختل عقلياً أو معتل اجتماعياً مُجرماً أو قاتلاً محترفاً، بل أحياناً قد يكون أكبر عَرَض يظهر عليهم هو كونهم شخصيات باردة وغير متفاعلة مع محيطهم وفي علاقاتهم.
لذلك عادةً ما يكون الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع عنيفين، أو قد يستخدمون التلاعب والسلوك المتهور للحصول على ما يريدون حتى لو كلف الأمر أذية الآخرين.
ومع ذلك، لا يعني توافر تلك السمات في شخص ما أنه مصاب بالاضطراب النفسي والعقلي، بل ببساطة قد يعني أنه أناني أو دنيء أو انتهازي لا أكثر.
وبشكل أساسي حدد موقع Very Well Mind للصحة النفسية الفروقات التالية:
1- سمات المعتل اجتماعياً:
- لا يهتم بما يشعر به الآخرون.
- يتصرف بطرق عنيفة واندفاعية ومتهورة.
- عرضة لنوبات الغضب الشديدة.
- يميِّز بأن أفعاله خاطئة لكنه يبررها لنفسه.
- لا يستطيع الحفاظ على عمل منتظم وحياة أسرية.
- يمكنه تطوير ارتباطات عاطفية، لكن يعاني في الحفاظ عليها.
2- سمات المختل عقلياً:
- يتظاهر بالاهتمام والمشاعر.
- انعدام الضمير والشعور بالرقابة الذاتية.
- لديه سلوك بارد وجامد.
- لا يستطيع استيعاب مشاعر الآخرين.
- التهور وعدم تقدير المخاطر.
- لديه علاقات سطحية وزائفة.
- لا يشعر بتأثير العقوبات.
- يحرص على امتلاك حياة طبيعية كغطاء لميوله الإجرامية.
- يفشل في تكوين ارتباطات عاطفية حقيقية ومشاعر للآخرين.
- عدم امتلاك أهداف للحياة وغياب القدرة على التخطيط للمستقبل.
علامات وأعراض الاضطراب المبكرة منذ الطفولة
يمكن أن تظهر بعض السلوكيات خلال مراحل الطفولة والتي تدل على أن الطفل سيصبح معتلاً اجتماعياً أو مختلاً عقلياً في المستقبل، وتعتمد تلك الأعراض بشكل كبير على الجينات المتوارثة من الوالدين والأهل. وتشمل بحسب Medical News Today للصحة:
- العدوان الجسدي تجاه الآخرين.
- إساءة معاملة الحيوانات والقسوة مع الغير.
- الكذب.
- السرقة.
- كسر القواعد باستمرار.
- تدمير الممتلكات والتخريب.
ما الذي يسبب هذه الاضطرابات النفسية والعقلية؟
الاعتلال الاجتماعي والخلل العقلي لهما أسباب بيولوجية وبيئية على حدٍّ سواء.
كما يمكن أن تلعب طفولة الشخص وتجاربه خلالها وطريقة تربيته دوراً محورياً في إصابة الشخص بالاعتلال الاجتماعي أو الاختلال العقلي لاحقاً في حياته.
وغالباً ما يحدث اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أيضاً، إضافة لحالات نفسية وعقلية أخرى:
- اضطراب الاكتئاب الحاد.
- اضطراب ثنائي القطب (الفرح الشديد والحزن الشديد بدون مقدمات).
- اضطرابات الإدمان (الإدمان الجنسي، والمخدرات، والكحول وغيرها).
- اضطرابات القلق والتوتر ونوبات الهلع.
- اضطراب الأعراض الجسدية الوهمي.
- الاعتلال الاجتماعي وتدهور العلاقات.
لماذا قد يصبح الشخص معتلاً عقلياً؟
على الرغم من المعلومات المتوافرة عن تلك الحالة، فإن الأسباب الدقيقة لإصابة الشخص بالاعتلال الاجتماعي أو الاختلال العقلي ليست مفهومة جيداً، لكن بشكل رئيسي يُعتقد أن بيئة الشخص أثناء نُضجه تلعب دوراً كبيراً.
على سبيل المثال، الأطفال الذين يتعرضون للإيذاء الجسدي أو الجنسي أو العاطفي والتوتر الشديد خلال سنوات حياتهم الأولى هم الأكثر عرضة من غيرهم لأن يصبحوا معتلون اجتماعياً.
ومع ذلك، لم يتعرض جميع المعتلين اجتماعياً لسوء المعاملة أو الصدمات خلال طفولتهم.
كذلك، فإن الأطفال الذين يتم إهمالهم أو لا يمتلكون روابط قوية وموثوقة مع والديهم خلال سنوات طفولتهم لديهم أيضاً فرصة أكبر للإصابة بالاعتلال الاجتماعي.
لماذا قد يصبح الشخص مختلاً عقلياً؟
يعتقد الباحثون أن علم الوراثة وعلم الأحياء يلعبان دوراً أكبر بكثير في الاعتلال العقلي من الاعتلال الاجتماعي. إذ يميل الأشخاص الذين يعانون من السيكوباتية إلى إظهار الأعراض في سن أبكر من المعتلين اجتماعياً، مما يشير أيضاً إلى أن بعض الأشخاص "يولدون بهذه الحالة" أحياناً.
ويرتبط الاعتلال النفسي بخلل وظيفي في منطقة من الدماغ تسمى اللوزة، وهي مسؤولة عن قدرة الشخص على الاستجابة بشكل مناسب للأحداث التي قد تكون خطرة أو مهددة. وهذا الجزء من الدماغ يساعد أيضاً في تنظيم العواطف وإدارتها.
كما وُجد أن العديد من الأجزاء الأخرى من الدماغ- مثل قشرة الفص الجبهي، والقشرة الصدغية، والبنى شبه الحوفية- لديها تغيرات في بنيتها ووظيفتها لدى الأشخاص المصابين باعتلال عقلي.
هل هناك علاج للمعتل اجتماعياً والمختل عقلياً؟
غالباً ما يكون علاج السيكوباتيين والسوسوباتيين أمراً صعباً، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى أنهم لا يعتقدون أن هناك شيئاً خاطئاً لديهم أو أنهم يعانون من خطب ما.
ومع ذلك، من المرجح أن يتحسن الأفراد الذين يعانون من هذه السمات بالعلاج عندما يبدأون في العملية قبل بلوغهم سن الرشد. وفي بعض الحالات، تُستخدم الأدوية للمساعدة في تحسين جوانب معينة من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
1- العلاج النفسي
يمثل العلاج النفسي تحدياً للمصاب بالحالات النفسية والعقلية المعادية للمجتمع.
قد يكون العلاج الذي يتم في مرحلة الطفولة والمراهقة المبكرة مفيداً في بعض الأحيان في تعزيز السلوكيات المناسبة اجتماعياً.
لكن في بعض الحالات، يمكن أن يساعد العلاج في تقليل السلوكيات العنيفة لبعض الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات، ويحقق "سيطرة على الحالة ومشاكلها" أكثر من مجرد علاجها بالكامل، بحسب موقع Very Well Heatlh للصحة والمعلومات الطبية.
2- العلاج بالعقاقير
لا يوجد دواء يعالج الاعتلال الاجتماعي أو السيكوباتي بشكل مباشر. ومع ذلك، فإن الأدوية التي تم تطويرها لعلاج حالات أخرى، مثل أدوية اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD) واضطرابات القلق ومضادات الاكتئاب، تُستخدم أحياناً للمساعدة في علاج أعراض هذه الحالات.
ويمكن علاج الاعتلال الاجتماعي والخلل العقلي نسبياً من خلال:
- المنبهات النفسية: تساعد هذه الأدوية في علاج سلوكيات مثل فرط النشاط والاندفاع ونوبات الغضب، وقد ثبت أنها تقلل من العدوانية لدى الأطفال والشباب المصابين باعتلال نفسي. وتشمل عقاقير الميثيلفينيديت، والديكستروأمفيتامين.
- مضادات الذهان: تُستخدم هذه الأدوية بشكل شائع، لعلاج حالات الصحة العقلية مثل الاضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية. ومع ذلك، فهي تستخدم أيضاً لتقليل السلوكيات العدوانية للمختل عقلياً والمعتل اجتماعياً.
- مثبّتات الحالة المزاجية: هذه الأدوية، التي توصف عادة للاضطراب ثنائي القطب، يمكنها أن تقلل من العدوانية ونوبات الغضب لدى الأشخاص المصابين باعتلال عقلي أيضاً.
ولتحديد أي الخيارات هو الأكثر ملاءمة لعلاج الحالة أو السيطرة على تداعياتها وحدّة أعراضها، يُنصح باستشارة طبيب في الصحة النفسية أو العقلية.