كلما زادت الضغوط في مجال مهني بعينه، كان هذا سبباً في تعاسة الأفراد. وبرغم أن أغلب المهن والوظائف عادة ما تتطلب مجهوداً لإتمامها؛ ولكن مستوي الضغط النفسي الذي قد يدفع الشخص إلى حد الاكتئاب وربما الانتحار لا تتواجد في كل المهن، لهذا هناك مهناً أصحابها أكثر عرضة للانتحار أو الاكتئاب من غيرها.
فإذا فشل طبيب في إنقاذ حياة إنسان فقد يصاب بالاكتئاب، وفي ظل ظروف مثل تفشي وباء بعينه، أو أزمة صحية بعينها مثل الأزمة الحالية بتفشي فيروس كورونا، تزداد معدلات الاكتئاب بين الأفراد العاملين بالمجال الطبي، ولكنهم ليسوا فقط الأكثر عرضة للوصول إلى هذه المراحل المتأخرة من اليأس أو التعاسة، تابع تقريرنا لمعرفة المزيد من المهن التي تعرض أصحابها أكثر من غيرهم إلى هذه النهاية المأساوية.
العاملون بالمجال الطبي
بحسب ما نشره مركز الأمريكي للتحكم في الأمراض CDC فإن العاملين بالمجال الطبي مثل الأطباء البشريين، والبيطريين، وأطباء الأسنان، والممرضات، هم من بين أصحاب المهن الأكثر عرضة للانتحار، أو الاكتئاب الشديد.
ومن بين الأسباب التحليلية لهذا هو تعامل الأطباء مع الآلام والأمراض غير المحتملة، شديدة القسوة والتي تصيب البشر أو الحيوانات، وكان من بين الأسباب أيضاً هو التعامل مع حالات بعينها لم تستطع تحمل تكاليف العلاج، أو لحيوان مهدد بالموت في حالات الأمراض المستعصية.
وجاءت نسب إقدام العاملين بالمهن الطبية على الانتحار بحوالي 19% أكثر من غيرهم من المهن.
رجال الإطفاء والإنقاذ
تتضمن هذه الفئة رجال الإطفاء، والمُسعفين وفنيي المعدات الطبية وغيرهم. ففي دراسة نشرت عام 2019 بجريدة مؤسسة فرانسيس تايلور للأبحاث تبين أن أصحاب هذه المهن، وتحديداً في أمريكا يكونون عرضة للاكتئاب والإقدام على الانتحار أكثر من غيرهم، خلصت الدراسة أيضاً إلى أن نسبة 5.2% من إجمالي وفيات العاملين بهذه الفئة بين أعوام 2009 إلى 2015 كانت الوفاة بالانتحار.
بجانب دراسة أخرى لجامعة فلوريدا الأمريكية نشرت عام 2009 تخبر أن نسبة 40% من العاملين في مجال الإنقاذ وإطفاء الحرائق عرضة لإدمان الكحول أو المخدرات نظراً للتعامل المباشر مع ضغوط الكوارث والإصابات والخسائر البشرية والمادية.
عمال البناء والمقاولات
ربما قد تعتقد أن هذه المهنة بعيدة قليلاً عن الضغوط النفسية التي تحاصر أصحاب مهن أخرى، ولكن الأرقام تخبرنا بغير هذا، ففي الأعوام 2012 و2015 و2017 احتل أصحاب مهن البناء والمقاولات المركز الأول في أمريكا على مستوى الولايات كلها، بحسب التقرير الذي نشره المركز الأمريكي للتحكم في الأمراض CDC.
كما جاءت نسبة 19% من عمال البناء في أمريكا قابلين لإدمان الكحوليات بحسب استطلاع رأي موسع نشرته صحيفة واشنطن بوست عام 2015 أجري على مجموعات مختلفة من أصحاب المهن. سجل عمال البناء بينهم النسبة الأعلى في تناول الكحوليات بشكل مفرط.
وبتحليل الأسباب جاء انعدام الأمان الوظيفي لديهم في المركز الأول لمسببات الانتحار؛ إذ تعد مهن البناء واحدة من أكثر المهن اضطراباً، وأقلها استقراراً على المدى البعيد، وهو السبب نفسه الذي قد ينعكس على صحة عمال البناء العقلية مع تقدم العمر.
الإداريون والتنفيذيون
العاملون في هذا المجال وتحديداً في الشركات الكبرى Corporates مثل الخدمات المالية والاستثمارية، وغيرها معرضون بنسبة كبيرة لخطر الانتحار. فبحسب دراسة المركز الأمريكي للتحكم في الأمراض فإن العاملين بهذه الفئة يتعرضون لكميات كبيرة من الضغوط اليومية ما بين المراسلات؛ وتنفيذ المهام، ومناقشات مهام العمل.
وهذه الضغوط تنعكس على سلامتهم النفسية، وزيادة خطر إقدامهم على الانتحار بإجمالي نسبة 4.7% من إجمالي وفيات العاملين في هذا القطاع لعام 2015، وهو ما دفع العديد من خبراء الصحة النفسية لدعوة الشركات الكبرى من اتخاذ تدابير تخفف من ضغوط العمل في هذه الوظائف مثل توفير الاستشارة النفسية، أو إعادة توزيع المهام والإجازات.
مهن التعليم ورعاية الأطفال
ربما تتخيل أنه لا توجد أسباب قد تدفع مُدرساً، أو أخصائياً اجتماعياً أو مشرف تدريب أطفال للانتحار؛ لكن الاكتئاب الشديد أمر ليس بالهين أيضاً. ففي عام 2018 قامت جامعة واشنطن بإجراء دراسة موسعة على العاملين في رعاية الأطفال والتعليم بداية من الأجور وحتى الآثار النفسية التي يعانون منها.
خلصت الدراسة إلى أن 4 أضعاف النساء العاملات في هذا المجال يصيبهن الاكتئاب الشديد كلما قلّ دخلهن السنوي؛ أي أن الأجور في هذا المجال متدنية لدرجة قد تكون من مسببات الاكتئاب.
وبينما لم تسجل نسب عالية من الانتحار بين العاملين في مجال التعليم ورعاية الأطفال في السنوات الـ5 الأخيرة؛ إلا أن عام 2015 كانت نسبة الانتحار بين العاملين في هذا المجال هي 5.4% من إجمالي الوفيات للذكور والإناث معاً.