كما يعلم أي شخص يعرض تقديم النصيحة المشورة لإنسان حائر، فإن تقديم النصيحة اللازمة لا يعني بالضرورة أن الناس سوف يعملون بها. إن النصيحة هدية، ولو أنها سلاح ذو حدين أيضاً.
فأسلوب "أنا أعرف موقفك جيداً، وهذا هو ما يجب عليك فعله"، هو ما يمكن أن يجعل تقديم النصيحة عملية مشحونة.
تقديم النصيحة يقوّي الإحساس بالقوة الشخصية
تقول لي توست، الأستاذة المساعدة في الإدارة والتنظيم بكلية مارشال لإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا الجنوبية: "إن امتلاك الخبرة يتطلب التعامل الدقيق. فالحصول على نصيحة من شخص ما، يعني الموافقة على التأثر به".
وفي بعض الأحيان عندما لا يتقبل الناس النصيحة، يرفضون فكرة سيطرة مقدِّم النصيحة عليهم أكثر من أي شيء آخر.
لكن مع ذلك، من المفهوم أن ترغب في تقديم المساعدة عندما ترى أشخاصاً يعانون أو يشعرون بالألم.
إنه شعور جيد حين تعطي النصائح في تلك الأوقات. وفي الواقع، يزيد تقديم النصيحة من إحساس الفرد بالقوة الشخصية، وذلك وفقاً لدراسة نُشرت في دورية Personality and Social Psychology Bulletin، العام الماضي.
حدد الباحثون ثلاثة عوامل تقرر ما إذا كانت النصيحة ستدخل إلى القلب أم لا.
فسوف يتقبل الناس النصائح:
- إذا كان تحقيقها أمراً مكلفاً.
- إذا كانت المهمة صعبة (مثل نصائح المحامين في التعامل مع العقود).
- إذا كان الشخص الذي يقدمها أكثر خبرة ويعرب عن ثقته الشديدة بجودة النصيحة (مثل توصيات الأطباء بالعلاج مثلاً).
وتلعب العاطفة دوراً أيضاً: فمن المرجح أن يتجاهل صناع القرار النصيحة إذا شعروا باليقين بشأن ما سيفعلونه (مثل البقاء مع حبيب بغضّ النظر عن أي شيء سيحدث)، أو أنهم غاضبون (إعطاء نصيحة غير مناسبة في الوقت الذي يستشيط فيه الشخص غضباً).
إذن، ماذا يترك هذا للأصدقاء المهتمين وزملاء العمل القلِقين؟ هؤلاء الأشخاص الموجودون في حياتنا والذين ليسوا بالضرورة خبراء، ولكنهم يريدون المساعدة أيضاً؟
يمكنك محاولة تقديم يد العون، ولكن من الضروري التعامل مع المسألة بحساسية والتركيز على الشخص الذي يبحث عن المساعدة حقاً.
تقول الدكتورة لي توست لصحيفة The New York Times: "قد تبدو الأمور واضحة، لكن من المدهش كيف يتمكن الناس غالباً من تجاهُل ما يحتاجه صانع القرار فعلاً ولماذا يحتاجه".
نستعرض فيما يلي، أموراً أخرى يجب وضعها في الاعتبار، للتأكد من أن النصيحة التي تقدمها للآخرين ستُشعرك أنت والشخص الذي تنصحه، بالرضا.
تقييم الوضع
تأكَّد من أنه قد طُلب منك تقديم النصيحة بالفعل. فمن السهل أن نخلط بين من يريد فقط التنفيس عما بداخله ومن يطلب منا الانخراط في الأمر. ففي بعض الأحيان كل ما يحتاجه الناس هو أن يشعروا بأن هناك من ينصت إليهم.
تقول هيذر هافريلسكي، وهي كاتبة عمود في مجال المشورة ومؤلفة كتاب What if This Were Enough؟: "يبدو الأمر كما لو أن الناس سيقولون لك: (أريد أن أضع خطة)، لكن ما يعنونه حقاً هو: (أريد شخصاً ليتفهمني)".
وتقول ميلودي لي، وهي أخصائية في علاج مشاكل الأسرة والزواج ومقيمة في أوستن بتكساس، إنها تقترح أن تسأل: "هل ترغب في سماع بعض أفكاري، أم أن الآن ليس وقتاً مناسباً؟".
وهذا من شأنه أن يوازن الأمور بين طرفَي الحديث. لكن كن مستعداً لتلقي الرفض أيضاً، واحترِم رغبات الشخص، لأنه إذا لم تتراجع فسيبدو الأمر كما لو أن لديك مهمة تريد إنجازها.
افهم أهداف الشخص الباحث عن النصيحة بوضوح. فعندما يتواصل الناس مع أوستن كليون، مؤلف كتاب Steal Like a Artist، للحصول على مشورته، فهو يبحث ويحدد المشكلة بالضبط: "ماذا تريد أن تعرف على وجه التحديد ويمكنني مساعدتك فيه؟".
بهذه الطريقة، فإنك لن تغمر طالب النصيحة بمعلومات ليست ذات صلة بما يريده حقاً.
تقترح لي توست أن تعيد قول ما سمعته، لتتأكد من أنك قد استوعبت جوهر المشكلة.
واسأل عن النتيجة التي يأمل طالب النصيحة الحصول عليها، حتى تتماشى أفكارك مع رغباته.
بعد ذلك، استفسر عما فعله لمعالجة المشكلة، حتى لا تكون اقتراحاتك متكررة.
فكِّر في مؤهلاتك. تقول الدكتور لي توست إنه في كثير من الأحيان يذهب الناس إلى هؤلاء المقربين منهم للحصول على المشورة، حتى لو لم يكن أفراد الأسرة والأصدقاء في أفضل وضع لتقديم المساعدة بشكل فعال.
اسأل نفسك: "هل لديّ الخبرة أو المعرفة اللازمة لتقديم النصيحة المفيدة في هذا الموقف؟".
إذا كنت كذلك فهذا شيء رائع، قدِّم نصيحتك إذن. إن شعرت بأنك لا تمتلك الخبرة الكافية، فبدلاً من تقديم نصيحة غير مفيدة، حدِّد شخصاً في وضع أفضل يمكنه المساعدة.
تقول الدكتور لي: "إن المفتاح هو وضع احتياجات واهتمامات أحبّائك أمامك والتركيز عليها".
تعاوَن لإيجاد حل
كن ودوداً. الكلمات تتمتَّع بقوة، ويمكنها أن تساعد في الشفاء. ولقد توصلت دراسة حديثة إلى أن الأطباء الذين هم ببساطة يوفرون اللطف والطمأنينة، قادرون على المساعدة في تخفيف الأعراض التي يعانيها مرضاهم.
ومن الضروري بدء محادثة تقديم المشورة بنبرة مطمئنة. لذلك تتأكد دي سي. مارشال، وهي مدربة حياة وقادة، من الثناء على طالب النصيحة قبل تقديم ولو اقتراح واحد.
قد تقول شيئاً مثل: "أنا أحييك حقاً، لمعرفتك كيفية فعل س وفعل ص". إن الثناء على حكم ومعرفة شخص ما، لا يجعل الشخص يشعر بالرضا عن نفسه فقط، ولكنه يساعد أيضاً في الحفاظ على التوازن سليماً بين طالب النصيحة ومُقدِّمها.
شارِك خبراتك. تقول دي سي. مارشال إن الناس يميلون إلى الممانعة عندما تكون النصيحة وعظية.
في حين أن قول: "لقد مررت بذلك، وهذا ما فعلته"، يجعل الناس أكثر تقبُّلاً وانفتاحاً لتقبُّل الرأي.
وفي مسألة توجيه العملاء، توصي أيضاً بالكتب والأدوات التي قد توفر رؤية ثاقبة إضافية: "أنا لا أخبرهم بما يجب القيام به، لكنني أعرض عليهم مورداً إضافياً للمعلومات".
ابحث عن علامات الارتياح الجسدية. افحص إشارات الوجه ولغة الجسد: استرخاء العينين والفم، وانخفاض الكتفين، والتنفس بهدوء. هذه مؤشرات جيدة على أن نصيحتك تلقى صداها.
تقول لي توست إنه حتى كلمة "نصيحة" يمكن أن يكون تأثيرها استفزازياً. وإنها تميل إلى استخدام ألفاظ مثل "اقتراحات" و "أفكار"، لأن تلك الكلمات تعطي شعوراً تعاونياً أكثر.
قدِّم الدعم حسب الحاجة
حدد النقاط الأكثر إفادة (وأعطِ مساحة لرفض النصيحة). ليس من الواقعي أن يتصرف الناس وفقاً لكل نصيحة تقدمها لهم.
بعد مناقشة المشكلة واقتراح كيفية التعامل معها، تسأل دي سي. مارشال عملاءها ما أكثر مقترح قد لقي صدى لديهم.
ثم تمنحهم الإذن بتجاهل أي اقتراحات أخرى قدمتها ولم تكن مناسبة.
وهذا لا يساعد فقط على تخفيف الضغط من فوق كاهل طالب المشورة، ولكن يمكن أن يؤدي إلى إنهاء المحادثة بشكل إيجابي، من خلال وجود عنصر واحد على الأقل للتركيز عليه.
يتفق كليون مع هذا النهج. وقد كتب ما يلي في مقدمة كتاب Keep Going، وهو كتاب عن الاستمرار في حالة عقلية إبداعية: "قد تختلف المسافة التي تقطعها. لذا خذ ما تريد واترك الباقي".
رتِّب الخطوات التالية. أخيراً، اسأل عن نوع الدعم المستمر المطلوب (إن كان متاحاً)، وما الجهود التي ينبغي تجنبها. هل تؤدي المتابعة المستمرة إلى تحفيز الشخص، أم أنه سيشعر بمحاولة التأثير عليه؟
تقول لي توست: "هناك طريقة واحدة فقط لمعرفة ذلك: اسأل بقلب مفتوح".
إن التعامل مع طالب المشورة بهذه الطريقة يؤدي إلى ترسيخ استقلالية الشخص.
ومن خلال وضع التوقعات للخطوات التالية والتعامل مع المشكلة كفريق، من المرجح أن يشعر كلاكما بالقوة التي تساعدكما على مواجهة المشكلة.