في المرة القادمة التي توصف لك فيها بعض الأدوية، لا تتناولها مسرعاً بكوب من الماء. خذ بعض الوقت لتلاحظ لون حبات الدواء، فقد تجد أن دواءك يعمل بشكل أسرع وأفضل من أي وقت مضى.
فالمكونات النشطة داخل الأدوية ليست وحدها سبب العلاج، كل شيء عن الدواء بما في ذلك اسم العلامة التجارية والتسويق والتعبئة والتغليف يؤثر على شعورنا بعد تناولنا هذا الدواء.
وقد يكون لون أقراص الدواء له أكبر تأثير على الإطلاق.
اختيار لون حبات الدواء ليس عشوائياً
على الرغم من أن الأدوية التي تم تقديمها على شكل حبوب موجودة منذ العصور المصرية القديمة، فإنها بدأت تظهر بشكل ملون في الستينات والسبعينات، إلا أنها قبل ذلك كانت بيضاء اللون.
أضيفت الألوان إلى حبات الأدوية لتبدو أكثر جاذبية لأغراض التسويق، ولإخفاء ما بداخل الكبسولات، وحماية الدواء الداخلي من آثار أشعة الشمس، ولمساعدة كل من المصنعين والمرضى على التمييز بين الأدوية المختلفة.
في حين أن شركات الأدوية الرائدة التي أضافت اللون لأول مرة إلى حبوبها ربما لم تفهم التأثير الكامل للون الحبوب على مستخدميها، إلا أنها أصبحت الآن تنفق أموالاً في البحث عن أفضل الألوان لمختلف الأدوية.
وأظهرت الأبحاث أن تغيير الشركات للون الحبوب له تأثير سلبي ملحوظ على المرضى، وتجعل من المحتمل بدرجة كبيرة أن يتوقف المستخدمون عن تناول الأدوية.
ووجدت دراسة نُشرت في 2013، أن الاختلافات في لون الدواء الموصوف تؤثر على ما إذا كان المريض سوف يتوقف عن تناول الدواء.
إذ يُعد لون الدواء نوعاً من العلاج الوهمي، وما يسمى بـ "تأثير البلاسيبو"؛ بمعنى إذا كنت تؤمن حقاً أن حبة الدواء تحتوي على السكر فقط دون أي مادة فعالة يمكنها علاج صداعك، فإن ما تؤمن به سيحدث، هذا ما يسمى بالعلاج الوهمي أو تأثير البلاسيبو.
يؤثر البلاسيبو على فاعلية الأدوية الحقيقية أيضاً، فتخيل أن أمامك مرهمين متشابهين لعلاج الحكة، لكن أحدهما لونه أحمر والآخر أبيض، أيهما ستختار؟
بصفة عامة يرتبط اللون الأزرق بالمهدئات، ويكون له تأثير هادئ بشكل عام، أما اللونان البرتقالي والأحمر فيرتبطان بالمنشطات.
هذا هو السبب في أن الحبوب التي تعالج البرد والإنفلونزا والتي لا تسبب الشعور بالنعاس تتوفر غالباً في كبسولة نصف حمراء، مما يشير إلى التأثير غير المنوم للدواء.
أما اللون الأخضر فيُعد لوناً مهدئاً، ولهذا السبب تأتي مادة أوكسيكودون، التي تستخدم لعلاج الألم المزمن، في شكل حبة خضراء صغيرة.
ومن المعروف بشكل خاص أن للون الأصفر خصائص مضادة للاكتئاب، لذا فليس من المستغرب أن يأتي
الفاليوم في شكل حبة صفراء صغيرة
وأكثر مضادات الاكتئاب فاعلية هي الحبوب ذات اللون الأصفر، حسب دراسة في عام 1970.
وحسب دراسة أُجريت عام 1982، فإن الأدوية الخضراء تمحي القلق بشكل أفضل، وتُهدئ الأدوية البيضاء الآلام بفاعلية أكبر.
لذلك فإنك ستختار المرهم أبيض اللون على المرهم الأحمر للتخلص من الحكة، أليس كذلك؟
تعمل الألوان الأكثر إشراقاً والأسماء التجارية المزخرفة على تقوية هذه التأثيرات.
وفي دراسة أُجريت عام 1981، تكون حبوب الأسبرين البيضاء في العلب المطبوع عليها اسم الدواء أكثر فاعلية من حبوب الأسبرين غير المألوفة داخل علب غير مطبوعة باسم الدواء.
لون حبات الأدوية له تأثير فسيولوجي
ترسل الخلايا الحساسة للضوء في شبكية العين إشارات إلى الدماغ، حيث تتشكل الصور المرئية للعالم من حولنا.
لكن الخلايا الأخرى في العيون، والمعروفة باسم خلايا العقدة الشبكية، تستجيب للضوء بإرسال إشارات مختلفة إلى جزء مختلف من الدماغ، يعرف باسم تحت المهاد أو الهايبوثلاموس، الذي لا يلعب أي دور في تكوين الصور المرئية.
ما يفعله هذا الجزء من الدماغ هو التحكم في إفراز العديد من الهرمونات التي تتحكم في جوانب مختلفة من وظائف الجسم، بما في ذلك درجة الحرارة والتعب والشعور بالجوع وإيقاعات الساعة البيولوجية.
في حين أن العمل الكامل لهذا النظام لم يفهم بعد، فمن الواضح أن اللون والضوء يمكن أن يؤثرا على مزاجنا وشعورنا باليقظة.
هل للثقافة دور في انطباعاتنا عن الألوان؟
أظهرت تجربة في المملكة المتحدة أن الأفراد المعرضين للضوء الأحمر شهدوا زيادة في معدل ضربات القلب، في حين أن الضوء الأزرق يمكن أن يخفض معدل ضربات القلب.
وعندما تم تثبيت أضواء زرقاء في محطات مترو الأنفاق في طوكيو على سبيل المثال، انخفض معدل الانتحار من خلال القفز أمام القطارات.
ومع ذلك، في إيطاليا، تميل الحبوب الزرقاء إلى التحفيز.
وتكهّن الباحثون أنّ السبب له علاقة بلون المنتخب الوطني الإيطالي لكرة القدم، وبالتالي يرتبط بمادة الأدرينالين الذي تفرزه الأجسام في المباراة.
وفي إفريقيا، يرتبط اللون الأصفر بأدوية مضادة للملاريا، حيث يمكن أن يتحول بياض العين إلى اللون الأصفر عندما يكون الشخص مصاباً بالمرض.
من المثير للاهتمام أن هذا التصور يُعد عكس القاعدة. تماماً كما هو الحال مع مثال الجلد المحروق، عادة ما تعمل الأدوية بشكل أفضل عندما يتطابق لونها مع النتيجة المقصودة، وليس أعراض الحالة التي يعالجونها.
مثل هذه الفروق الثقافية هي أحد الأسباب التي تجعل الدواء يبدو مختلفاً تماماً في بلدان منفصلة، ويجبر شركات الأدوية على تقديم منتجاتها بألوان مختلفة وفق الدول المستهدفة.