تنقطع شهيتنا عن الطعام، وتنحل أجسادنا ويجافينا النوم ونبدو طوال الوقت شاردي الذهن نسرح في عالمنا الخاص، هذا ما يفعله بنا الحب الذي يعمي أعيننا عن عيوب الآخر. لكن ما هو الحب؟ وهل يمكن تفسيره بشكل علمي وفقاً لعلماء الأعصاب؟ وماذا يحدث بالدماغ عندما نقع في الحب؟
ماذا يحدث بالدماغ عندما نقع في الحب؟
إذا كنت غارقاً في الحب من رأسك حتى أخمص قدميك، وأخبرك البعض أن ما تشعر به ليس ذا قيمة على الإطلاق وما هو إلا نتيجة لتأثير الفيرمونات والدوبامين والأوكسيتوسين، فنطمئنك أن كلامهم لا يخلو من المغالطات، فالحب شعور معقد لم يتمكن العلماء بعد من فك شيفراته بشكل تام.
لكن ما نعلمه حتى الآن أن الحب ينشط المناطق المسؤولة عن نظام "المكافأة" في المخ، مثل النواة الذنبية ومنطقة دماغية تدعى المنطقة الغشائية البطنية، أو VTA.
ونظام المكافأة هو مجموعة من الهياكل العصبية المسؤولة عن سمة الحوافز (أي الدافع والرغبة في المكافأة) والتعلم التعاوني، والمشاعر الإيجابية، وخاصة تلك التي تسبب لنا الشعور بالمتعة.
كما لاحظ العلماء أن الحب بين الجنسين يحفز تلك المناطق في الدماغ التي يتم تحفيزها في حالات الترابط الأمومي أو عندما تشعر مثلاً بحب لفريق كرة القدم المفضل إليك.
الحب بالنسبة للدماغ كالكوكايين
أوضحت صور الرنين المغناطيسي التي درست أناساً واقعين في الحب، أن المناطق التي تضيء في أدمغتهم أثناء تذكرهم لأحبائهم هي نفس المناطق التي تضيء عادة في الدماغ بعد تناول الكوكايين.
إذ يسبب الحب زيادة في إفراز الدوبامين وهو مادة كيميائية مسؤولة عن الشعور الجيد في المخ، ويزيد إفرازها عند الشعور بالسعادة.
مستويات الكورتيزول أيضاً ترتفع خلال المراحل المبكرة من الحب، وتسبب تسارع ضربات القلب، وتوتراً شديداً، وتجعل راحة أيدينا متعرقة بطريقة مزعجة.
فرمونات الجنس.. حقيقة أم تكهنات؟
وفقاً لما نشر في النسخة الأسترالية من موقع The Conversation، يعتقد الكثيرون أن "الفيرمونات" مسؤولة عن التجاذب الجنسي لدى البشر، وأنها تنشط عند الوقوع في الحب، لكن لا توجد أدلة علمية تدعم هذه الاعتقادات.
الفيرمونات هي مركبات كيميائية عضوية تعمل على جذب أفراد الجنسين لبعضهم لتتم عملية التزاوج لدى عدد كبير من الحشرات، وتسمى بالجاذبات الجنسية.
وفي الوقت الذي تؤدي الفيرمونات فيه دوراً مهماً بالتجاذب الجنسي لدى الحشرات، لا يوجد سوى أدلة ضعيفة على وجودها في أجساد البشر.
وبالتالي لا نستطيع أن نجزم في الوقت الحالي أن الفيرمونات هي المادة الكيميائية المسؤولة عن التجاذب بين الجنسين.
هل يستحق هرمون الأوكسيتوسين لقب "هرمون الحب"؟
يوصف هرمون الأوكسيتوسين على أنه "هرمون الحب"، وهو ناقل عصبي يلعب دوراً هاماً بعلاقة الأم بطفلها فله دور بتقلصات الرحم عند المخاض والإرضاع، ويعتقد بشكل مبالغ فيه أن له دوراً في العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة.
عند دراسة تأثير هذا الهرمون على بعض القوارض، وجد الباحثون أن زيادة نسب هرمون الأوكسيتوسين، تضعف الرغبة الجنسية لدى هذه القوارض.
أما البشر، فقد أثبتت الأبحاث أن هذا الهرمون ليس هرموناً أساسياً في التجاذب بين الجنسين، ولا يستحق لقب "هرمون الحب" الذي حاز عليه زوراً.
ما هي المادة الكيميائية المسؤولة عن الحب؟
لم يستطع العلماء بعد تحديد المادة الكيميائية التي قد تكون مسؤولة عن شعور "الحب"، وسواء كانت هذه المادة تفرز رسائل كيميائية أو غير كيميائية، فلا بد وأنه يتم إرسالها إلى أجزاء معينة من الدماغ.
وفي ظل المعلومات الضحلة التي نملكها حتى الآن عن ما قد يفعله الحب بأجسادنا، نستنتج أن علم الأعصاب لم يستطع أن يفسر هذه العاطفة التي تغرقنا من رؤوسنا إلى أخمص قدمينا من الناحية العصبية على نحو دقيق.
ولا يزال أمام علماء الأعصاب رحلة طويلة من البحث كي يتمكنوا من إيجاد تفسير مقنع يشرح سبب وقوعنا في الحب.
إذاً ما هو الحب؟
يعتمد الحب -مثل كل أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا- على عمليات فيزيائية داخل العقل، وعلى تداخل شديد التعقيد بين هذه العمليات.
لكن القول بأن الحب "مجرد" كيمياء دماغية يشابه القول بأن أعمال شكسبير الأدبية "مجرد" كلمات، وبأن ألحان فاغنر "مجرد" ملاحظات، وبأن أعمال ميكيل أنجلو الفنية "مجرد" كربونات كالسيوم، والمحظوظون منا هم الذين جربوا الوقوع فيه.