يواجه المنتخب الفرنسي لكرة القدم نظيره الكرواتي، اليوم الأحد 16 يوليو/تموز 2018، في المباراة النهائية ببطولة كأس العالم، التي من المؤكّد أنها ستتسبب في ارتفاع نبضات قلوب المشجّعين.
ما تبيّن هو أن الرياضة هواية منشطة.. حتى بالنسبة لأولئك الذين يفضلون مشاهدتها.
وقد تكون لنتائج المباريات تبعات حقيقية على صحّة المتفرّجين مشاكل في القلب والأوعية الدموية
وهذه ليست مبالغة!
فبحسب ما نقلت صحيفة Independent البريطانية، سجّلت ساعات آبل ارتفاع معدّل ضربات القلب عند نهاية المباراة التي جمعت بين إنكلترا وكولومبيا بركلات ترجيح.
وبعدها بأيّام، لعب المنتخب الكرواتي أمام روسيا، وسجّلت محررة التكنولوجيا لدى موقع The Verge ، نات غاران، ضربات قلبها بساعتها الذكية من طراز Fitbit، ليتبيّن أن عدد نبضات قلبها قد ارتفع لأكثر من 100 نبضة في الدقيقة الواحدة أثناء مشاهدة المباراة.
ويتراوح معدل النبض الطبيعي للإنسان البالغ ما بين 60 إلى 90 نبضة في الدقيقة، وهذه النسبة يحتاجها الدم للخروج والعودة للقلب في دورةٍ دموية كاملة، ويمكن أن يرتفع إلى 100 في حالة الحركة والقيام بمجهود معين.
يشبه تأثير المباراة ألعاب الملاهي الخطيرة
تقول نات في رسالة عبر تطبيق Slack "لقد كانت مباراة متوتّرة!"، وأضافت "عندما وصلت المباراة إلى لحظة ضربة الجزاء كنت حرفيّاً ممسكة بوجهي"، وكانت آخر مرّة رأت نات فيها نبضها مُرتفعاً إلى هذا الحد عندما ركبت "السفينة الدوّارة" بالملاهي. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد؛ فعندما تغلّبت كرواتيا على إنكلترا في الوقت الإضافي بمباراة الدور نصف النهائي لتحجز موقعاً في المباراة النهائية، شاهد مُخرج الفيديو الكرواتي المولِد لدى Verge، فجران بافيتش، نبضَه يرتفع نحو 50 نبضة في الدقيقة عن معدّله الطبيعي.
نتائج إيجابية
والكثير من بين هذه النتائج إيجابي؛ فالانتماء بإخلاص إلى فريق يمنح الناس شعوراً بالحس المجتمعي، ما يمنحهم سبباً للتواصل الاجتماعي مع الأفراد الآخرين، ويعزز الاعتزاز بالذات لدى المشجّعين عندما يفوز فريقهم المفضّل، بحسب ما يقول خبراء. إلا أن الزخم العاطفي الشديد قد يخلف آثاراً مميتة أيضاً.
لكن القلق ضار
يقول جون رايان، طبيب القلب في جامعة يوتا: "غالباً ما يكون الناس قلقين جداً بشأن الرياضيين". "أما أنا في الواقع فأكون أكثر قلقاً بشأن الناس في المدرجات.. إنهم هم الذين يعانون من الجفاف. فهم قد يتناولون مشروبات كحولية، وترتفع حرارة أجسامهم، ويتوتّرون".
قلوب المشجعين في خطر
ولا شيء من هذا صحّي، وتُسلّط قراءات أجهزة Apple Watch، و Fitbit الذكية الضوء على الأعضاء المعرّضة للخطر الأكبر؛ إنها قلوب المشجّعين. فنحن نعلم أن عوامل الخطر المسببة للنوبات القلبية على المدى الطويل تشمل ارتفاع ضغط الدم، والتدخين، وعدم ممارسة النشاط البدني، ولكن لا نغفل أن هناك أيضاً محفزات قويّة للنوبات القوية؛ مثل الجهد، والعواطف القوية، والكوارث الطبيعية.. وبحسب ما تظهر الدراسات، مُشاهدة مباراة كرة قدم متوتّرة!
وتشجيع الفريق الخاسر يزيد المخاطر
ويُؤرِّخ علماء طب القلب النوبات القلبية لدى مشجّعي الرياضة منذ عقود، وتشير الأبحاث إلى أن تشجيع الفريق الخاسر يعزز حدوث النوبات القلبية؛ ففي عام 1996، طردت فرنسا هولندا من بطولة كرة القدم الأوروبية خلال مباراة قوية حُسِمت نتيجتها بضربة جزاء، وفي ذاك اليوم توفي 14 رجلاً هولندياً جراء نوبات قلبية.
وحدثت طفرة في أعداد النوبات القلبية مجدداً في عام 1998، عندما واجهت إنكلترا الأرجنتين في مباراة ربع النهائي بكأس العالم، وفاز المنتخب الأرجنتيني على نظيره الإنكليزي بركلة ترجيح، ونُقِل حينها 55 شخصاً إلى المستشفيات الإنكليزية بسبب نوبات قلبية.
يقول روبرت كلونر، مدير أبحاث القلب والأوعية الدموية في معهد هانتينغتون للبحوث الطبية في جنوب كاليفورنيا: "ربما كانت العواطف المصاحبة لتلك المباريات المتوترة هي المحفّز لإصابات القلب والأوعية الدموية".
وأراد كلونر أن يعرف ما إذا كان للرياضة تأثيرٌ مماثلٌ على مشجعي كرة القدم الأميركيين. وهو ما كان مؤكداً بالقدر الكافي عندما خسر فريق لوس أنجلوس رامز أمام بيتسبرغ ستيلرز في المباراة النهائية في دوري كرة القدم الأميركية "سوبر بول" في عام 1980، وحينها، ارتفعت الوفيات بنحو 22% في مقاطعة لوس أنجلوس أكثر من المعتاد بسبب مشاكل في القلب والأوعية الدموية. أما عندما تغلب فريق لوس أنجلوس ريدرز على فريق واشنطن في مباراة سوبر بول عام 1984، فانخفضت معدلات الوفيات في لوس أنجلوس قليلاً.
وبالطبع، هناك قيود كبيرة على مثل هذه الدراسات التي تحلل سجلات المستشفيات وشهادات الوفاة، ويقول كلونر: لا يتم الإفصاح عن أسماء الفرق الرياضية التي تسبب مبارياتها هذا الارتفاع. ومع ذلك، تكررت النتائج في المباراة النهائية في دوري كرة القدم الأميركية لعامي 2008، و 2009 ، ويعتقد كلونر أن هناك رابطاً – خاصة عند المباريات المتوتّرة، ولدى المشجعين شديدي الانفعال العاطفي.
ويقول: "نعتقد أن هناك شيئاً ما في هذا الأمر"، لكن بحث كلونر لا يحظى بشعبية بين بعض المشجّعين؛ حيث قال: "لقد تلقيت الكثير من رسائل الكراهية.. كانت تقول إننا لسنا أميركيين". ولا يطلب كلونر من أي شخص التوقّف عن مشاهدة المباريات الرياضية؛ ولكن، إذا كنت تعاني مشاكل في القلب، وتعرف أنك ستنفعل في مباراة قريبة، ربما إذاً عليك التحدّث مع طبيب بشأن كيفية مشاهدة المباراة بأمان.
ابقَ هادئاً لحد ما
يشير رايان، اختصاصي القلب في جامعة يوتا، إلى أن الخطر النسبي بشأن النوبات القلبية صغير – ويعتقد أن مشاهدة المباريات الرياضية يمكن أن تشجع الشباب على أن يكونوا أكثر نشاطاً. ومع ذلك، لديه بعض النصائح للبقاء بصحة جيدة أثناء مشاهدة المباراة؛ حيث يقول: حافظ على قدر كاف من الماء في جسمك، وابق هادئاً، ولا تُدخن، وتناول الطعام والمشروبات باعتدال.
وأضاف أن: "هذه النصائح نفسها يجب أن نُبقي عليها مدى الحياة بشكل عام، ويجب أن تُتبع أيضاً في الوقت الذي نشاهد فيه المباريات الرياضية".
ولكن.. لماذا تحفّز الرياضة تلك المشاعر القويّة؟
يجيب على هذا التساؤل إيد هيرت، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة إنديانا بمدينة بلومنغتون، بأن السبب يكمن في أن تشجيع فريق قد يشكّل جزءاً مهماً من هُوية الفرد، وأضاف "لذا عندما يلعب ذلك الفريق الذي يشجعه الفرد، يصبح الأمر في الأساس وكأنه هو في الملعب". وتابع: "عندما يبلي فريقي بلاءً حسناً يبدو العالم عظيماً، وأشعر بشعور جيد، وأكون مبتهجاً. أما إذا خسر فريقي، يبدو الأمر وكأن العالم ينتهي".
ويمكن أن ترى تجلّي الهويّة الذاتية في الضمائر التي يستخدمها الناس في كلامهم عندما تُبلي فرقهم بلاءً حسناً. وهو ما يتّفق معه جاسون لانتر، أستاذ علم النفس بجامعة كوتزتاون، الذي يدرس سلوك مشجّعي الرياضة، فهم يقولون "أوه.. لقد فُزنا". ويضيف قائلاً "عندما يقولون "نحن" يكونون على ارتباط وثيق بالفريق، ويرتفع اعتزازهم بأنفسهم". إلا أن هذا الاعتزاز بالنفس يأتي أحياناً مصحوباً بعواقب غريبة عندما تفوز الفرق الأخرى ويحتفل مشجعوها بتكسير أعمدة الضوء، وقلب السيارات رأساً على عقب، وإشعال الحرائق، وتخريب مُدنهم. (قامت شرطة فيلادلفيا بتشحيم أعمدة الإنارة بالسوائل الهيدروليكية لمنع الناس من تسلقها بعد فوز فريق فيلادلفيا إيجلز في مباراة السوبر بول).
العنف الاحتفالي مدمر
وتُعرف هذه الظاهرة بالعنف الاحتفالي، وتُثير دهشة لانتر الذي قال "إذا فاز فريقك، فلماذا تخرج وتدمّر الأشياء؟!"، وأضاف: "يجب أن تكون هذه لحظة سعيدة، وليست لحظة تدميرية!"، إلا أن العلماء مازالوا يحاولون فهم الأمر.
وبحسب إحدى دراسات لانتر، نُشِرت في صحيفة Journal of Sport Behaviour المعنية بالسلوكيات الرياضية، في عام 2011، يميل المشجّعون المتشددون الذين يتحمّسون بعمق لفريقهم إلى إحداث فوضى أكثر من المشجّعين المعتدلين.
ويعتقد لانتر أن مزيج العواطف الجيّاشة والمشروبات الكحولية يمكنه أن يغذي العنف، ويقول: "عندما تتمكّن عواطفنا من أفضل ما فينا، فنحن لا نفكر بشكل منطقي بالأشياء، ونتخذ قرارات سيئة".
وأضاف: "إذا كان الناس يستهلكون كمية لا بأس بها من الكحول، أضف إلى ذلك مستوى النشوة الذي يصلونه بانتصار فريقهم، فعندئذ يمكن أن يؤدي هذان العاملان سويّاً إلى تدنّي عملية صنع القرار".
وهناك نتائج متفاوتة حول ما إذا كانت الرياضات ترتبط بالعنف في المنزل أيضاً، إلا أن هناك القليل من الدراسات التي تشير إلى احتمالية صحّة ذلك، بما في ذلك واحدة أجراها مراسل هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وأستاذ جامعي في المملكة المتحدة متخصص في الإحصائيات.
وذكِر في مقال نشره المراسل والأستاذ بصحيفة The Royal Statistical Society's Journal أنه بعد مباريات كرة القدم المثيرة للتوتّر، تزداد بلاغات العنف المنزلي بنسبة 30%، بغض النظر عمّا إذا كان الفريق الإنكليزي فاز أو خسر، أما إذا تعادل الفريق فلا يوجد تأثير.
If England gets beaten, so will she
"If England gets beaten, so will she."
Domestic violence increases 26 % when they play. 38 % when they lose. #EnglandvsCroatia #EngCro pic.twitter.com/IGzs4TheRN— David Jackson (@Twin_Kingdom) July 11, 2018
وفي دراسة أخرى نُشرت كفصل في كتاب، حلل الباحثون أكثر من 26000 يوم من بيانات العنف المنزلي التي قدمتها أقسام الشرطة من 15 مدينة مختلفة. ووجد الفريق البحثي أن العدد الإجمالي لبلاغات العنف المنزلي قد ارتفع في الصيف وخلال العطلات، وانخفض خلال موسم اتحاد كرة القدم الأميركي. ومع ذلك، تبيّن للفريق أيضاً أن هناك زيادة بسيطة في بلاغات العنف المنزلي في أيام المباريات.
إلا أن الزيادة التي شهدها الفريق في مباراة سوبر بول لم تكن أكبر مما كانت عليه في أيام العطل الأخرى، بحسب ما يشير والتر جانتز، عالم الاجتماع الرياضي في جامعة إنديانا بلومنجتون ومؤلف الدراسة.
حيث قال: "تتلاقى العائلات معاً، ويشربون الكحوليات، وإذا كنت في المنزل، من الصعب الفرار من ذلك، وأنا لم أكن لأصف الأمر باعتباره تأثير مباراة السوبر بول، بل هو أيضاً تأثير العطلات".
ولكي نكون واضحين؛ تشير هذه الدراسات إلى رابط ما، ولكن لا يمكنها القول بشكل قاطع إن مشاهدة الرياضة هي سبب تلك التأثيرات. والغالبية العظمى من مشجّعي كرة القدم لن يلقوا حتفهم جراء أزمة قلبية، ولن يُسقِطوا أعمدة الإضاءة، ولن يُؤذوا عائلاتهم بعد مشاهدة مباراة. وفي واقع الأمر.. حين تكون مُشجّعاً، فهذا يصاحبه بعض الآثار الإيجابية حقاً.
فبحسب ما يقول لانتر، إذا كنت من محبي غرين باي باكرز، فحيثما تذهب يصبح المشجعون الآخرون بمثابة شبكة دعمك الاجتماعي، وأضاف: "أنت تشعر أنك في موضع ملائم، كأنك تنتمي، ونحن نعلم أن هناك فوائد نفسية وصحية جيدة لمجرد كونك جزءاً من مجموعة".
ولكن.. ماذا عن المشاعر السلبية عندما يخسر فريقك؟
يوم الثلاثاء، تجمع تسعة من موظفي Vox Media حول الشاشة قبيل نهاية مباراة نصف نهائي كأس العالم بين فرنسا وبلجيكا خارج الملعب. وبعد ثمانين دقيقة من زمن المباراة، كانت فرنسا متقدمة على بلجيكا 1-0. عندما منع حارس مرمى المنتخب الفرنسي، هوغو لوريس، تسديدة منتخب بلجيكا من الوصول إلى المرمى، تذمر بصوت مسموع مرتين؛ مرّة عندما ضاع الهدف، ومرة أخرى في إعادة عرض اللقطة.
والألم جزء من المتعة
ويرى هيرت أن الألم جزء من المتعة. حيث يقول: "قد يقول الناس: أنا خائف حتى الموت من ركوب السفينة الدوّارة في الملاهي، إلا أن ركوبها مُبهج جداً.. دعونا نفعلها مرّة أخرى!".
ويتفق جانتز معه حين قال: "يشاهد المشجعون من أجل الإثارة، من أجل التوتر، ومن أجل التفريج عن نفوسهم، من أجل الجنون، ومن أجل النشوة، ومن أجل المتعة.. وهذه تجارب مُرضية للغاية".
واقرأ أيضاً..
أغلبها كانت إعلانات تجارية.. هذه أبرز الأغاني التشجيعية للمنتخبات العربية بالمونديال