بجبين مُجعَّد، وعيون تحدِّق بإمعان، وفم عابسٍ مزموم، كثير منا يجد نفسه عابساً بملامح شديدة التعقيد وبشكل لا إرادي أو واعٍ عند بذل أي مجهود بدني أو ذهني كبير عند الانخراط في أي مهمة معينة.
وتتكرر تلك التعبيرات المُعقَّدة على وجوه الجميع عند الانخراط في مختلف أنواع الأنشطة، سواء كان النشاط جلسة رفع الأثقال في صالة الألعاب الرياضية، أو عند متابعة رسائل البريد الإلكتروني للرد على مديرك في العمل.
وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلاً محدداً وهو: لماذا يقوم أغلبنا بـ"التكشير" وتقطيب الحاجبين عند التركيز في مهام معينة أو عند بذل الجهد البدني؟
تقطيب الحاجبين يتعلق بالرغبة في استمداد مزيد من الطاقة
في دراسة نشرها موقع Online Library للأبحاث العلمية، اتضح أن تعبيرات الوجه الجادة واستخدامها عن قصد أو حتى بدون وعيٍ وانتباه، لها فوائد عديدة ويمكن أن تحسِّن الأداء عند القيام بالمهمات المعرفية بنسبة 20%.
وبالنسبة للدراسة التي حملت عنوان "تعبيرات الوجه والأداء في المهام التنافسية"، وتم نشرها في العام 2019، أراد الباحثون بجامعة تينيسي الأمريكية أن يروا كيف أن "تقطيب الحاجبين" وعقد الوجه يساعدان المشاركين في سيناريوهين صعبين.
وكان السيناريو الأول هو وضع أيديهم في دلو من الماء البارد المتجمد إلى المدة التي يستطيعون احتمالها، والسيناريو الثاني كان محاولة حل لغز معقد من 100 قطعة بالأبيض والأسود في خمس دقائق فقط.
عُرضت على نصف المشاركين صور لرياضيين محترفين وطُلب منهم تقليد تعبيرات وجوههم أثناء إتمام المهام. ووصف الباحثون تعبيرات "تقطيب الحاجب" بأنها "نظرة غاضبة للتعبير عن العزم والتصميم".
بينما لم تتم مطالبة المجموعة الأخرى بفعل أي شيء خاص وتم تركهم على سجيتهم.
"الوجه العابس" يحقق مزيداً من النتائج بالفعل!
وفي النتائج اتضح أنه على الرغم من أن "الوجه الجاد" الذي يتم فيه زم الشفاه وتقطيب الحاجبين لم يساعد المشاركين على تحمُّل المياه الجليدية المتجمدة لمدد أطول من المعتاد، فإنها أعطتهم دفعة قوية في المهمة المعرفية المتعلقة بالألغاز.
وكان أولئك الذين استخدموا تعبيرات وجه غاضبة قادرين على إكمال جزء أكبر من الأحجية عن أولئك الذين لم يفعلوا شيئاً خاصاً بوجوههم في أثناء اللعب.
وفي المتوسط، أكملت مجموعة "الوجه العابس" 4.13 قطعة ألغاز أكثر في خمس دقائق عن نظرائهم ذوي الوجوه المستقيمة والحيادية. وقد تمكن الأشخاص الذين استخدموا "الوجوه العابسة" من التعافي من ضغوط إكمال اللغز بشكل أسرع.
وعلى الرغم من أن هذه الدراسة كانت محدودة في جامعة أمريكية فحسب، فقد أظهرت أبحاث أخرى أن تعبيرات الوجه لها تأثير على كل شيء في الإنسان تقريباً، بداية من عواطفنا وحتى قدرتنا على الأداء في التمرينات الجسدية.
على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت عام 2010، وتم نشرها بمجلة Science Direct للأبحاث العلمية، أن الناس يميلون إلى العبوس عند أداء التمارين، وأن تعابير وجههم في الواقع تجعل التمارين تبدو أسهل وأقرب للتنفيذ.
ويشير التحليل التلوي لعام 2019 لـ138 دراسة مُجمعة، بحسب موقع APA Psychnet للصحة النفسية، إلى أن الابتسامة تجعلك أكثر سعادة، في حين أن العبوس يجعلك أكثر غضباً، ما يجعل العبوس مفيداً في بعض الحالات.
تعبيرات الوجه ولغة الجسد أكثر من مجرد رد فعل سطحي
وفي حين أن استراتيجيات لغة الجسد الأخرى الأكثر شيوعاً واستخداماً، مثل وضعية وقفة القوة والسيطرة، قد تساعد الناس في الشعور بمزيد من الثقة بالنفس، فقد أظهرت الأبحاث أن مثل تلك الوقفات لا تؤدي بالضرورة إلى تحسين الأداء أو أي سلوكيات أخرى.
إذ يرى علماء النفس والمعالجون النفسيون أن العبوس ليس مجرد أمر متعلق بالوجه فقط، وهو مؤشر على طبيعة المخزون المعرفي للشخص كذلك.
وبحسب تصريحات سيمون ريغو لموقع Everyday Health للصحة، أستاذ العلاج السلوكي المعرفي بنيويورك، فإنه في بعض الأحيان "يكون الأمر بيولوجياً أو وراثياً وفي أحيان أخرى نفسياً أو مكتسباً، ولكن حتى في الحالة الأخيرة، فإننا نميل إلى إظهار تعابير الوجه نفسها التي ترتبط بمشاعر معينة اعتدنا رؤيتها من حولنا".
وهو أمر لا يتعلق بالضرورة بالتأثير على مستوى تركيز الشخص، أو قدرته على بذل مزيد من المجهود الجسماني.
لذلك في المرة المقبلة التي تجد نفسك فيها غير قادر على إتمام تمارينك الرياضية في صالة الألعاب الرياضية مع مدربك، ربما يكون عليك أن تبدأ بتقطيب الحاجبين والتكشير عن أنيابك؛ لاستمداد مزيد من القوة الداخلية!