مَزهُوة بنفسها وهي محمولة على هودج، يدعوه المغاربة "العمَّارية"، رغم صِغر سنِّها الذي لا يتجاوز 4 سنوات، لكن لم يبد على الطفلة ريم أي توتُّر أو ضيقٍ من ارتدائها للقفطان التقليدي، مع مجوهرات على جيدها الصغير وتاج يعلو رأسها.
تشكل ليلة الـ27 من شهر رمضان، أي ليلة القدر، موعداً سنوياً للعديد من الأسر للاحتفاء بأطفالهم، ذكوراً وإناثاً. ويرتبط الأطفال الصغار بكثير من الطقوس الروحانية، إذ تعمل الأسر المغربية على تشجيع أطفالها على الصيام وتحبيبه إلى أنفسهم ومساعدتهم عليه، وتحديداً في هذا اليوم، 26 من رمضان.
عرائس صغيرات
تعلو أصوات الموسيقى التراثية المغربية التي تتغنَّى بجمال العروس وطلعتها البهية، تتبختر الصغيرة ريم على نغماتها وتسير بثقة نحو "العمارية"، تتوسَّطُها جالسة لتبدأ حصة التقاط الصور التذكارية المؤرخة لليلة القدر.
في ليلة الـ27 من شهر رمضان، تتعدَّد الخيام المنصوبة أمام محلات المصورين الفوتوغرافيين، مُزيَّنة بأشرطة ملونة وموفِّرة مجموعة من "العمَّاريات" البراقة والمزخرفة بالأحجار المتلألئة، في انتظار عرائس صغيرات بكامل زينتهن وأناقتهن احتفالاً بصيام أول يوم لهن.
لا تزال ريم مُصرَّة على التقاط المزيد من الصور التذكارية، في وقت تقول والدتها لـ"عربي بوست"، إنها تصطحب طفلتها لهذا المكان منذ كانت تبلغ سنتها الأولى، تُلبِسها القفطان وتلتقط لها الصور، لافتة إلى أن هذه الأجواء الاحتفالية التقليدية تُشيع في نفوس الأطفال الفرح، وتجعلهم متحمسين لصيام بضع ساعات، ثم نصف يوم فيوم كامل وهكذا".
أول يوم صيام
احتفالاً من نوع آخر حظيت به فاطمة الزهراء، التي تمكَّنت من صيام أول يوم لها تزامناً مع اليوم الـ26 من شهر رمضان، وما كان لهذا اليوم أن يمُرَّ مرور الكرام.
استعدَّت الطفلة البالغة من العمر 8 سنوات بالذهاب باكراً للمُزيِّنة، قبل أن تتوجه بعد الإفطار نحو فضاء خاص بالحفلات، وسط مدينة سلا، بلباس يشبه ملابس العروس واضعة مساحيق التجميل والحلي الجميلة.
تمُد كفَّها نحو امرأة شابة تدعى سميرة، وتتابع بإعجاب تَوالي خُطوط حناء مستقيمة وأخرى مُتقطعة. فلطالما كان للمغاربة علاقة وجدانية مع الحناء التي ترمز للحنان والمحبة والجود، فهي في نظرهن نبتة من الجنة. لا تمر المناسبات السعيدة ببيوت المغاربة دون أن تعمد النساء إلى نقش الحناء ووضعها على أيديهن وأقدامهن.
تستمر سميرة في تزيين كفَّي فاطمة الزهراء بزخارف جميلة، قبل أن تقول لـ"عربي بوست"، من المستحيل أن تحتفي العروس بزفافها دون حفل حناء، وهكذا الفتيات الصائمات من الضروري أن تزين نقوش الحناء أكفهن في يوم صيامهن الأول خلال هذه الليلة المباركة.
النقاشة سميرة، أكَّدت أنها تمرَّست على هذا العمل وأصبح سهلاً بالنسبة إليها، وهي مَن امتهنته مذ كانت تبلغ 15 من عمرها، مشيرة إلى أن الفتيات تعجبهن رؤية زخارف لأزهار أو فراشات، بالإضافة إلى كتابة أسمائهن بواسطة الحناء.
رمزية حدَّ القداسة
حَرِص المغاربة على الاحتفال بأبنائهم بهذه الطريقة الاحتفالية البهيجة ليلة 27 من رمضان، لا تُثنيهم عن خلق طقوس خاصَّة بهم، تتنوع ما بين الاعتكاف والدعاء وتلاوة القرآن، وإعداد أطباق تقليدية كالكسكس والرفيسة (الثريد) وتوزيع صحون منها على المصلين والمعتكفين بالمساجد، بالإضافة إلى تعطير البيوت بأجود أنواع البُخور والعطور.
عبدالخالق بدري، الباحث في قضايا القِيَم، يرى أن لِلَيلة السابع والعشرين من رمضان اعتبارات متعددة في المِخيال الجماعي للمغاربة، لما يخصصونه من طقوس استثنائية، لها علاقة بالمأكل والملبس والعبادة، بالإضافة إلى تحبيب الناشئة في الصيام وزيارة المقابر وصلة الرحم.
واعتبر بدري ضمن حديث جمعه بـ"عربي بوست"، أن من بين الطقوس الجميلة تحفيز الأطفال ومرافقتهم طيلة اليوم، لمُساعتهم على إكمال الصيام والاحتفاء بهم، وتجهيز أماكن مميزة لهم، مع توزيع الهدايا عليهم.