لطالما كان تأثير أطوار القمر على صحة أو حتى سلوك الإنسان مثار جدل دائم، فهل يؤثر القمر على النوم، وتحديداً عند اكتمال البدر؟
مجموعة من الباحثين في جامعة أوبسالا السويدية قررت أن تتعمق في الأدلة العلمية حول هذه القناعة السائدة بأن اكتمال البدر ونوره القوي على سبيل المثال يقصر من ساعات النوم وبالتالي يقلل من جودته.
نشرت الدراسة الجديدة في الدورية العلمية Science of the Total Environment، وتبين فعلاً أن نوم الرجال يتأثر بالأحداث الكونية أكثر من نوم النساء.
تأثير القمر على النوم
من أجل هذه الدراسة، فحص الباحثون مدى تأثير القمر على نوم أكثر من 800 رجل وامرأة تتراوح أعمارهم بين 22 عاماً و81 عاماً.
وقاس الباحثون جودة نوم المشاركين باستخدام طريقة تسمى تخطيط النوم (Polysomnography)، التي تسجل موجات الدماغ ومستويات الأوكسجين ومعدل ضربات القلب أثناء الليل.
طبقت هذه الطريقة خلال الدورة القمرية بنصفيها، ثم تم تحليل النتائج..
ما الذي اكتشفوه؟
استناداً إلى نتائجهم، ارتبطت فترة التزايد التي تبدأ من طور المحاق المتزايد وصولاً إلى طور البدر، بانخفاض جودة النوم (أي زيادة مدة اليقظة في الليل، واستغراق وقت أطول للنوم) مقارنة بفترة التناقص، بدءاً من طور البدر المتناقص ووصولاً إلى طور المحاق.
لكن اللافت كان تأثر الرجال فقط بهذه الأطوار، حسب ما نشر موقع mindbodygreen.
مؤلف الدراسة وخبير علم الأعصاب، الدكتور كريستيان بنديكت، قال في بيان صحفي إن نوم النساء "لم يتأثر بدرجة كبيرة" بالدورة القمرية.
وبحسب ما يشير إليه مؤلفو الدراسة، السبب هو أن القمر أكثر سطوعاً ويكون ظاهراً في السماء في أواخر المساء (عندما يذهب غالبية الأشخاص إلى النوم) خلال فترة التزايد.
على النقيض من هذا، يعكس القمر خلال فترة التناقص ضوءاً أقل رويداً رويداً ويتحول ظهوره إلى ساعات النهار.
ويضيف الباحثون أن الدراسات السابقة أظهرت أن أدمغة الذكور تستجيب إلى التغيرات في الضوء الأزرق والأحمر عند "منحنى استجابة تحفيز أعلى مرتين" مقارنة بالنساء، مما قد يسهم أيضاً في التناقض بينهما.
وتأثير القمر على الإيقاعات البيولوجية تم توثيقه جيداً في الطبيعة؛ من قطر الشجرة إلى العادات التناسلية لسرطان البحر وأحداث التفريخ في الحاجز المرجاني العظيم، إلى جانب النشاط الليلي للقرود.
إلا أن البحث عن احتمالية تأثير مراحل القمر على البشر كانت أقل وضوحاً.
وكانت دراسة سابقة أجريت العام 2013 ونشرت على موقع Pubmed الطبي، وجدت أن البدر ارتبط بجودة النوم.
خلال هذه المرحلة القمرية، استغرق المشاركون 5 دقائق أطول للنوم، وناموا لمدة 20 دقيقة أقل، واستغرقوا وقتاً أطول للوصول إلى نوم حركة العين السريعة، وشهدوا انخفاضاً بنسبة 30% في النوم العميق، كما أبلغوا عن انخفاض جودة النوم.
لماذا قد يؤثر القمر على النوم؟
رغم قلة الأبحاث التي تدرس تأثير القمر على النوم، إلا أن هناك عدة فرضيات للأسباب المحتملة حول هذا التأثير الذي تم رصده في عدد منها:
أولاً: ضوء القمر
يعتقد الكثير من العلماء أن البدر يسبب اضطراب النوم بسبب كمية ضوء الشمس التي يعكسها على الأرض.
تتم معايرة نظام التوقيت الداخلي للجسم على مدار 24 ساعة عن طريق ارتفاع وانخفاض مستويات الهرمونات المتكونة استجابة لإدراك الضوء؛ لذلك تعد مستويات الضوء أحد أهم التأثيرات على موعد النوم وجودته، حسب ما نشر موقع Sleep Foundation.
ثانياً: الكهرومغناطيسية
تكتسب فرضية أخرى شعبية وهي قدرة القمر على إحداث تقلبات كهرومغناطيسية على الأرض. فللمجال الكهرومغناطيسي للأرض ذيل طويل أو "ذيل مغناطيسي" شكّلته الرياح الشمسية.
عندما يدور القمر حول الأرض كل شهر، فإنه يمر عبر الذيل المغناطيسي أثناء مرحلة اكتمال القمر ويصبح سالباً، حسب ما أوضح موقع Nasa، ومن هنا تم افتراض تأثير الشحنة المغناطيسية للقمر بعد ذلك على المجال الكهرومغناطيسي للأرض.
وفي حين أن الأساس البيولوجي الدقيق لهذه التغييرات غير واضح، تشير الأبحاث إلى عدة آليات تشمل مستويات الهرمونات في الجسم، وتكسر الحمض النووي، والالتهابات.
ثالثاً: الجاذبية
تستند فكرة تأثير جاذبية القمر على صحة الإنسان حقيقة احتواء جسم الإنسان على الماء، وأن للجاذبية القمرية تأثيراً ملحوظاً على المد والجزر في المحيطات، حسب دراسة نشرت على موقع Pubmed.
يستشهد منتقدو هذه النظرية بأن جاذبية القمر صغيرة للغاية في البشر، وتُقدر بأقل من جزء من المليون من حجم الذرة.
كما أن جاذبية القمر متساوية تقريباً أثناء اكتمال القمر وولادته. لذلك، لا تلقى هذه الفرضية إجماعاً على قدرة إحداث القمر أي تغييرات على النوم بسببها.