يُشخَّص الاكتئاب بمجموعة أساسية من الأعراض، من ضمنها: الحالة المزاجية السيئة، وقلة الحافز، وفقدان المتعة خلال ممارسة النشاطات، بالإضافة إلى اضطرابات النوم، وصعوبة التركيز، والتغيّرات في الشهية.
معظم المُصابين بالاكتئاب لا يعانون من كل تلك الأعراض، بل عدد قليل منها، وهناك أعراض أخرى قد تظهر. فالعوامل الفردية التي تحدد شكل الاكتئاب تختلف من شخص لآخر؛ لذلك قد تجد أشكالاً مختلفة من الأعراض بين شخصين يعانيان من الاكتئاب.
قد لا نقدّم معلومة جديدة إذا قلنا إن الرجال والنساء يعبّرون عن اكتئابهم بطرقٍ مختلفة، وقد لا يكون للجنس البيولوجي بحد ذاته تأثير قوي، لكن التمييز على أساس الجنس، وأشكال ضغوط الحياة، والصدمات، والمجتمع الذكوري كلّها عوامل من شأنها أن تجعل أعراض الاكتئاب مختلفة بين الرجل والمرأة.
لكن مهلاً، من الضروري الإشارة في هذا السياق إلى أن هذا لا يعني أنه يمكن تقسيم حالة الاكتئاب إلى شكلين مختلفين تماماً: شكل أنثوي وشكل ذكوري، إنّه أقرب إلى الطريقة التي يظهر بها المرض النفسي لدى الرجال بشكلٍ مختلف عن النساء.
الجنس البيولوجي عامل أساسي أيضاً
في العام 2018، خلُصت دراسة نُشرت في مجلة Biological Psychiatry إلى أن هناك اختلافات جزيئية في أدمغة الرجال والنساء المصابين بالاكتئاب، وأن الاكتئاب الحاد يصيب النساء ضعف عدد المرّات التي يصيب بها الرجال؛ إذ تبيّن أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب غير النمطي ثلاث مرات، مع أعراض تتراوح بين الإفراط في النوم والزيادة في الوزن.
ولاختبار هذه الفرضية أجرت الدراسة –التي شارك بها 10 أساتذة متخصّصين في علم النفس- تحليلاً جينيّاً على نطاقٍ واسع عبر ثلاث مناطق دماغيّة:
- قشرة الفص الجبهي، ودورها مرتبط بالانتباه والعمل.
- القشرة الحزامية الأمامية، التي تُعنى بالمرونة الإدراكية المرتبطة باتخاذ القرار.
- اللوزة الوحشية القاعدية، التي ترتبط بالسلوك العاطفي.
من أجل الدراسة فحص الباحثون عيّنات أنسجة المخ من 50 شخصاً بعد الوفاة، ولاحظوا أن أحد الاختلافات الرئيسية مرتبط بأدمغة النساء، إذ تعبّر عن المزيد من الجينات التي تحدد النشاط المشبكي (النبضات الكهربائية التي تستخدمها خلايا الدماغ للتواصل).
الدور الاجتماعي يؤثر على كيفية الاستجابة للعلاج؟
وفي دراسةٍ أخرى نشرتها مجلّة Progress in Neurobiology في العام 2019، تبيّن أنّ الفروق البيولوجية بين الجنسين يمكن أن تؤثر -ليس فقط على كيفية ظهور الاكتئاب لدى الرجال والنساء- بل على كيفية استجابته للعلاج أيضاً.
فقد أولى الباحثون اهتماماً خاصاً لتأثيرات الحمل وفترة ما بعد الولادة، ودورها في تحفيز الاكتئاب بالنسبة للنساء. وليست الفكرة هنا أنّ عدداً كبيراً من النساء مصابات بالاكتئاب، بل إنهنّ أكثر ميلاً لإظهار أعراضٍ عاطفية يمكن التعرّف إليها على أنّها أعراض الاكتئاب.
تميل المرأة عموماً إلى التعبير عن عواطفها أكثر من الرجل، لذلك نراها تلتفت إلى نفسها وتتلقى العلاج. هذه الملاحظة هي أحد الأمثلة على كيفية تأثير العوامل الاجتماعية على صحّة الرجل النفسية.
ففي حين يقبل المجتمع أن تعبّر المرأة عن مشاعرها علانية، وتلجأ إلى العلاج، غالباً ما نراه يشكّل عامل ضغطٍ على الرجل في هذا الإطار. لا يزال الاكتئاب في كثيرٍ من مجتمعاتنا العربيّة يشكّل "وصمة عار"، تحديداً على الرجل الذي ينمو على عرفٍ اجتماعي يقضي باحتفاظه بمشاعره.
فنراه يتخذ نهجاً أكثر رزانة، وغالباً ما يتردّد في طلب المساعدة والتعبير عن مشاعره؛ ونتيجةً لذلك فقد يعاني الرجل من مشاكل في صحّته النفسية هو بغنى عنها، بإمكانها أن تؤثّر بشكلٍ كبير على حياته.
وأكثر من ذلك..
هناك العديد من الرجال الذين لا يتمّ تعليمهم كيفية التعرّف على علامات الاكتئاب الأقلّ شيوعاً، لذلك فإن بعضهم لا يطلب المساعدة ولا يلجأ إلى العلاج؛ لأنه لا يتعرف أبداً إلى العلامات، وفي حال تعرّف إليها فقد يواجه صعوبة في مناقشة تجربته، لأنه يخشى حكم الآخرين.
تشخيص الاكتئاب والبحث عن علاج يمكنهما أن يساعدا في إنقاذ الأرواح، فمعدّلات الانتحار مرتفعة بين الرجال، والرجال أكثر عرضة للانتحار من النساء بثلاث إلى أربع مرات، بحسب دراسةٍ نُشرت في العام 2012.
بحسب موقع Healthline فإنّ الأعراض السلوكية للاكتئاب قد تكون أكثر وضوحاً لدى الرجال؛ لأنّهم غالباً ما يقاومون مشاركة مشاعرهم والتعبير عنها، والأعراض السلوكية الأكثر شيوعاً تشمل:
- عُزلة اجتماعيّة.
- غضب غير مبرّر.
- تعاطي الكحول بكثرة.
- صعوبة كبيرة في النوم.
- الانخراط في نشاطات متهوّرة.
- العمل لساعاتٍ طويلة ومتأخّرة.
- عدم الاهتمام بمسؤوليات الأسرة.
لذلك، وفي حال كنتَ تعاني من واحدة أو أكثر من هذه الأعراض، لدرجةٍ تعتقد أنّها تؤثّر على حياتك بشكلٍ يومي، لا بد من اللجوء إلى الاستشارة النفسيّة المختصّة. فالاكتئاب ليس وصمة عار، سيّما أننا نعيش في بلادٍ عربيّة منكوبة، و"الشخصي سياسي" ليس شعاراً نسوياً فقط، بل هو تأكيد على أنّ العلاقة بين التجربة الشخصيّة لكلّ فرد وبين البنى الاجتماعية والسياسية المحيطة به يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على صحّتنا النفسيّة.