هناك حقيقة قد تكون قاسية في الحياة يرفض البعض قبولها، وهي أننا ليس لدينا أي سيطرة على العديد من الأشياء التي تحدث في الحياة، بعض الناس الذين يقاومون هذه الحقيقة يصبحون قلقين جداً، ويُعانون من التفكير القلق بشكل دائم ومُستمر، ولا يُمكنهم إيقاف رؤوسهم أبداً.
قد يعلمون أنهم لا يستطيعون منع حدوث أشياء سيئة، لكنهم قلقون بشأنها على أي حال، إنهم قلقون من كل شيء، من الكوارث الطبيعية إلى الأمراض الفتاكة، ومخاوفهم تبقيهم في انزعاج دائم طوال الوقت، لكنهم في النهاية يُهدرون وقتهم وطاقتهم لأن القلق لا يفيدهم، فإذا كنت تُضيع الكثير من الوقت في القلق بشأن كل شيء وأي شيء، ولا تستطيع إيقاف هذا، فهناك بعض الطرق والخطوات البسيطة التي تجعلك تستطيع إجبار دماغك على أن يتوقف عن القلق، يمكنك التعرف عليها هنا.
كيف تُجبر دماغك على أن يتوقف عن القلق؟
هناك بعض الطرق البسيطة التي يمكن اتباعها لتوقف تدفق الأفكار القلقة في رأسك، ومنها:
1- تحديد هل الأمر بيدك وخاضع لتحكمك أم لا
عندما تجد نفسك قلقاً خذ دقيقة واحدة لفحص الأشياء التي يمكنك السيطرة عليها والتحكم فيها، قد لا يُمكنك منع حدوث العاصفة، ولكن يُمكنك الاستعداد لها، قد لا يُمكنك التحكم في سلوك شخص آخر، ولكن يُمكنك التحكم في كيفية رد فعلك.
عليك إدراك أنه في بعض الأحيان، كل ما يُمكنك فعله أو التحكم فيه هو جهدك وموقفك ورد فعلك، وعندما تضع طاقتك في الأشياء التي يمكنك التحكم فيها والسيطرة عليها، ستكون أكثر فاعلية.
2- تحديد مخاوفك
اسأل نفسك عن الأشياء التي تخشى حدوثها بالتحديد؟ هل تتوقع نتائج كارثية؟ هل تشك في قدرتك على التغلب على خيبة الأمل؟
عادةً ما يكون السيناريو الأسوأ ليس مأساوياً جداً كما قد تتصور، فهناك فرصة جيدة دوماً لإعادة السيطرة على الوضع الجديد وتطويعه لصالحك، لأنك أقوى مما تعتقد.
لكن في بعض الأحيان ينشغل الناس ببعض الأفكار مثل: "لا يمكنني السماح لعملي بالفشل"، لكنهم في الوقت نفسه لا يأخذون الوقت الكافي لسؤال أنفسهم: "ماذا أفعل إذا فشل عملي؟".
إن إدراك أنه يُمكنك التعامل مع أسوأ سيناريو يمكن أن يُساعدك في جعل طاقتك أعلى وإنتاجيتك أكثر.
3- التفريق بين الاجترار السيئ وحل المُشكلات
إن إعادة تشغيل المُحادثات في رأسك أو تخيل النتائج الكارثية مراراً وتكراراً ليس مفيداً، لكن التفكير في حل المُشكلات هو الأمر المُفيد، لذا اسأل نفسك ما إذا كان تفكيرك مثمراً ويؤدي إلى حل مُشكلاتك أم لا؟ فإذا كنت تعمل بنشاط على حل مشكلة، مثل محاولة إيجاد طرق لزيادة فرص النجاح، فاستمر في التفكير والبحث عن الحلول.
أما إذا كنت تهدر وقتك، فقم بتغيير القناة في عقلك! اعترف بأن أفكارك ليست مُنتجة وشجع نفسك بأن تنهض وتفعل شيئاً مُختلفاً لبضع دقائق ثم تعود للتفكير مرةً أخرى وتُحاول تركيز عقلك على شيء أكثر إنتاجية.
4- إنشاء خطة فعّالة لإدارة الإجهاد
التمارين الرياضية، والأكل الصحي، والتمتع بكمية كافية من النوم العميق هي بعض الأشياء الأساسية التي عليك القيام بها لرعاية نفسك، يجب عليك قضاء بعض الوقت لإدارة الإجهاد الذي تتعرض له حتى تتمكن من العمل بشكل أكثر كفاءة.
يُمكنك أيضاً البحث عن مسكنات التوتر الصحية، مثل التأمل، وقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء أو الانخراط في هواية، عليك الانتباه أيضاً لمستوى التوتر لديك ولاحظ كيف تتعامل مع الأزمات، يجب التخلص أيضاً من مهارات التأقلم غير الصحية، مثل تقديم الشكوى باستمرار إلى أشخاص آخرين.
5- تطوير التأكيدات الصحية
يُقدر العلماء أن الناس لديهم حوالي 70 ألف فكرة في اليوم الواحد، العديد من هذه الأفكار تُحرض على مشاعر الشك والخوف والإحباط.
يمكن أن يساعد الاحتفاظ ببعض التأكيدات الصحية الإيجابية في متناول اليد في مكافحة التفكير السلبي، ويجب تذكير نفسك دوماً بهذه التأكيدات، مثل: "أنا أقوى مما أعتقد"، أو "يمكنني التعامل مع هذا"، تأكيداتك هذه يمكن أن تساعد في التغلب على السلبية.
مع الممارسة، يمكنك تدريب عقلك على التفكير بشكل مختلف، وستبدأ في قبول أنه ليس بإمكانك التحكم في كل موقف، وأن هناك أشياء ستحدث خارجة عن نطاق سيطرتك وتحكمك، وفي هذه الحالة سيكون كل ما يُمكنك التحكم فيه هو طريقة تفكيرك وشعورك وسلوكك.
عادات تُجبر عقلك على التوقف عن القلق
هناك عادات صحية يمكن التدرب عليها وتنميتها على المدى الطويل، الميزة الأساسية في هذه العادات هي أنه بإمكانها أن تجعلك تُجبر نفسك على التوقف عن القلق، ومنها:
1- تخصيص وقت "مُحدد" للقلق
قد يبدو هذا الأمر غريباً، لكن يمكن الاستعانة بهذه الحيلة في حالة الأشخاص الذين يعرفون أنهم يقلقون طوال الوقت، منذ لحظة استيقاظهم صباحاً حتى لحظة عودتهم للسرير مرة أخرى مساء، ويظهر أيضاً قلقهم في فترة نومهم مُتجسداً في أحلام سيئة وكوابيس، فإذا كنت من هؤلاء سيكون تحجيم القلق في وقت مُعين لا يتخطاه هو أمر بالغ الأهمية والفاعلية.
بدلاً من ترك المخاوف تسيطر على أفكارك طوال الوقت، خصص وقتاً مُحدداً لها حتى تتمكن من التحكم في مخاوفك، حدد فترة من الوقت خلال يومك، نصف ساعة مثلاً، بحيث تسمح لنفسك بالقلق خلالها.
تُشير بعض الأبحاث من جامعة ولاية بنسلفانيا إلى أن تخصيص فترة كهذه خلال يومك يمكن أن يساعدك على إرجاء مخاوفك إلى فترة لاحقة، ما يتيح لعقلك المزيد من النشاط الإنتاجي في الوقت الحالي، بالإضافة إلى ذلك، يُمكنك الاستفادة من وقت القلق هذا وجعله مُثمراً قدر الإمكان من خلال العمل على إيجاد حلول لمشاكلك خلاله، بدلاً من التركيز فقط على المُشكلات نفسها.
2- تجميع المخاوف الخاصة بك في قائمة
معظم الناس يواجهون مجموعات من المخاوف، فبدلاً من مشكلة واحدة فقط تخطر على بالك، تبدأ عشرات الأفكار المنفصلة أو المرتبطة بالسيطرة عليك، عندما يحدث هذا، حاول تدوين مجموعة الأفكار هذه في قائمة، ولا تدرجها في رأسك فقط، هذا يساعد في تقليل أفكارك القلقة بطريقتين:
أولاً: أنه يجبرك على مواجهة مخاوفك وتصنيفها، أو في كثير من الأحيان ترشيدها أو تجميعها فيُمكنك اختصار مخاوفك الستة إلى اثنين مثلاً من المخاوف الأساسية.
ثانياً: يوفر لك قائمة مرئية للعناصر التي تقلق بشأنها، سيبدو حجم المخاوف أصغر عندما توضع على ورقة، وستشعر بالرضا تجاه ما تواجهه.
3- ابق مشغولاً قدر الإمكان
إجبار نفسك على العمل على شيء ما بينما تشعر بالقلق هو أمر قد يجعل أفكارك المثيرة للقلق تزول، المفتاح هنا هو أن تُشغل يديك أو عقلك، ويُفضل أن يكون كلاهما، في بعض المهام التي تتطلب مستوى من التركيز، على سبيل المثال، يُمكنك أن تنشغل بمهمة تحب القيام بها وتحتاج إلى قدر كبير من تركيزك، إذا نجحت في اختيار المهمة الصحيحة، ستهدأ رأسك وتسكن أفكارك وتضيع مخاوفك.
4- التحدث مع شخص ما عن شيء آخر
هناك استراتيجية مماثلة للإلهاء لما سبق، وهي شغل نفسك بالتحدث إلى شخص آخر قريب، يمكن أن تختار أي شخص، طالما أن الموضوع شيء آخر غير مخاوفك، يؤدي القيام بذلك إلى التشارك في اللغة والمكونات العاطفية لعقلك، ما يُجبرك على عمل مُحادثة بناءة بدلاً من المحادثة الداخلية التي تُسبب قلقك.
طالما يمكنك الاستمرار في المُحادثة وإبقائها ممتعة لبضع دقائق، فمن المُحتمل أن ينتقل انتباهك إلى موضوع المحادثة بالفعل وتنشغل دماغك عن المخاوف التي تُثير قلقك.
5- التأمل
لكي يكون التأمل فعّالاً، عليك أن تمارسه في لحظات من الهدوء، لحظات تُحاول خلالها ألا تشعر بالقلق أو التشتيت، حاول تهدئة عقلك لمدة بضع دقائق فقط، لا تفكر في أي شيء، وإذا وجدت أن هناك فكرة تدخل رأسك، فاعترف بها بهدوء واتركها تذهب.
قد يكون من الصعب تحقيق هذا المستوى من صفاء الذهن، حتى في ظل ظروف هادئة تماماً دون توتر أو قلق أو مخاوف، ولكن مع الممارسة، ستتمكن من الدخول في هذا التأمل بسلاسة، بمجرد أن تمارس وتتدرب بالقدر الكافي، ستتمكن من استدعاء التأمل حتى في المواقف الأكثر إثارة للقلق أو التوتر.
6- ممارسة الرياضة البدنية
لعلك تدرك جيداً الفوائد العقلية والبدنية التي لا حصر لها التي توفرها مُمارسة التمارين الرياضية، فالرياضة تستطيع أن تُنتج الهرمونات المسؤولة عن السعادة، وتُقلل من الإجهاد ما يجعلك تشعر بالتحسن طوال اليوم.
وبالإضافة إلى تلك التأثيرات وبالتزامن معها، يمكن لممارسة التمارين الرياضية بانتظام أن تُقلل من مستويات القلق، لذلك ستجد نفسك أقل قلقاً عند المواظبة على مُمارسة التمارين الراضية، ويمكن أيضاً أن تقودك التمارين الرياضية في الصباح إلى عدد أقل من المخاوف طوال اليوم.
ولكن إذا وجدت نفسك قلقاً خلال اليوم ولا تستطيع السيطرة على أفكارك ومخاوفك، فيُمكنك دائماً التسلل سريعاً للمشي أو الركض لتحرير عقلك.
7- افصل اتصالك بهاتفك والإنترنت
تُعتبر اتصالاتنا غير المحدودة مصدراً رئيسياً للقلق، سواء أدركت ذلك أم لا، فالتنبيه المُستمر لرسائل البريد الإلكتروني والمكالمات والرسائل النصية الواردة يمكن أن يثير ذهنك في موجة من القلق. وحتى الأنشطة الأخرى التي يُمكنك القيام بها مثل التحقق من صفحتك على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يُقدم لك الأخبار السلبية والأصدقاء المُخادعين وتذكيرات بالأحداث المُقلقة.
عليك ألا تدع هذه الأشكال من التواصل تتداخل مع أفكارك، فكلما كان بإمكانك ذلك، افصل الاتصال تماماً، وهذا يعني إيقاف تشغيل هاتفك وفصل أو قطع الاتصال بالإنترنت، سيُشعرك هذا بتحسّن كبير بعد ذلك من حيث هدوء حالتك النفسية وصفائك الذهني.
في حين أن بعض هذه العادات يمكن أن يعمل في حالات عشوائية لمرة واحدة، فإن الغالبية منها تكتسب القوة عندما تستخدمها بانتظام كتكتيك للسيطرة على الأفكار القلقة في رأسك، لا تشعر بالإحباط إذا كنت لا تزال مُتأثراً بمخاوفك بعد استخدام واحدة من هذه العادات، بدلاً من الإحباط، يُمكنك تجريب استراتيجية مُختلفة والعمل على دمج كليهما في حياتك من أجل عقل أكثر صحة.