هل سبق لك أن استغرقت بعض الوقت لمراقبة أنواع الأفكار التي تفكر بها؟ هل راقبت أفكارك من قبل؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فيُمكنك فعل هذا لتتعرف على نوع العقلية التي لديك، فإذا اكتشفت أنك تفكر غالباً في الأفكار السلبية، فستتاح لك الفرصة لتغييرها.
عندما تفكر في الأفكار السلبية كثيراً، تؤثر هذه الأفكار على عواطفك، ثم تؤثر على سلوكك، هنا يُمكنك التعرف على ما يُسببه التفكير السلبي لدماغك وجسدك، وما الفوائد التي يمكن أن تجنيها من التفكير الإيجابي؟
التفكير السلبي
من الأفكار السلبية التي يمكن أن يُرددها أغلبنا لنفسه: أنا لست بخير، أفشل في كل شيء أحاول أن أفعله، أنا لست ذكياً، لا أحد يحبني، أنا دائماً في حالة من الألم والمُعاناة.
يمكن أن يؤثر هذا النوع من الأفكار على عواطفك وعلى سلوكك أيضاً، خاصةً إذا كنت تعتقد فيه غالبية الوقت، رُبما يكون من الطبيعي إنسانياً أن تفكر في مثل هذه الأفكار من حين إلى أخر، ولكن التعمق فيها أو العيش بها يمكن أن يؤثر حقاً على حياتك بطريقة سلبية.
إذا كنت تفكر في الأفكار السلبية كثيراً، فمن المُرجح أنك تتعامل مع المشاعر السلبية، مثل الحزن والاكتئاب واللامبالاة والقلق والخوف وغير ذلك، قد تشعر حتى باليأس في بعض الأحيان، وبالنسبة لتأثير هذه الأفكار على سلوكك، فقد تشعر بالتعب الشديد، وأنه ليس لديك رغبة في الخروج من المنزل، وقد لا تتمكن من إقامة علاقة؛ لأنك حزين طوال الوقت، وقد لا تكون قادراً على الذهاب إلى العمل بانتظام بسبب القلق أو الاكتئاب. كل هذه السلوكيات بعواقبها المُتعددة تنبع في نهاية المطاف من أفكارك السلبية.
ماذا يحدث عندما نفكر بشكل سلبي؟
على مرّ القرون، تطور عقلك بشكل مُدهش في عمليات اتخاذ القرارات والاستجابة السريعة للتهديدات التي تُهدد سلامتنا وبقاءنا، عندما نكون واقعين تحت ضغط نفسي أو قلقين فإننا نُفكر بشكل سلبي، نخدع أدمغتنا للاعتقاد بوجود تهديد فعلي، نتيجة لذلك، يبدأ الجسم في اتخاذ وضع القتال كاستجابة فورية وسريعة للتعامل مع الحدث.
أدمغتنا مُجهزة للتفاعل والاستجابة للأفكار والمشاعر السلبية بسرعة أكبر، بينما عندما نفكر بشكل إيجابي، يفترض دماغنا أن كل شيء تحت السيطرة وليس هناك حاجة إلى اتخاذ أي إجراء.
ولكن السؤال المهم الآن هو: ما مقدار الضغط والقلق والأفكار السلبية المُناسب للتهديدات الفعلية في الحياة المُعاصرة؟ حيث تُشير الدراسات الحديثة إلى أن الضغط النفسي المُبالغ فيه على افتراضات ومخاوف خيالية لا وجود لها في الواقع الفعلي هو أمر يُضعف نظام المناعة لدينا ويسبب الأمراض في أجسادنا، وهنا يجب إدراك أن التفكير السلبي يُسبب ضرراً أكبر مما نتخيل لأجسامنا وأدمغتنا.
كيف يؤثر التفكير السلبي على دماغك؟
خلال دراسة في مجلة علم النفس العيادي تم دراسة آثار القلق على أداء مهمة فرز بعض الأشياء، وكانت نتيجة الدراسة أن الأشخاص الذين أبدوا قلقهم تعرضت قدراتهم لحدوث خلل كبير عند فرز الأشياء كلما زادت المهمة صعوبة وتعقيداً.
في دراسة متابعة، وجد الباحثون أنهم قادرون على إظهار أن هذا الاضطراب كان نتيجة لزيادة مستويات الأفكار السلبية، فعند مواجهة مهام معقدة، يؤذي التفكير السلبي قدرة الدماغ على معالجة المعلومات والتفكير بوضوح.
إذا كان الباحثون على حق، فإن التفكير السلبي في مشاكلك ليس فقط لا يساعد في حل أي شيء فحسب، بل إنه يجعل من الصعب عليك التفكير في حل مفيد.
التجارب السيئة السابقة تدعم التفكير السلبي
إذا كان لديك ميل إلى الإفراط في إظهار التعب والإرهاق كرد فعل على الإجهاد، فقد يكون ذلك بسبب التغييرات في عقلك الناجمة عن التفكير السلبي، يتم تخزين التجارب السلبية في الدماغ من قِبل اللوزة الدماغية، وهي مسؤولة أيضاً عن تأهب الدماغ للقتال، والاستجابة للمخاوف.
عادةً ما يُقيّم الشخص الذي يواجه وضعاً مُرهقاً، كأن يكون في حالة ازدحام مروري، مستوى الخطر على سلامته ويخلص إلى أن الوضع القائم أقل من يُسبب له إزعاجاً وهو لا يُسبب تهديداً من الأساس بأي درجة، ويستمر الشخص في تهدئة نفسه حتى ينتهي الموقف بالكامل.
على النقيض من ذلك، فإن الشخص الذي تعرض من قبل لتجربة سلبية كانت تُهدد حياته أو يُعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، قد يرى أن ازدحام المرور يُشكل تهديداً لسلامته، ويبدأ جسمه في الرد كما لو كان يتعرض للهجوم، فهو يفتقر إلى القدرة على التمييز بين التهديد الحقيقي والتهديد المُتصور ويؤدي هذا إلى الإفراط في رد الفعل.
كيف يرى المهاد الأفكار السلبية؟
المهاد عبارة عن بنية صغيرة داخل الدماغ تقع مباشرة فوق جذع الدماغ بين القشرة المخية والدماغ الأوسط، وهو مسؤول عن إرسال الإشارات الحسية والحركية إلى بقية الجسم، لكنه لا يفهم أن الأفكار السلبية لا تُشبه الخطر الحقيقي، فعندما تفكر في الأفكار السلبية، فإن المهاد يفترض أنه يحتاج إلى إعداد الجسم للهرب، نتيجة لذلك، فإن أجسامنا تعاني من أعراض الخطر الحقيقي، مثل نبض القلب السريع وضغط الدم المرتفع وحالة الإثارة الشديدة التي تحدث لنا أثناء التفكير في الأفكار السلبية حتى وإن لم تكن واقعية.
فقد تكون جالساً بهدوء وتُفكر فقط في سيناريوهات سلبية لم يقع منها شيء بعد، فتجد جسدك يستجيب لما تُفكر فيه كما لو كان أسداً يُطاردك، فتظهر عليك الأعراض الجسدية للخوف، ويمكنك أن تشعر بارتفاع معدل ضربات القلب لديك، وازدياد تنفسك، والتعرق الزائد، وارتفاع ضغط الدم لديك.
التفكير السلبي والتشوهات الدماغية
يؤدي الإجهاد الناتج عن التفكير السلبي إلى حدوث تغييرات في الدماغ قد تؤثر على احتمال حدوث اضطرابات عقلية مثل القلق والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وفصام الشخصية واضطرابات المزاج.
ولقد تبين أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) لديهم تشوهات في أدمغتهم. والمُتمثلة في مقدار المادة الرمادية مقابل المادة البيضاء، الفرق هو أن المادة الرمادية هي المكان الذي تتم فيه معالجة المعلومات بواسطة الخلايا العصبية، في حين أن المادة البيضاء هي شبكة ليفية تربط الخلايا العصبية، والإجهاد المُزمن يُنتج المزيد من روابط المادة البيضاء، ولكن عدداً أقل من الخلايا العصبية.
التوازن بين المادة الرمادية والمادة البيضاء في المخ مهم للاتصال الفعّال في الدماغ، ومن المُعتقد أن انقطاع الاتصالات في الدماغ يؤثر على حالتك المزاجية وذكرياتك.
المشكلة هي أن أدمغتنا جيدة في التعلم من التجارب السيئة ولكنها سيئة في التعلم من التجارب الجيدة، ووفقاً للدكتور ريك هانسون، مؤلف كتاب The Take in The Good Course، وهو برنامج تدريب عقلي يستخدم عقلك لتحسين حياتك وسعادتك، فإن الأشخاص الذين أتموا برنامجاً لتدريب أنفسهم على استبدال الأفكار السلبية بأفكار إيجابية، واجهوا خبرة أقل بكثير مع القلق والاكتئاب، وكان لديهم تحكم في الذات بدرجة أكبر، وكانوا يتمتعون أيضاً بالرحمة، والحب، والرضا، والفرح، والامتنان، واحترام الذات، والتعاطف الذاتي، والرضا عن الحياة، وتحقيق السعادة.
التخلص من الأفكار السلبية
تحسين أدمغتنا من خلال القضاء على التفكير السلبي أمر ممكن، فاستبدال التفكير السلبي بالتفكير الإيجابي يحدث من خلال تدريب عقلك تماماً مثلما تُعلم طفلك سلوكاً جديداً، فتُكافئه على السلوك الجيد، عقلك يتشابه مع هذا الأمر في أن الأفكار الإيجابية تخلق متعة في الدماغ، وهي مكافأة، بمجرد أن نشعر بالسعادة، فإننا نرغب في المزيد منها.
من أجل تغيير طريقة تفكيرك، الأمر يتطلب بعض الوقت والالتزام، ابدأ بمراقبة أفكارك واكتب الأفكار السلبية التي تميل إلى التفكير فيها كثيراً، ثم خذ تلك الأفكار السلبية واكتب بعض التأكيدات الإيجابية المتعلقة بها، وتحدث مع نفسك دوماً بهذه التأكيدات الإيجابية بقدر ما تستطيع.
على سبيل المثال، إذا كنت تميل إلى التفكير في فكرة "أنا لست جيداً بما يكفي للحصول على ما أريد" فاكتب هذا التأكيد: "أنا جدير بالحصول على ما أرغب فيه"، وكرره لنفسك بصوت مرتفع عدة مرات في اليوم، بهذه الطريقة يُمكنك أن تتصدى لهذه الأفكار السلبية بأفكار إيجابية، وبمرور الوقت، ستبدأ أفكارك في التغير.
فوائد التفكير الإيجابي
يرى الباحثون أن التفكير الإيجابي بإمكانه أن يقوي أجهزة مناعتنا، ويجعلنا نستطيع مواجهة الأمراض المُختلفة ومُقاومتها بشكل أفضل على عكس ما تفعل بنا الأفكار السلبية التي تجعلنا عُرضة للأمراض المُختلفة بنظام مناعي ضعيف.
توسع الأفكار الإيجابية أيضاً منظورنا للعالم، وبالتالي تفتح الباب للمزيد من الإلهام والإبداع، ومع مرور الوقت فإن التفكير الإيجابي يتمكن من خلق مرونة عاطفية دائمة ومُزدهرة.
أمضى الدكتور فريدريكسون، وهو طبيب نفسي وخبير في الصحة العاطفية في جامعة نورث كارولاينا، سنوات في البحث ونشر الفوائد الجسدية والعاطفية للتفكير الإيجابي، بما في ذلك الشفاء بشكل أسرع من الإجهاد القلبي الوعائي، والنوم الأفضل، والتعرض بشكل أقل لنزلات البرد.
وقد أثبت بعض الأطباء أن العقل يمكن أن يشفي الجسم لأكثر من 50 عاماً، وهو ما يسمونه بـ "تأثير الدواء الوهمي"، فمن الممكن أن يحصل المرضى في التجارب السريرية فقط على حقن المحاليل الملحية أو العمليات الجراحية المزيفة، لكنهم يعتقدون أنهم يحصلون على دواء جديد أو جراحة إعجازية، وهو الاعتقاد الذي يجعل أجسادهم تتحسن وتُشفى بالفعل بنسبة تتراوح ما بين 18 و80٪ مع الوقت.
وقد أصبح من الثابت طبياً أن الجمع بين الاعتقاد الإيجابي ورعاية المعالج الصحيح يمكن أن يُنشط آليات الإصلاح الذاتي الطبيعية للجسم، ويساعد الجسم على شفاء نفسه.