هل أنت مذنب بإسداء نصائح غير مرغوبٍ فيها؟ تهدف النصائح عادة إلى تقديم المساعدة. ويقدم الكثير منا نصائح واقتراحات، ونخبر الآخرين بما ينبغي لهم فعله، ولكن في معظم الأحيان دون أن يُطلب منا ذلك.
وبغض النظر عن نوايانا، يعد إسداء النصائح غير المرغوب فيها أمراً مزعجاً وفضولياً، بل وتلاعبياً.
فلماذا نتطوع بإسداء النصائح غير المرغوب فيها، وكيف نعرف أننا تخطينا الحد الفاصل بين المساعدة والإيذاء؟ والأهم كيف نوقف إسداء النصائح غير المرغوب فيها؟
ما هي النصيحة غير المرغوب فيها؟
النصيحة غير المرغوب فيها هي التوجيه أو المعلومة التي لم تُطلب من صاحبها.
أمثلة على ذلك:
- تكشف زوجة لوالدتها عن خيانة زوجها، فتخبرها والدتها أن الخيانة أمر لا يُغتفر وعليها أن تنفصل عنه لأن الوضع سيزداد سوءاً. تشعر الزوجة بطبيعة الحال بأن حكماً قد صدر عليها وأنها لا تتلقى أي دعم من والدتها.
- يعطي أب ابنه المراهق توجيهات مفصلة حول مسارات الحافلات التي سيستقلها في طريقه لإجراء مقابلة وظيفية، فيعتقد الشاب أن والده يراه عاجزاً وغبياً.
- تسمع سيدة امرأة غريبة تتحدث عن صعوبة فقدان "وزن الحمل"، فتخبرها بحماس عن فقدانها للوزن وكيف أن نظام كيتو الغذائي هو أسرع وأسلم طريقة لفقدان الوزن. تشعر الغريبة بالضيق والارتباك من جرأة مبدية النصيحة.
تُسدى هذه النصائح في بعض الأحيان بطريقة أقل صراحةً، أو بطريقة سلبية عدوانية.
ما المشكلة في إسداء نصائح غير مرغوب فيها؟
يمكن أن تكون النصيحة مفيدة حين تُطلب، لكن النصيحة غير المرغوب فيها مسألة أخرى.
وبحسب ما أوضحت المعالجة النفسية الأمريكية شارون مارتن، يمكن لتكرار تقديم المشورة غير المرغوب فيها الإسهام في خلق مشاكل في العلاقة.
إذ إن حشر آرائك وأفكارك عندما لا تكون مطلوبة يُشعر الطرف الآخر بالازدراء ويولّد الافتراضات من جانبه.
ويمكن للنصيحة غير المرغوب فيها أن تبث إحساساً بالتفوق؛ إذ تفترض أن مقدم النصيحة يعرف الأصح أو الأفضل.
وغالباً ما تكون النصيحة غير المرغوب فيها ناقدة وغير مفيدة. وإذا كانت متكررة، فقد تصبح مزعجة.
بل يمكن للنصيحة غير المرغوب فيها أن تقوض أيضاً قدرة الناس على التوصل إلى أفضل حل لمشاكلهم.
علاوة على ذلك، يمكن لتقديم النصيحة غير المرغوب فيها أن يكون محبطاً. فحين لا تُتبع نصيحتنا أو لا تلاقي تقديراً، نشعر غالباً بالضيق والألم والاستياء.
لماذا نقدم نصائح غير مرغوب فيها؟
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يسارع البشر لتقديم هذا القدر من النصائح غير المرغوب فيها، مع أنها تسبب مشاكل.
إليك بعض أسباب تقديم النصائح غير المرغوب فيها، حسبما عددها موقع Psych Central:
- الرغبة في المساعدة.
- الرغبة في جعل شخص ما يتصرف بالشكل الذي نريده أو نعتقد أنه صائب.
- الاعتقاد بأننا نملك الإجابات، وأننا نعرف أكثر من الآخرين.
- الحماس تجاه منتج أو فكرة أو خدمة جديدة والرغبة في مشاركتها
- الرغبة في تقليل القلق. ففي بعض الأحيان نقلق حقاً بشأن شخص نحبه أو نشعر بالعجز عن مساعدته. ونظراً لأننا لا نعرف ما يمكن فعله غير ذلك، نقدم لهم نصيحة غير مرغوب فيها لتهدئة قلقنا، ولكي نشعر أننا نفعل شيئاً ما.
الاعتمادية المشتركة والنصائح غير المرغوب فيها
تعرف الاعتمادية المشتركة أو الاتكالية المشتركة بأنها تركيز غير صحي على الآخرين ومشاكلهم.
ليس كل من يقدم نصيحة غير مرغوب فيها مصاباً بالاعتمادية المشتركة، لكن الكثير من أصحاب هذا النوع من الاعتماد يقدمون النصائح بوصفها وسيلة لمساعدة أو إصلاح أحوال أشخاص آخرين، وللشعور بأن الآخرين يحتاجون إليهم أو أنهم مفيدون، أو للتلاعب بالآخرين بهدف جعلهم ينفذون رغباتهم.
يمكن أن تنظر للنصيحة غير المرغوب فيها بوصفها انتهاكاً للحدود. فحينما تقدم نصيحة غير مرغوب فيها تتطفل على حق الآخر في تقرير المصير، وفي امتلاك آراء مختلفة، والتوصل إلى حلول خاصة به.
وتنطبق الحدود على كلا الطرفين؛ لذلك لا نحتاج إلى رسم حدودنا نحن كيلا يؤذينا الآخرون فحسب، بل ونحتاج أيضاً إلى احترام حدود الآخرين كذلك، والاستئذان قبل تقديم المشورة هي إحدى طرق تحقيق ذلك.
كيف تتوقف عن تقديم مثل هذه النصائح
حين يبوح لك أحدهم بمشكلة فهذه ليست دعوة لتقدم نصائحك. فكثيراً ما يحتاج الناس إلى أن يُسمعوا ويُفهموا. ويرغبون في معالجة أفكارهم والشعور بالدعم، ولا يرغبون في أن يُقال لهم ما ينبغي لهم فعله أو ما تراه أنت؛ لذا، فأبسط منهجية لتقديم النصيحة هي الاستئذان قبل تقديم النصيحة أو الاقتراح. إليك بعض الأمثلة:
لدي بعض الأفكار التي قد تكون مفيدة، هل أنت مهتم بسماعها؟
هل يتسع صدرك لبعض الاقتراحات؟
هل سيكون من الأفضل لو نصحتك أم عليَّ الاكتفاء بالإنصات؟
لقد مررت بشيء مشابه، هل لي أن أخبرك بشيء أفادني؟
هل بإمكاني المساعدة بأي شكل؟
ومثل الكثير من الأشياء، الفعل أصعب من القول. فإذا كان الاستئذان أمراً صعباً، جرب أن تتذكر أن النصيحة غير المرغوب فيها ليست مفيدة دائماً، أو ليست أفضل طريقة لتشجيع مَن تُحب على التغير أو تجربة شيء جديد، بل قد تبدو فظة ومحتقِرة.
وإذا كان هدفك أن تكون داعماً ومتعاوناً، فقد تكون ثمة طريقة أفضل لتحقيق ذلك، وفي الغالب يكون السؤال أفضل طريقة لمعرفة ما يحقق تقديم الدعم والمساعدة.
إن كنت تعاني من تقديم نصيحة غير مرغوب فيها، اسأل نفسك هذه الأسئلة:
لماذا أرغب في تقديم المشورة الآن؟
هل هناك شيء يمكنني فعله غير ذلك ويقدم مساعدة أكبر؟
هل ثمة شخص أكفأ يمكنه نصح هذا الشخص؟
هل يمكن أن أدعهم يقررون أو يتوصلون إلى حل بأنفسهم؟
ما الذي يمكنني فعله لتقليل قلقي وانزعاجي غير هذا؟
هل يمكن أن أتقبل أن أفكاري ليست الأفكار الجيدة الوحيدة؟
كيف يمكنني أن أقدم الدعم دون أن أسدي نصيحة غير مرغوب فيها؟
هل يمكنني التركيز على الإنصات والاستيعاب بدلاً من الإصلاح والتوجيه؟ هل سيُبدي هذا التصرف الدعم والاحترام؟
كيف أستجيب للنصيحة غير المرغوب فيها؟
إذا كنت الطرف المتلقي للنصيحة غير المرغوب فيها فستحدد النهج الذي تتبعه في الرد بناءً على هوية مقدم النصيحة، وموضوعها، وعدد مرات تقديمها.
بشكل عام، أفضل طريقة هي أن تكون مباشراً ومهذباً بشأن ما تحتاجه أو تريده.
فيما يلي بعض الطرق التي يمكنك من خلالها إخبار شخص ما بالتوقف عن تقديم المشورة:
أفهم ما تقصده، لكنني لا أبحث عن نصيحة. ما أريده حقاً هو…
حالياً، أحتاج فقط للتنفيس. لا أبحث عن الحلول.
أهم ما يمكنك مساعدتي به هو أن تجلس معي وتنصت إليّ.
أقدر آراءك، لكن ما أريده هو التوصل لحل ذلك بنفسي.
أشعر بعدم الأهلية والانزعاج حين تخبرني طوال الوقت بما يجب علي فعله. أعرف أنك تهتم لأمري وسأخبرك حين أحتاج لمساعدتك.
لا يبدو ذلك أفضل نهج بالنسبة إليّ.
أعرف أنك تحاول تقديم المساعدة، لكنني لا أحتاج أي نصائح إضافية.
ليس هذا بالأمر الذي أرغب في مناقشته.
قد ترغب أيضاً في اتخاذ تدابير وقائية، خاصة مع المعتدين الروتينيين، وبدء المحادثات بإخبارهم بما إذا كنت تبحث عن التعاطف أو التوجيه والرأي.
يمكن لهذا أن يضبط التوقعات وأن يساعد الآخرين في معرفة أفضل السبل لدعمك.