من منا لا يحب الحلويات؟ ومن منا يستطيع أن ينكر أن الإفراط في تناول السكر يمكن أن تؤدي إلى زيادة الوزن ومرض السمنة المفرطة ومرض السكري من النوع الثاني وتسوس الأسنان.
وعلى الرغم من أننا نعلم أنه لا ينبغي لنا أكل الحلويات والمثلجات والبسكويت والكعك وشرب المشروبات الغازية الغنية بالسكر، فإنه في بعض الأحيان تصعب مقاومة هذه الأطعمة اللذيذة، لدرجة أنه يخيَّل إلينا أن عقولنا مبرمجة على طلب هذه الأطعمة.
بحسب موقع Live Science الأمريكي، فإن أدمغتنا مبرمجة على حُب السكر، لكن الإفراط في تناوله يؤثر على صحة الدماغ من عدة نواحٍ، تعرف معنا عليها:
الإفراط في تناول السكر وصحة الدماغ
الأطعمة الغنية بالسكر مصادر طاقة ممتازة، ولذلك نعتبر الأطعمة الحُلوة مثيرة للمتعة بصورة خاصة.
بحسب العلماء، فإن أسلافنا البدائيين كانوا يبحثون باستمرار عن الأطعمة ذات المذاق الحلو، حيث يمكن أن تكون الأطعمة ذات المذاق الكريه أو المُر أو الحامض غير ناضجة أو سامة أو متعفنة؛ ومن ثم تسبب المرض.
ولذلك لتعظيم فرص جنسنا في البقاء، لدينا نظام داخلي بالمخ يجعلنا نحب الطعام الحُلو، لأنه مصدر عظيم للطاقة التي تمد أجسامنا بالوقود.
عندما نأكل أطعمة حُلوة، يُنشَّط نظام المكافأة في المخ، والذي يسمى نظام الدوبامين الميزوليمبي.
والدوبامين مادة كيميائية في المخ، تُفرز من الخلايا العصبية، ويمكنها نقل إشارة أن حدثاً ما كان إيجابياً.
تفيض بيئتنا الآن بالأطعمة الحُلوة الغنية بالطاقة، ولم نعد نحتاج السعي والبحث عن هذه الأطعمة الغنية بالسكر، فقد أصبحت متوافرة في كل مكان.
ولسوء الحظ، لا تزال أدمغتنا وظيفياً مشابهة لتلك الخاصة بأسلافنا، ومن ثم فهي حقاً تحب السكر.
لكن ماذا يحدث في المخ عندما نفرط في تناول السكر؟
علاقته بالإدمان على الطعام
يُعدّل المخ باستمرار من نفسه، ويعيد تكوين دوائر عصبية من خلال عملية تسمى المرونة العصبية.
قد يحدث تكوين الدوائر هذا في نظام المكافأة، ويؤدي تفعيل نظام المكافأة المتكرر نتيجة تناول كثير من الأطعمة السُّكرية، إلى تكيف المخ مع الاستثارة المتكررة؛ وهو ما يؤدي إلى نوع من اعتياد.
وهذا يعني أننا نحتاج تناول كميات أكبر، لنحصل على شعور المكافأة ذاته، وهذه صفة تقليدية من صفات الإدمان.
إدمان الطعام موضوع مثير للجدل بين العلماء والأطباء.
من الحقيقي أنك يمكن أن تصبح معتمداً بدنياً على عقاقير معينة، لكن لا يزال محل جدل ونقاش، هل يمكن أن تصبح مدمناً للطعام أم لا؟
المخ يريد السكر ومزيداً منه
بجانب احتياجنا للطعام لإمداد أجسامنا بالطاقة، يختبر أشخاص عديدون شعور اشتهاء أطعمة، خصوصاً عندما يكونون متوترين أو جوعى أو يواجهون استعراضاً مغرياً من الكعك في محل القهوة.
نحتاج تثبيط استجابتنا الطبيعية بالانغماس في هذه الأطعمة اللذيذة، لكي نقاوم شعور الاشتهاء.
فإن شبكة من الخلايا العصبية المثبطة ضرورية للتحكم في سلوكنا. تتركز هذه الخلايا العصبية في الفص الجبهي الأمامي من القشرة المخية، وهي منطقة أساسية من المخ تدخل في عمليات اتخاذ القرارات والتحكم في الاندفاعية وتأجيل الإشباع.
تشبه الخلايا العصبية المُثبطة مكابح المخ، وتفرز مادة كيميائية تسمى جابا.
أظهرت الأبحاث التي أُجريت على الفئران، أنّ تناول الغذاء عالي السكر يمكنه التأثير على الخلايا العصبية المثبطة.
كانت الفئران التي تناولت السكر ذات قدرة أقل على التحكم في سلوكها واتخاذ القرارات.
يُظهر هذا أن ما نأكله يمكنه التأثير على قدراتنا لمواجهة الإغراءات، ويمكنه أن يفسر صعوبة تغير الأنظمة الغذائية للأشخاص.
وفي دراسة حديثة طُلب من بعض الأشخاص تقييم لأي مدى يرغبون في تناول وجبات خفيفة عالية السعرات الحرارية عندما يشعرون بالجوع مقابل تقييم الرغبة نفسها بعد تناولهم الطعام بقليل.
قيّم الأشخاص معتادو أكل الأطعمة عالية السكر والدهون مدى اشتهائهم للوجبات الخفيفة بدرجةٍ أعلى حتى عندما لم يكونوا يشعرون بالجوع.
وهذا يقترح أن أكل أطعمة عالية السكر بانتظام من الممكن أن يُضخّم شعور الاشتهاء للأطعمة، وهو ما يخلق حلقة مفرغة من الرغبة في مزيد ومزيد من هذه الأطعمة.
يمكن أن يفسد السكر عملية تكوين الذاكرة
منطقة الحُصين منطقة أخرى في المخ تتأثر بتناول غذاء عالي السكر، وهي مركز أساسي للذاكرة.
أظهرت الأبحاث أن الفئران التي تناولت أطعمة عالية السكر كانت أقل قدرة على تذكُّر ما إذا كان سبق لها رؤية جسم ما في موقع معين.
كانت التغيرات المرتبطة بالسكر في منطقة الحُصين تشمل كلاً من انخفاض عدد الخلايا العصبية في حديثي الولادة، وهي حيوية لتسجيل الذكريات، وأيضاً زيادة مواد كيميائية مرتبطة بالالتهاب.
كيف تحمي مخك من السكر؟
تنصح منظمة الصحة العالمية بالحد من تناول السكر المضاف إلى 5% من سعراتنا الحرارية اليومية، وهو ما يعادل 25 غرام سكر (6 معالق صغيرة).
وهذا تغيير كبير في النظام الغذائي إذا ما أخذنا في الحسبان أن الشخص البالغ يستهلك في المتوسط 85 غرام سكر (20 ملعقة صغيرة) يومياً.
من المهم ملاحظة أن المرونة العصبية للمخ تمكّنه من إعادة ضبط نفسه إلى حد ما، عقب تقليل السكر في النظام الغذائي، وبإمكان ممارسة الرياضة تعظيم هذه العملية.
تحمي الأطعمة الغنية بدهون أوميغا 3 (مثل زيت السمك والمكسرات والبذور) الجهاز العصبي، ويمكن أن تعزز المواد الكيميائية في المخ المطلوبة لتكوين خلايا عصبية جديدة.
مع أنه ليس من السهل كسر العادات مثل تناول الحلويات دائماً أو شرب القهوة مضاعفة مرتين، إلا أن مخك سيكون ممتناً لك على اتخاذ خطوات إيجابية للحفاظ على صحته.