إذا كنت تعيش بالقرب من مطار أو خطوط سكك حديدية أو طريق مزدحم، فقد تشعر بالقلق حيال تأثير الأبخرة المنبعثة من تلك الطائرات والقطارات والسيارات على صحتك. ولكن وفقاً لمراجعة جديدة في مجلة الكلية الأمريكية لأمراض القلب، قد يكون هناك تهديد آخر يدعو للقلق: المستويات العالية من الضوضاء قد تكون ضارة بقلبك.
قال مؤلفو المراجعة إن العلاقة بين التلوث الضوضائي وأمراض القلب والأوعية الدموية قد لوحظت في العديد من الدراسات على مر السنين. حيث تم ربط مستويات الضجيج العالية من حركة المرور والطائرات، على سبيل المثال، بارتفاع ضغط الدم ومرض الشريان التاجي والسكتة الدماغية وفشل القلب، حتى بعد التحكم في عوامل أخرى مثل تلوث الهواء والوضع الاجتماعي والاقتصادي.
العلاقة بين صحة القلب وأنواع التلوث
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يموت 17.9 مليون شخص بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية على مستوى العالم كل عام. مما يجعلها السبب الرئيسي للوفيات في جميع أنحاء العالم.
تعرف منظمة الصحة العالمية أمراض القلب والأوعية الدموية كمصطلح شامل لمجموعة من الاضطرابات التي تؤثر على القلب والأوعية الدموية للشخص.
أظهرت الأبحاث أن الجينات يمكن أن تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ومع ذلك، فإن العوامل البيئية -التي قد يكون الشخص قادراً على التصرف وفقاً لها- تلعب أيضاً دوراً مهماً.
تشمل الدوافع البيئية الرئيسية لأمراض القلب والأوعية الدموية اتباع نظام غذائي غير صحي، وانخفاض مستويات النشاط البدني، والتدخين، والاستهلاك المفرط للكحول.
لكن في الآونة الأخيرة، أجرى العلماء بحثاً يشير إلى وجود صلة بين الملوثات البيئية وأمراض القلب والأوعية الدموية، وتشمل هذه ملوثات الهواء والضوضاء. ويشيرون إلى أن الاهتمام بهذه الأشكال من التلوث مهم للحد من الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية.
أدلة متزايدة
في حين تتزايد الأدلة على وجود روابط بين تلوث الهواء والضوضاء وأمراض القلب والأوعية الدموية، فإن فهم التأثيرات المحددة لكل عامل يكون أكثر صعوبة لأن تلوث الهواء والضوضاء غالباً ما يكون ناتجاً عن نفس المشكلات.
على سبيل المثال، يؤدي الطريق المزدحم إلى قدر كبير من الضوضاء من ملامسة عجلات المركبات وسطح الطريق. وفي الوقت نفسه، يمكن أن ينتج عن احتراق الوقود في المركبات كمية كبيرة من تلوث الهواء بالجسيمات.
يعد فكّ هذين العاملين، من أجل فهم أفضل لمدى مساهمة كل منهما في الإضرار بصحة القلب والأوعية الدموية، أمراً صعباً.
ومع ذلك، فإن تقريراً للمفوضية الأوروبية يقدر أن تلوث الهواء والضوضاء يمكن أن يكلف أوروبا حوالي تريليون يورو، أكثر بكثير من الكحول والتدخين.
ووجدت مراجعة أجريت لصالح منظمة الصحة العالمية أن الضوضاء الصادرة عن حركة المرور على الطرق تزيد من خطر إصابة الشخص بأمراض القلب الإقفارية بنسبة 8% لكل 10 ديسيبل من الضوضاء.
تأثير ضوضاء المطارات
أفاد فريق مؤخراً في مجلة القلب الأوروبية أن تحليلاً لما يقرب من 25000 حالة وفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية بين عامي 2000 و2015 بين الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مطار زيورخ في سويسرا شهد زيادات كبيرة في الوفيات أثناء الليل بعد تحليق الطائرات، وخاصة بين النساء.
وفقاً لدراسة أجريت عام 2018 والتي بحثت في البيانات الصحية لأكثر من مليون شخص، فإن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مطار فرانكفورت، على سبيل المثال، معرضون لخطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 7% أعلى من أولئك الذين يعيشون في أحياء مشابهة ولكن أكثر هدوءاً.
كيف تؤثر الضوضاء على أجسامنا؟
أثناء ساعات الاستيقاظ، يمكن للتلوث الضوضائي أن يجعل الشخص يشعر بالضيق أو الغضب، مما يسبب التوتر. يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة الإجهاد التأكسدي والالتهابات، مما قد يضر بصحة القلب والأوعية الدموية.
المسار من الضوضاء إلى الأوعية الدموية يسير على هذا النحو: عندما يصل الصوت إلى الدماغ، فإنه ينشط منطقتين مهمتين، القشرة السمعية التي تفسر الضوضاء، واللوزة التي تدير الاستجابات العاطفية لها. عندما يرتفع صوت الضوضاء، وخاصة أثناء النوم، تنشط اللوزة استجابة الجسم التي تعرف بالهروب أو القتال.
عندها يطلق الجسم هرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول في الجسم. ثم تنقبض بعض الشرايين، وتتوسع أخرى، ويرتفع ضغط الدم، ويبطئ الهضم بينما تغمر السكريات والدهون مجرى الدم لتستخدمها العضلات بسرعة، كما جاء في موقع BBC.
يؤدي التعرض المتكرر للضوضاء إلى تكوين جزيئات ضارة تسبب الإجهاد التأكسدي والالتهاب في بطانة الأوعية الدموية، ما يساهم في مجموعة من أمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم وتراكم الترسبات في الشرايين والسمنة ومرض السكري.
من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي التلوث الضوضائي إلى تعطيل دورات النوم، وهو أمر مهم لصحة القلب والأوعية الدموية أيضاً.
يعتقد المؤلف الرئيسي للمراجعة السابقة، الدكتور توماس مونزل، رئيس قسم أمراض القلب في المركز الطبي بجامعة جوهانس جوتنبرج في ماينز بألمانيا، أن تقليل تلوث الهواء إلى المستويات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية، "يمكن أن يمنع حوالي 400 ألف – 500 ألف من الوفيات الزائدة للأوروبيين".
كيفية تخفيف التلوث
بالنظر إلى الآثار الضارة للملوثات البيئية، يجب التركيز بشكل أكبر على إيجاد طرق فعالة للتخفيف منها.
تعتمد الطريقة الأكثر فاعلية للحد من التلوث الضوضائي، بالطبع، على سببه.
قد تكون الخيارات المفتوحة للأفراد والحكومات المحلية لها تأثير ضئيل في حد ذاتها. نتيجة لذلك، فإن للتدخلات المتعددة ضرورة في المناطق الأكثر تأثراً بالتلوث الضوضائي.
قد يشمل ذلك تثبيت نوافذ مخففة للضوضاء، واستخدام أسطح أكثر هدوءاً وإطارات منخفضة الضوضاء، وتقليل حدود السرعة، وتركيب حواجز للحد من الضوضاء.
وقد تكون الحلول الأرخص هي ارتداء سدادات الأذن في الليل أو نقل غرف النوم إلى جزء أكثر هدوءاً من المنزل. يمكن للناس اتخاذ مثل هذه الخطوات حتى لو لم يجدوا أنفسهم منزعجين بشكل خاص من الضوضاء للحصول على نوم مريح أكثر.