أكثر ما يُثير انتباهنا خلال هذا البرد القارص هو الفيديوهات المُنتشرة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص يعيشون في الدول الباردة لاسيما روسيا والدول الاسكندنافيّة وهم يمارسون السباحة في الثلج داخل البحيرات والأنهار.
فمن أين جاءت هذه العادة، كيف يستطيعون تحمّلها، هل هناك مسابقات رسميّة فعلاً للسباحة في الثلج؟
السباحة في الثلج وأصولها التاريخيّة
تتم ممارسة السباحة في الثلج أو كما تسمى أيضاً السباحة على الجليد في الأماكن الخارجيّة، وعادةً ما تكون في الدول الباردة عندما تتجمد البحيرات والأنهار هناك.
في دول شمال أوروبا وشرقها تعتبر السباحة في الثلج جزءاً من الاحتفالات الدينية مثل عيد "الغطاس".
ومن المعروف أن الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل ليلة 19 يناير/كانون الثاني من كل عام، بتعميد السيد المسيح، وتشمل تقاليد العيد الغطس في المياه المجمدة 3 مرات، وهو تقليد يقوم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل سنوي.
أيضاً تجري ذات العادة في عدة مواقع في أمريكا الشمالية، وتتم عادة في يوم رأس السنة الجديدة وتسمى "غطس الدب القطبي".
في حين أنّ الدول الاسكندنافية كانت تمارس هذه العادة بشكل مستمر منذ مئات السنين لاعتقادها أن السباحة في مياه ثلجية أمر صحي جداً للقلب.
مسابقات السباحة في الثلج
تُقام مسابقات السباحة على الجليد في العديد من دول العالم ويشرف عليها اثنتان من أكبر الهيئات المنظمة، وهما الاتحاد الدولي للسباحة على الجليد، والاتحاد الدولي للسباحة الشتوية.
أبرز مسابقة بلا شك هي بطولة العالم للسباحة على الجليد التي وصلت إلى نسختها الرابعة وستقام خلال العام الجاري في Glogow البولندية، بعد أن أقيمت النسخة الثالثة في مورمانسك الروسية.
ولدى كلتا المنظمتين المنظمتين إرشادات بما يخص درجات حرارة المياه التي تقل عادة عن 5 درجات مئوية، وتجري في حوض سباحة بطول 25 متراً غالباً ما يكون مقطوعاً عن المسطحات المائية المتجمدة، بينما يجب على السباحين أن يلتزموا بارتداء نظارات واقية، وبدلة سباحة قياسية بغطاء مطاطي واحد أو غطاء سيليكون.
أما المسابقة الثانية الشهيرة أيضاً فهي مسابقة حبس النفس تحت الجليد، إذا يجب على المتسابق أن يتحرك أفقياً بين فتحتين مقطوعتين في الجليد محددتين مسبقاً وغالباً ما تكون المسافة بينهما عشرات الأمتار.
وبما أنّ السباحة تحت الجليد خطرة ولها مزالق أخرى بسبب سماكة الجليد الذي يصعب كسره وقلة الرؤية، فإن المنظمين يضعون حبلاً بإمكان المتسابق أن يسترشد من خلاله طريق العودة في حال لم يتمكن من الوصول إلى الفتحة الأخرى.
في حين تعتبر مسابقة السباحة على الجليد في القارة القطبية الجنوبية من المسابقات الأقل شهرة من سابقتيها، وتقام من خلال سباحة 1000 متر وفقاً لقواعد.
يتم تعريف السباحة على الجليد في القارة القطبية الجنوبية على أنها سباحة 1000 متر أو أكثر في خط عرض 60 ثانية أو أقل وفقاً لقواعد منظمة international ice swimming.
مسابقات فنلندا المحليّة وعلاقتها بهرمون الحب
من نهاية الخريف وحتى فصل الربيع، يصل جسر قابل للإزالة بين جزيرة يونيزاري الصغيرة وحديقة كيفوبويستو التي تمتد على طول الشاطئ الغربي لمدينة هلسنكي في فنلندا، من أجل إقامة مسابقات السباحة في الثلج في أيام الشتاء شديدة البرودة.
فترى مجموعة من البشر يرتدون ملابس خفيفة ويهرولون بين حمام ساونا صغير وشاطئ البحر قبل أن يغطسوا ببسالة في حفرة كبيرة مفتوحة في سطح المحيط الجليدي.
يقول جوناس سيبيلا، سكرتير نادي يونيزاري للسباحة في القطب الشمالي، لموقع This is Finland: تجعلك صدمة المياه المثلجة تشعر بالحيوية، وتشعر بعدها بالهدوء والانتعاش، إذ تطرح ضغوط الحياة في البحر، فيا لها من خبرة لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها فيما بعد".
فيما تؤكد سركا ماكلينن، رئيسة مجلس إدارة النادي، أن المتنزهين يستمتعون بمزايا صحية جسدية وعقلية كثيرة فيشعر معظمهم بأنهم تخلصوا من جزء كبير من الضغوط ونزلات البرد والآلام الجسدية، وكثيرون منهم ينامون جيداً أثناء الليل، كما يعملون بنشاط أثناء النهار.
في حين يوجد في فنلندا أكثر من 200 نادٍ للسباحة الشتوية، حيث يصنع أشخاص كثيرون حفراً في الجليد بالقرب من منازلهم باستخدام المجارف أو المناشير.
وقد بدأت المسابقات والبطولات المحلية المتعلقة بالسباحة في الثلج في فنلندا منذ عام 1989، أما أول نوادٍ للسباحة الشتوية فشيدت في العقد الثالث من القرن العشرين.
من جهتها تقول الكاتبة والصحفية كاتجا بانتزار إن هذه الهواية قد تكون سبباً في احتلال فنلندا المرتبة الأولى، بكونها أسعد دولة في العالم، وقد ربطت هذه السعادة في السباحة اليومية في المياه المتجمدة بفنلندا.
ونقلت بانتزار كلاماً على لسان البروفيسور هانو رينتيماكي، الذي درس تأثير الطقس القطبي على الجسم، أن الإنسان يفرز هرمونات "السعادة"، أي الإندورفين، فهو يعد من مسكنات الألم التي تفرز طبيعياً في جسم الإنسان.
مضيفة أنّ السباحة تزيد من إنتاج هرمون السيروتونين لتحسين المزاج، وهرمون المكافأة والمتعة، المعروف باسم هرمون الدوبامين بالإضافة إلى الأوكسايتوسين، وهو هرمون الحب.
الرقم القياسي في السباحة في الجليد
وفقاً لموسوعة غينيس للأرقام القياسية فإن أقصى مسافة للسباحة الحرة على الجليد سجلتها الرابطة الدولية للسباحة على الجليد كانت باسم السباح البولندي كرزيستوف جاجيفسكي في بحيرة في كولبانيا فروتسواف البولندية في 16 ديسمبر/كانون الأول في 2021 لمسافة 3.91 كم واستغرقت معه ساعة و19 دقيقة و34 ثانية، أما درجة الحرارة في البحيرة فكانت تقارب 3.39 درجة مئوية.
أما بالنسبة للسباحات فسجلت الأيرلندية كارميل كولينز في أرماه الأيرلندية في 21 فبراير/شباط 2016 مسافة 3.3 كم.
وبالنسبة إلى مسابقة حبس النفس تحت الجليد فقد حقق الغواص التشيكي ديفيد فينسل الرقم القياسي بعد أن سبح لمسافة 74 متراً تحت الجليد في شمال غرب براغ، وذلك لمدة دقيقتين و42 ثانية في فبراير/شباط 2021 وفقاً لـ CBS News.
ماذا يقول العلم عن فوائد السباحة في الثلج؟
تعود فكرة الاستحمام في الثلج لتخفيف آلام العضلات وتعزيز الصحة العامة إلى عقود مضت. لكن دراسة نُشرت عام 2017 بمجلة The Journal of Physiology وجدت أن هناك حتى بعض الآثار السلبية لحمامات الثلج.
تخفف آلام العضلات وآلامها: وفقاً لـ Healthline الطبي فإن السباحة في الثلج تجعل الجسم يشعر بالراحة والاسترخاء بعد المرور بالصدمة الأولى في البداية، كما أن السباحة في الثلج بعد تمرين مكثف يخفف من آلام العضلات وحرقها والشعور بالشد.
تعزز صحة الجهاز العصبي المركزي: يمكن للسباحة في الثلج أيضاً أن تساعد الجهاز العصبي المركزي في الجسم من خلال المساعدة في تعزيز جودة النوم، وبالتالي، يجعل الشخص يشعر بتحسن وتقليل المعاناة من التعب.
تعزز الصحة العقلية: تقدم تجربة السباحة في الثلج أيضاً فوائد محتملة للصحة العقلية بشكل مباشر، فبحسب موقع Byrdie الأمريكي، بإمكانها أن تحسن القدرات على الاسترخاء والتركيز على التنفُّس بشكل عميق.
تعزيز كفاءة مناعة الجسم: في دراسة نشرتها مجلة PLoS One العلمية عام 2016، اتضح أن هناك بعض الأدلة العلمية على أن حمامات الثلج تعمل كمقوٍّ للمناعة، إذ كان الأشخاص الذين يأخذون حماماً بالمياه الباردة أو يسبحون في الثلج أقل احتمالية للإصابة بالمرض بشكل يمنعهم عن الحضور للعمل أو المدرسة بنسبة 30% تقريباً عن غيرهم.
أضرار السباحة في الثلج
يكمُن الخطر الأساسي للحمام الجليدي على الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية مسبقاً أو مرضى ارتفاع ضغط الدم.
وذلك لأن انخفاض درجة الحرارة الأساسية والانغماس في الجليد يضيقان الأوعية الدموية ويبطئان من تدفق الدم في الجسم.
قد يهمك أيضاً: تشفي الجسد والعواطف وتحمي من الشياطين.. السر وراء عناق الناس أشجار البتولا في روسيا