خلافات كثيرة وقعت دائماً بين الشعوب بسبب الطعام، ولكن مع انهماك الناس في الجدل على مواقع التواصل تفاقمت حروب الطعام الكلامية هذه، وأصبحت سبباً لنزاعات سياسية حقيقية، تورط بها أحياناً قادة الدول.
نعلم أن الجدل حول الطعام قد يؤدي أحياناً إلى انفصال في بعض العلاقات، أو حدوث انهيارات الأسرية.
ولكنه يبدو أنه أصبح من المحتمل بهذه الوتيرة أن تدفع نزاعات الطعام بعض الشعوب إلى الحرب، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وتأخذ بعض المناقشات حول الطعام تحديداً حيزاً أكبر من غيرها. ترتكز هذه المواجهات على اعتبار الطعام تعبيراً عن الهوية والاختلافات الثقافية.
وكثير من هذه الخلافات لها جذور ضاربة في التاريخ، وهي لا تتسبب في مشكلات بين الدول بل قد تؤدي إلى حساسيات بين الأقاليم المختلفة داخل الدولة الواحدة.
فيما يلي سنستعرض 8 أمثلة من أبرز حروب الطعام في عصرنا الحديث
1- حروب الفاصوليا.. تكساس في مواجهة العالم
أهل ولاية تكساس الأميركية، في مجملهم، يُعرَفون بالميل إلى الدخول في أي مواجهة كبيرة تتعلق بولايتهم التي كانت جمهورية انتزعت استقلالها من المكسيك قبل انضمامها للولايات المتحدة.
وحين يتعلّق الأمر بطعامهم المفضّل، يتّفق سكّان الولاية جميعهم على أن: هذه طبق التشيلي الحار يجب أن يُصنَع بدون الفاصوليا.
ففي نهاية الأمر، تعتبر ولاية تكساس الموطن الأصلي لهذا الطبق، الذي قدِّم أول مرة من قِبَل مطعم Chili Queens، خلال الحرب المكسيكية الأميركية، وبالتالي هم يفترضون أنهم يحتكرون تعريفه.
ولكن المشكلة أن طبق التشيلي الحار (chili con carne)، وهي كلمة إيطالية تعني اللحم بالفلفل الحار) أصبح أسطورة مُفعمة بالحرارة انتشرت في أماكن كثيرة خارج الولاية.
وصارت للطبق مكانة قومية كبيرة بالولايات المتحدة في بدايات الستينيات من القرن العشرين، بفضل الوصفة (الخالية من الفاصوليا) التي قدّمتها ليدي بيرد جونسون، زوجة الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون، والتي سرعان ما اتبعتها مطابخ العالم، وأضافت عليها بعض التعديلات بالطبع.
إذن ما سر غضبهم الكبير من إضافة الفاصوليا؟
بالنسبة لأهالي تكساس، فإنهم ينظرون إلى إضافة الفاصوليا لهذا الطبق باعتباره جريمة.
فإذا فكر أحد بإضافة مكونات أخرى غير تقليدية بخلاف الفاصوليا، مثل القرفة أو الهيل، فيجب عليه ألا يحاول أصلاً تسمية ذلك الطبق "تكساس اللحم بالفلفل الحار".
لأن أهل تكساس يزداد غضبهم من هذه الإضافات التي يضيفها الغرباء على طبقهم الوطني.
فقد كتب كريستون كابس في مقالة نارية بموقع Slate، تحت عنوان "الفاصوليا ليست من مكوّنات التشيلي".
وقال "حين ينصح بعض المتخصصين في الطهي الطهاة الهواة بأن يقوموا بطهي التشيلي مع جبن التوفو (جبن نباتي مصنوع من حليب الصويا) أو قهوة الإسبريسو، فقد فعلوا أمراً أسوأ من مجرد عدم احترام الطبق.
وأضاف "أن هذا يعني أنه يقترح بكل بساطة أن اسم الطعام يمكن أن يعني أيّ شيء يريده المتحدّث غير اسمه الأصلي (طبق التشيلي الحار)".
وواصل كابس القول "يشبه ذلك زعم الكاتبة جوليا موشيكن في صحيفة New York Times أنّ أهالي تكساس "لا يمتلكون صكّ ملكية" لطبق التشيلي، فهي بهذا تتجاهل التاريخ الذي أعطى هذا الطبق مكانته البارزة". يا للهول!
لذا يعلق كاتب تقرير الصحيفة البريطانية محذراً "يا محبي الفاصوليا، انتبهوا: يمكنكم إضافة تلك الشذرات الصغيرة الغنية بالألياف إلى طبق التشيلي الخاص بكم، لكن عليكم فقط ألّا تَدْعوا أحداً من أهالي تكساس إلى العَشاء".
2- هل يُضاف السكر لخبز الذرة بالجنوب الأميركي؟.. الأمر يتوقف على مدى تعاطفك مع الأفارقة
يعد خبز الذرة، من الأطعمة الأساسية على المائدة في الولايات الأميركية الجنوبية، خاصة عندما يُغطى كلّه بالزبد.
لكن الخلاف يدور حول هل السكّر من مكوّنات هذا الخبز أم لا.
فبالنسبة للأميركيين من أصول إفريقية من سكّان الولايات الجنوبية، فالجواب نعم.
في حين أن السكان البِيض في الجنوب الأميركي من تلك المنطقة يفضلونه عادةً دون إضافة السكّر.
إنه ليس اختلاف في التذوق بل خلاف على التاريخ
جذورَ الانقسام حول خبز الذرة في الجنوب تعود إلى الفترة التي سبقت الحرب الأهلية الأميركيّة.
فالمناقشات -حول إضافة السكّر إلى خبز الذرة- تشير إلى قضية أكبر تتعلّق بالهوية الثقافية وهوية الطهي في الجنوب الأميركي.
إذ أن هذا الأمرَ "جزءٌ من نقاش أكبر حول رؤية المرء لثقافة جنوب الولايات المتحدة التي يتنازعها السود سليلو العبيد المختطفين من إفريقيا، وسادتهم البيض السابقون".
فإمّا تنظر له من منظور منازل السادة البيض أو أكواخ العبيد الأفارقة
ومازال سكان جنوب الولايات المتحدة يخوضون هذا الجدال بعد مرور 100 عام على الحرب الأهلية، واختفاء العبودية، ولكنهم يستخدمون أدوات مختلفة؛ من بينها خبز الذرة".
3- حروب الكعك.. المربَّى والكِريمة شجارُ الألف عام الذي حسمته الملكة إليزابيث
هل تُوضع المربّى أولاً ثم الكِريمة، أم طبقة من الكِريمة تليها المربّى؟.
إن هذا الخلاف قد يُعد من أقدم حروب الطعام التي مازالت مستمرة حتى اليوم.
حين يتعلّق الأمر بالكعك، فإنّ التسلسل والترتيب الذي يضع وِفقه المرء طبقات المربّى والكِريمة بشكل صحيح، كان محلّ نقاشٍ إقليميٍّ ساخن في المملكة المتحدة لمدّةٍ تصل إلى أكثر من ألف عام، وِفقَاً لبعض الآراء.
وتضم هذه المعركة اثنتين من المقاطعات الإنكليزية الكبيرة جنوب غرب إنكلترا.
ففي مقاطعة كورنوال الساحلية، حيث تُدهَن المربّى أولاً على المعجّنات، ثم تضاف فوقها الكِريمة المتخثّرة.
على الناحية الأخرى في مقاطعة ديفون المجاورة، يُقسِم الأهالي أنّه يجب أن يكون الترتيب بالعكس، لكي تصبح المربّى مثل درّة ملونة على الكعكة فوق سحابةٍ رقيقة من الكِريمة.
وحتى علماء الرياضيات يتناقشون في القضية
وتسببت هذه المنافسة الإقليمية في حدوث شجار طويل الأجل.
لدرجة أن الجميع يلقي بدلوه حول الطريقة المُثلى الصحيحة لإعداد الكعك المدوّر، بدءاً بعالِمة الرياضيّات في جامعة شيفيلد (التي تُبرهِن على صوابيّة رأيها تحديداً بكعكة يصل ارتفاعُها إلى 2,8 سنتيمتر كأساس لإعدادها) وصولاً إلى الملكة إليزابيث الثانية نفسها.
والطريقة الملكية لإعداد هذا الكعك هي المربّى أسفل الكِريمة، إذ تفضلها الملكة إليزابيث، رغم أن كاتب التقرير لا يفضلها.
4- ما الذي يُمكن إضافته إلى الهوت دوغ؟.. إنه تهديد للهوية
بدرجة كبيرة، تدور أفضل المعارك المرتبطة بالهوت دوغ بالنسبة للكثيرين حول ما إذا كان يُمكن إضافة الكاتشاب إلى تلك النقانق المتواضعة.
فقد قال الباحث بيل سافاج، المُتخصّص في الهوت دوغ، في تصريحات لصحيفة The Chicago Tribune عام 2015، إنّه "لا يوجد نوع آخر من التوابل يحدّد الهوية كما يفعل الكاتشاب، إذ أن إضافته على الهوت دوغ هي نهاية العالم".
وفي حين قد لا يكون وضعُ القليل من الكاتشاب، على الهوت دوغ "نهايةَ العالم"، فإنّه بالفعل قد تسبب في مشكلة كبيرة .
إذ أن شركة هاينز تعرضت لهجوم مباشر وشامل على الشركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب محاولتها دفع أهالي شيكاغو لوضع الكاتشاب على الهوت دوغ.
وحدث ذلك عندما أعادت تسمية الكاتشاب Chicago Dog Sauce.
وهل يُمكن اعتباره شطيرة أصلاً؟
كما أن هناك جدلاً آخراً يثيره الهوت دوغ.
فخلال إحدى النقاشات الساخنة مؤخّراً حول الهوت دوغ، يبدو أن هناك عدداً هائلاً من الناس على استعداد لخوض المعارك في العالم الرقميّ من خلال الجدل حول ما إذا كان الهوت دوغ يعدّ حقاً من الشطائر أم لا.
إنه أمر مثير للدهشة أن يبذل الكثير من الناس هذا القدر من الطاقة وبصورة متواصلة، في النقاش حول هذا الأمر".
5- ما هو الموطن الأصلي للحمص؟.. إنه جزء من أزمة الشرق الأوسط
عندما يتعلق الأمر بالسيادة الغذائية، فلا توجد معركة دولية أكثر فوضوية من تلك التي تدور حول الحمص.
إذ تدعي كل من لبنان وإسرائيل أن هذا الطبق هو الأساس المطبخي لهويتهم الوطنية.
إنها نموذج لانتقال لتأثير الصراعات الحقيقية على حروب الطعام.
بدأت رحى المعركة التي حظيت برواج كبير عام 2008، عندما أعلنت جمعية الصناعيين اللبنانيين عن نيتها في مقاضاة إسرائيل لأنها تسوق للحمص باعتباره طعاماً إسرائيلياً.
وقالت إن الطبق هو في الحقيقة لبناني.
ومن شأن هذه الخطوة نظرياً أن تسمح للبنان باقتطاع جزء كبير من سوق الحمص الذي يقدر بـ 177 مليون دولار، وهو السوق الذي احتكرته إسرائيل بشكل كبير عن طريق تصدير الحمص إلى محبيه في أرجاء العالم.
واصلت لبنان مسيرتها نحو الشهرة عن طريق صنع أكبر طبق حمص على الإطلاق عام 2009 – بلغ وزنه 4,532 باوند.
وأعلن فادي عبود، الذي يشغل حالياً منصب وزير السياحة اللبناني قائلاً: "نحن نريد أن يعرف العالم بأسره أن الحمص لبناني، وبدخولنا إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية، على العالم أن يتعرف على مطبخنا وثقافتنا".
هل انتهت المعركة عند هذا الحد؟، لا.
إِذْ سُرعان ما استعادت مدينة أبو غوش في إسرائيل لقب صانعي الحمص الاستثنائيين، من خلال تقديم 4 أطنان من الحمص داخل طبق قمر صناعي (ستالايت).
وها هو لبنان ينتصر على إسرائيل
ولكن لبنان لم يهزم أو يتراجع، إذ عاد لقب موسوعة غينيس مرة أخرى إلى بيروت بعد أن تم تحضير 23 ألف باوند (الباوند أقل من نصف كيلو) من الحمص.
وبالطبع اكتسب الأمر خصوصية بالنسبة للبنانيين نظراً لأن المنافسين كانوا من إسرائيل التي تحتل أرضهم.
ولا يعترف لبنان رسمياً بوجود دولة اسمها إسرائيل، وهم ينظرون لادعاء إسرائيل بشأن الحمص على أنه يأتي في إطار محاولة سرقة مكونات الهوية العربية.
بلد لا يستطيع تعيين رئيسا له ولكنه يستطيع صناعة اكبر طبق حمص ويقيم احتفالا بذلك pic.twitter.com/MrlQxnFyES
— الله اكبر ولله الحمد (@AboNawwaf52) August 12, 2015
6- صلصة الغواكمولي تسبب تراشق بالشتائم.. وحتى أوباما تورط في المعركة
بالنسبة لأولئك الغارقين في المواقع المتخصصة في الطعام عبر الإنترنت، لربما تكون أفضل طريقة لتذكر صيف عام 2015 هي تذكر كارثة البازلاء في صلصة الغواكمولي (من أشهر أنواع الصلصات المكسيكية الأصل).
يصف الكاتب هذه الوصفة بالمسخ الذي يدفعه تويتر للأمام، والذي بدا في النهاية أنه يكتسب انتشاراً ذاتياً واسعاً.
وشهد الإنترنت صراعاً طوال 5 أسابيع بشأن وصفة واحدة طرحتها صحيفة New York Times تضمنت وضع البازلاء (طعام البسطاء!) ضمن مكونات الغواكمولي.
وتراشق الناس بالشتائم. وساءت العلاقات. كما تكاثرت المقالات التحليلية.
لقد وصل الأمر إلى تورط رئيس الولايات المتحدة آنذاك، باراك أوباما، في تلك المعركة.
7- الحلوى المتنازع عليها بين أستراليا ونيوزيلندا.. الأمر وصل لمواجهة سياسية
تحب أستراليا ونيوزيلندا أن تتشاجرا حول كل شيء تقريباً.
وفي وقت ما، أعلنت كلا الدولتين عن أسباب نزاعهما منها ملكية القهوة البيضاء (مشروب القهوة القائم على الإسبريسو) والممثل راسل كرو.
غير أن الجدل الأكثر ثباتاً هو حول حلوى بافلوفا: أي حلوى الميرانغ الخفيفة الرقيقة بالفواكه، التي سميت على اسم راقصة الباليه الروسية آنا بافلوفا التي كانت محبوبة في عشرينيات القرن العشرين: آنا بافلوفا.
وتعتقد كلتا الدولتين أن أول طبق من حلوى بافلوفا صنع على أرضهما، عندما قامت السيدة آنا بافلوفا بجولة إلى نصف الكرة الجنوبي عام 1926.
واستمرت معركة العناد مستمرة لما يقرب من قرن من الزمن.
لكن المعركة وصلت إلى ذروتها في 2009 عندما اتهم رئيس وزراء نيوزيلندا المنتخب حديثاً في ذلك الوقت، جون كي، أستراليا بسرقة مطبخهم!.
فقد قال جون كي لوكالة Associated Press في ذلك الوقت: "إنه لمن السخيف أن يدعي الأستراليون أن حلوى بافلوفا تخصهم (ضمن هجومه على ادعاءات أسترالية أخرى)
وأضاف "يعرف الجميع أن هذه الأشياء لنا، وأن ادعاء أستراليا بامتلاكها هو أمر غير مقبول على الإطلاق".
لكن اتضح أن كلا البلدين مخطئان على الأرجح
ففي 2015، أمضى باحثان -أحدهما نيوزيلاندي والآخر أسترالي، من أجل تحقيق الموضوعية على ما يبدو- سنتين، قاما خلالها بتتبع "20 ألف صحيفة وما لا يقل عن 10 آلاف كتاب طبخ" لمدة 18 ساعة في اليوم، من أجل معرفة أي البلدين هو المنشأ الحقيقي لهذه الحلوى.
وقد أدى هذا المستوى من التفاني والإخلاص إلى نتيجة صادمة: لحلوى بافلوفا أصول ألمانية، وقد أدخلتها إلى البلدين على الأغلب شركة أميركية لصناعة نشا الذرة.
8- البيتزا التي تقسم الولايات الأميركية.. الأمر وصل للتشهير بالسياسيين
هناك دائماً حيرة وطنية في الولايات المتحدة حول البيتزا.
إذ أن هناك خلافاً حول ما إذا كانت بيتزا شيكاغو التي تشبه الطبق تصنف في الواقع كفطيرة أم -كما قال جون ستيوارت ذات مرة- كطاجن بيتزا!
كما أن التشهير العلني بأولئك الذين يتناولون البيتزا بالشوكة والسكين -مثل عمدة ولاية نيويورك بيل دي بلاسيو- جاهز على الدوام للحدوث من جديد بعد صمت طويل من أجل جولة أخرى من السخرية على الإنترنت.
ولكن أكبر معركة نشبت مؤخراً كانت تدور حول وضع الأناناس على شريحة البيتزا.
ألا يجد الأميركيون شيئاً يستحق النزاع أكثر من البيتزا.