هذه الصورة يعرفها متابعو الرياضة بالذات في أمريكا وكندا لما لاقته من انتشار.
هي صورة لاعبة الجمباز الأمريكية ماكييلا ماروني بعد فوزها بالميدالية الفضية في الألعاب الأولمبية بلندن عام 2012. قصة الصورة هي أن ماكييلا كان متوقعاً لها الفوز بالميدالية الذهبية في مسابقة الوثب فوق الحصان وكانت في طريقها لتحقيق هذا الفوز لولا أنها تعثرت أثناء هبوطها ما أدى لفوزها بالفضية.
النظرة التي بدت على وجهها أثناء التكريم لم يكن هناك أي صعوبة في تفسيرها. كانت هي نظرة الخسارة والحسرة وخيبة الأمل. الصورة انتشرت انتشاراً واسعاً أدى لشهرة ماكييلا ربما أكثر مما كان سيحدث فيما لو فازت بالذهبية.
اتضح فيما بعد أن ردة فعل ماكييلا هذه وعدم رضاها هو شيء يعرّفه علماء السيكولوجيا وبعضهم يطلق عليه "عقدة الفائز بالفضية"، ولها تفسير علمي يستحق التأمل.
في عام 1995 قام عالمان نفسيان في جامعة كورنيل بجمع صور التتويج بالميداليات في دورة الألعاب الأولمبية في برشلونة عام 1992 وعرضوها على مجموعة من الطلاب وطلبوا منهم أن يقيّموا تعبيرات وجوه الفائزين أثناء التتويج حسب مقياس للسعادة هو 10 إذا كان الفائز شديد السعادة و1 إذا كان يبدو شديد الحزن أو الحسرة.
بعد التقييم قاموا بجمع وحساب العلامات وتبين أن الفائز بالفضية حصل على علامة 4.7 على مقياس السعادة، بينما الفائز بالبرونزية والذهبية حصلا على علامات متقاربة في حدود 7.5.
التفسير هو أن الفائز بالفضية لا يملك في أكثر الأحيان إلا أن يقارن نفسه بالفائز بالذهبية، ويقول: "كان ممكن أن أكون أنا الفائز". هذه الطريقة من التفكير يسميها العلماء "counterfactual" أو طريقة التفكير المنافية للواقع. حيث يقوم الشخص بتكوين فكرة بناء على واقع غير حقيقي.
الفائز بالبرونزية في المقابل يقارن نفسه بمن لم يفز بشيء وغالباً يقول في نفسه: "أنا محظوظ أني فزت بشيء على الأقل".
هنا تبدو نسبية الأمور في تفكير الإنسان فهو لا يبدو عموماً مهتماً بالقيمة المطلقة لما أنجز أو كسب وإنما بقيمة ما كسب مقارنة بما حصل عليه غيره.
حتى يبرهن العلماء على ذلك قاموا، في دراسة أخرى، بسؤال مجموعة من الناس: هل تفضل أن تحصل على راتب سنوي مقداره 100 ألف دولار فيما يكون دخل من حولك هو 200 ألف دولار سنوياً، أم الحصول على راتب 50 ألف دولار بينما دخل من حولك هو 25 ألفاً. عِلماً بأن القوة الشرائية لـ 50 ألفاً هي نصف القوة الشرائية لـ 100 ألف. ماذا تعتقد كان جواب الناس؟ تقريباً نصف الذين سُئلوا اختاروا الـ 50 ألفاً. لا لأي سبب سوى أن يكونوا أفضل من غيرهم مع أن ذلك يعني أنهم سيكونون أقل غنى.
من الواضح أن طريقة تفكير بعض الناس، وربما معظمهم، في الحكم على قيمة ما يملكون فقط من خلال مقارنة أنفسهم بغيرهم يجعلهم يتخذون قرارات حمقاء والأسوأ من ذلك يجعلهم أقل سعادة.
لا تكن كالفائزين بالميدالية الفضية الذين غفلوا عن قيمة ما يملكون بالنظر إلى ما في يد غيرهم، وإلا لبدا ذلك في وجهك كما بدا في وجه ماكييلا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.