رغم أننا لا نستطيع تحديد متى أصبح الرقص جزءاً من ثقافتنا البشرية، لكن يمكننا بالتأكيد أن نقول إنه يبثّ المشاعر الإيجابية في حياتنا، وقد تطوّر بأشكال وأنواع متعددة، تطورت عبر العصور ومن خلال تنوّع واختلاف الثقافات.
الجميل في الرقص هو أنه لا يتطلب تعلم الكثير من المهارات، ولا تحتاجين إتقانه لتجني فوائده.
وسواء كنتِ تستمتعين بالرقص هوايةً يومية تمارسينها في منزلك في أي وقت، أو كنتِ ممَّن يرقصون في التجمّعات أو الاحتفالات، فعليكِ أن تعلمي أن أهمية الرقص وفوائده تتجاوز الشعور بالسعادة أو الطاقة الإيجابية.
من محاربة الخرف وتعزيز الذاكرة إلى محاربة الاكتئاب وتعزيز وظائف الدماغ، تعرفي معنا في هذا التقرير على فوائد مذهلة للرقص أثبتتها الأبحاث والدراسات.
حاربي الاكتئاب بالرقص
يمكن أن يوفر الرقص العديد من الفوائد الجسدية نتيجة الحركات التي تعطي مرونةً كبيرة للعضلات، وتساهم في حرق السعرات الحرارية حتى.
لكنّ الأبحاث تُظهر أنه يفيد العقل أيضاً، مع مجموعةٍ متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن الرقص مفيد للصحة العقلية ومحاربة الاكتئاب والمشاعر السلبية.
يعرف الاكتئاب على أنه اضطراب عقلي يجعل مشاعر الحزن وفقدان الاهتمام أو فقدان الاستمتاع بالأنشطة الممتعة في العادة تسيطر علينا.
المثير للدهشة والقلق في آن معاً أن هذا الاضطراب يصيب أكثر من 350 مليون شخص حول العالم، وفقاً لموقع Medical News Today.
صحيح أن العلاج الأكثر شيوعاً وفاعلية للاكتئاب هو العلاج النفسي، لكن في إحدى الدراسات التي قامت بها جامعة أكسفورد عام 2017 عن دور حركة الرقص في علاج الاكتئاب، ونُشرت في موقع Oxford Online Handbooks، فحَصَ الباحثون ما إذا كان الرقص علاجاً جيداً للاكتئاب.
استنتج الباحثون أن الرقص، كونه يركز على حركة الجسم والتعبير العاطفي، يساعد في التخفيف من أعراض الاكتئاب ومستوياته أيضاً.
يدعم الرقص وظائف الدماغ الإدراكية والمعرفية
لا تقتصر فوائد الرقص على الصحة النفسية، فله أيضاً فوائد مذهلة لصحتك العقلية، حتى إنه يدرج تحت الاسم العلمي العلاج بالرقص/ الحركة، وهو استخدام العلاج النفسي لحركات الجسم للحفاظ على القدرات الذهنية والحركية والعاطفية للجسم وتحسينها.
يعتمد العلاج بالرقص على مفهوم أن الحركة هي لغة يمكن أن تكون تواصلية ومعبرة تربط العقل والجسد والروح، وله تأثير إيجابي على التطور المعرفي على الأطفال والبالغين.
ولكن كيف يحدث هذا؟ وفقاً لدراسة شاركت فيها عدة أقسام في كلية الطب والصحة العامة بجامعة ويسكونسن الأمريكية عام 2017، وجد العلماء أن مناطق الدماغ التي تتحكم في الذاكرة والمهارات، مثل التخطيط والتنظيم، تتحسن بممارسة الرياضة مثل الرقص.
الرقص لذاكرة قوية
الخرف وضعف الذاكرة مشكلتان أساسيتان ترتبطان بالتقدم في العمر بشكل رئيسي، لكن اتضح أن الرقص قد يحد منهما بنسبة كبيرة.
أظهرت العديد من الدراسات أن الرقص مرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالخرف، وأنه يُحسن وظائف المخ ويقوي الذاكرة.
إحدى هذه الدراسات كانت دراسة أجراها باحثون في كلية ألبرت أينشتاين للطب الأمريكية عام 2003، وجدوا فيها أن الرقص مرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالخرف بنسبة 76% بين المشاركين.
كما أظهرت دراسة أخرى نُشرت عام 2016 واشتركت فيها كلية العلوم والصحة في أستراليا ومركز أبحاث الشيخوخة والصحة وقسم الرعاية الأولية وصحة السكان في كلية لندن، أن الرقص يحسن صحة الدماغ والمجالات المعرفية، خاصة الذاكرة المكانية.
وفي دراسة نُشرت في مجلة الجمعية الأمريكية لطب الشيخوخة عام 2018، قام الباحثون بتحليل 32 دراسة سابقة شملت أكثر من 3500 شخص تتراوح أعمارهم بين 50 و85 عاماً، لتحديد ما إذا كانت أنشطة العقل والجسم، بما في ذلك تاي تشي واليوغا والرقص، يمكن أن تحسن الوظيفة الإدراكية للبالغين المتقدمين في السن.
وقد وجدوا دليلاً قوياً على أن 60 إلى 120 دقيقة من التاي تشي أو الرقص أسبوعياً يمكن أن تحسن الإدراك العام، حتى بالنسبة للبالغين الذين لديهم بالفعل بعض تلف في الوظائف المعرفية.
ومن خلال فحوصات تصوير الدماغ، وجدت إحدى الأوراق البحثية المبنية على دراسة أمريكية شارك فيها العديد من الأقسام والكليات المتخصصة في العلوم النفسية والدماغ والتطور البشري في عام 2017، أن الرقص يمكن أن يزيد من كمية المادة البيضاء في أدمغة كبار السن، وهو ما يبطئ التدهور المعرفي مع التقدم بالعمر.
الرقص يحفز عوامل نمو الأعصاب
للرقص العديد من الآثار الإيجابية على الدماغ، والقوة الدافعة وراء تثبيطه للشيخوخة تتعلق بقدرته على تحفيز عوامل نمو الأعصاب، والتي هي بروتينات مهمة للحفاظ على صحة الخلايا العصبية الحسية.
في دراسة شارك فيها قسم علم وظائف الأعضاء وقسم الطب النفسي في الجامعة الفيدرالية في البرازيل عام 2018، خلص الباحثون إلى أن الرقص يمكن أن يعزز الترابط بين نصفي الكرة المخية، وأن ممارسة الرقص طويلة المدى تؤثر بشكل إيجابي على نشاط الدماغ.
كل هذا مرتبط بالمرونة العصبية وقدرة الدماغ على تكوين روابط عصبية جديدة للتغيير والتكيف حتى مع التقدم بالعمر.
الرقص يحارب الإعاقة الجسدية بنسبة 73%
الإعاقات الجسدية هي أيضاً إحدى المخاوف الكبيرة للتقدم في السن، عدم القدرة على الحركة أو القيام بأمورك الشخصية قد يبدو أمراً مرعباً ومخيفاً وحافزاً للكثيرين للقيام بالرياضة والمشي المستمر للحفاظ على لياقتهم ومرونتهم، لكن اتضح أن تأثير الرقص أكبر بكثير من أي نشاط رياضي آخر.
بحثت إحدى الأوراق البحثية، التي نُشرت في المجلة الاسكندنافية للطب والعلوم في الرياضة، في كيفية تأثير أشكال مختلفة من النشاط البدني على حوالي 1000 امرأة يابانية مسنة وخطر إعاقتهن جسدياً.
سُئلت النساء عن صحتهن العامة وأنواع النشاط البدني الذي يقمن به بانتظام، وتمت متابعتهن؛ بحثاً عن علامات الإعاقة على مدى ثماني سنوات.
خلال تلك الفترة وجد الباحثون أن النشاط البدني ساعد النساء بشكل عام على البقاء بصحة جيدة مع تقدمهن في العمر، ولكن يبدو أن أنواعاً معينة من التمارين لها تأثيرات أكبر من غيرها، وكان الرقص هو الرائد.
وخلص الباحثون إلى أن النساء اللواتي يرقصن بشكل متكرر لديهن فرصة أقل بنسبة 73% في أن يصبن بإعاقة مقارنة بالنساء اللائي لم يرقصن.
أما المثير للدهشة فهو أنه لم يكن لأي من التمارين الأخرى، بما في ذلك تمارين الجمباز والمشي واليوغا، مثل هذا الارتباط القوي بعد تعديل العوامل الديموغرافية والصحية.
قد يكون السر هو أن الرقص يتطلب مجموعة متنوعة من المهارات المختلفة، العقلية والجسدية.
فلا يتطلب الرقص التوازن والقوة والقدرة على التحمل فحسب، بل يتطلب أيضاً القدرة المعرفية: القدرة على التكيف والتركيز على التحرك وفقاً للموسيقى والحركة الرشيقة والسلسة، وذاكرة لحفظ الرقصات.