لا يستجيب جميع الناس للصدمات بالطريقة ذاتها، ففي حين قد ينسى البعض أو يتجاوز حدثاً مؤسفاً ما، يعاني آخرون من تبعات مختلفة، وتظهر عليهم أعراض "اضطراب ما بعد الصدمة"، فما هو هذا الاضطراب، وكيف تتم معالجته؟
ما هو اضطراب ما بعد الصدمة؟
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هو اضطراب في الصحة العقلية والنفسية يصيب المرضى بعد تعرضهم لحدث صادم شكل تهديداً على حياتهم، أو أثر عليهم بشكل سلبي، وغالباً ما يكون هذا التهديد حقيقياً، لكنه قد يكون متخيلاً في بعض الأحيان.
قد يصاب المرضى على سبيل المثال باضطراب ما بعد الصدمة بعد تعرضهم لكارثة طبيعية مثل زلزال أو إعصار، أو بعد خروجهم من منطقة حرب وصراعات، أو بعد تعرضهم للاعتداء الجسدي أو الجنسي.
ويحدث اضطراب ما بعد الصدمة كاستجابة للتغيرات الكيميائية والخلايا العصبية في الدماغ بعد التعرض لحادث ما، ويؤدي إلى شعور المصابين بالخطر الدائم، ما يولد لديهم التوتر والخوف حتى في الأوقات التي يكونون آمنين فيها.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة
يمكن أن يؤثر اضطراب ما بعد الصدمة على الأنشطة اليومية التي يقوم بها المصابون ويعطل قدرتهم على العمل، وقد تشمل أعراض هذا الاضطراب:
- استرجاع ذكريات الماضي باستمرار، وتذكر الحادث الذي أدى إلى الشعور بالصدمة
- كوابيس متكررة حول الحادث
- اضطراب نفسي قد تصاحبه آلام جسدية عند تذكر الحادث
- صعوبة في التركيز
- استجابات مبالغ بها عند التعرض لموقف مزعج
- نوبات الغضب
- أفكار سلبية عن نفسك
- القلق والتوتر والخوف غير المبرر
- مشاكل في تذكر أجزاء مهمة من الحدث
- انخفاض الاهتمام بالأنشطة التي كان المريض يستمتع بها فيما مضى
- الاكتئاب
- نوبات الهلع
أسباب اضطراب ما بعد الصدمة
كما ذكرنا مسبقاً يحدث اضطراب ما بعد الصدمة عند التعرض لحادث صادم ما، مع العلم أن معظم الناس الذين يمرون بأحداث صادمة قد لا يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة بالضرورة، وفقاً لما ورد في موقع Healthline.
وقد تسبب الصدمة تغييرات فعلية في الدماغ، على سبيل المثال تشير دراسة أجريت عام 2018 إلى أن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب يكون "الحصين" لديهم أصغر (وهو منطقة في الدماغ تلعب دوراً هاماً في الذاكرة والعاطفة).
ومع ذلك، فمن غير المعروف ما إذا كان حجم الحصين لديهم كان أصغر قبل الصدمة أو إذا كانت الصدمة قد أدت إلى انخفاض في حجمه.
ويلزم إجراء المزيد من البحوث في هذا المجال للتوصل إلى الحقيقة.
قد يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أيضاً مستويات غير طبيعية من هرمونات الإجهاد، التي قد تؤدي إلى تحفيز أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
مع العلم أن بعض الناس قادرون على إدارة الإجهاد بشكل أفضل من غيرهم، وبالتالي لا يصاب جميع المتعرضين للصدمات بهذا الاضطراب بالضرورة.
ووفقاً لما ورد في موقع NHS، قد تكون تجارب الولادة الصعبة، أو المشاكل الصحية الخطيرة من أسباب الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة أيضاً.
أنواع اضطراب ما بعد الصدمة
لتسهيل التشخيص والعلاج يقسم الأطباء اضطراب ما بعد الصدمة إلى عدة أنواع، أو لنقل مستويات:
اضطراب الإجهاد الحاد (ASD): لا يعتبر اضطراب الإجهاد الحاد اضطراب ما بعد الصدمة. إذ يشمل هذا الاضطراب مجموعة من الأعراض مثل القلق والتوتر والخوف الذي قد يظهر في غضون شهر بعد حدث صادم، لكن يتطور الوضع لدى كثير من المصابين باضطراب الإجهاد الحاد ليصابوا باضطراب ما بعد الصدمة.
اضطراب ما بعد الصدمة التفككي: يحدث عندما يشعر المريض أنه منفصل عن الحدث الذي سبب له الصدمة.
اضطراب ما بعد الصدمة غير المعقد: يحدث عندما يكون لدى المريض بعض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة مثل إعادة تذكر الحدث الصادم، ولكن ليس لديه أي مشاكل أخرى في الصحة العقلية مثل الاكتئاب.
اضطراب ما بعد الصدمة المتقدم: ينطوي على أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، جنباً إلى جنب مع اضطرابات أخرى في الصحة العقلية مثل الاكتئاب، واضطراب الذعر، أو مشكلة تعاطي المخدرات.
التعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة
العلاج النفسي هو أداة مهمة للمساعدة على التعامل مع أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، يمكن أن يساعد أيضاً على إدارة الأعراض وتحديد محفزاتها ومواجهة المخاوف التي تتملك المريض.
الدعم من الأصدقاء والعائلة مفيد للغاية كذلك في هذه الحالات.
العيش بأسلوب صحي قد يكون مفيداً أيضاً للتخلص من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، فعلى المرضى:
- اتباع نظام غذائي متوازن
- الحصول على قسط كاف من الراحة وممارسة الرياضة
- تجنب العوامل التي تزيد التوتر أو القلق
علاج اضطراب ما بعد الصدمة
في حال تم تشخيص المريض باضطراب ما بعد الصدمة، فقد يلجأ الأطباء إلى العلاج بالأدوية أو العلاج النفسي أو الاثنين معاً.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو "العلاج بالكلام" يشجع المريض على معالجة الحدث الصادم وتغيير أنماط التفكير السلبي المرتبطة به.
هناك أيضاً العلاج بالتعرض، حيث يعيد المريض التعرض لعناصر الصدمة لكن في بيئة آمنة وتحت إشراف الطبيب كي يتمكن من تقليل المشاعر السلبية المرتبطة بالتجربة التي مر بها.
قد تساعد مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلق والمنومات في تخفيف أعراض الاكتئاب والقلق.
وقد وافقت إدارة الأغذية والعقاقير لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة على استخدام اثنين من مضادات الاكتئاب في هذه الحالات وهما: سيرترالين (زولوفت) وباروكسيتين (باكسيل).