كثيرون منَّا قد لا يجدون وقتاً لممارسة هواياتهم المفضلة، لكن قد نكون نحن السبب في ذلك، فقد أصبحنا نتطلَّع إلى "حياتنا العملية لمدة 24 ساعة"، حتى نسينا شيئاً اسمه "هواية". فقد أصبح من الصعب إقناع الناس بضرورة ممارسة هواياتهم، وجعلها جزءاً ضرورياً من حياتهم العملية "وحتى إن فعلوا ذلك فإنهم يُدرجونها في خانة العمل وليس المتعة".
تقول الكاتبة المستقلة جايا ساكسينا، إننا أصبحنا ننظر إلى الهوايات وكأنّها أشياء من الماضي، منفيّة إلى ذكرياتنا الغابرة، عن أشياء كنا نفعلها في أوقات فراغنا. وتضيف الكاتبة في مقالة لها بصحيفة New York Times الأميركية، أن الأسوأ من ذلك "أن العديد من الهوايات تحوَّلت إلى طريقٍ جانبيٍّ مرعبٍ، أو بمثابة مسارات للتطوير الوظيفي، تُحوّل الأشياء التي نقوم بها ظاهرياً من أجل المتعة، إلى المزيد من العمل".
وتؤكد ساكسينا أنه حان الوقت لتجريد الهوايات من الإنتاجية، فقيمة الهوايات أعلى بكثير من مجرد علاقتها بالعمل. فقد أظهرت الدراسات أن الشخص الذي يزاول هواية يمكن أن يكون أكثر إنتاجية في العمل "لكن يمكن للهوايات أن تذكِّرك أيضاً بأنَّ العمل ليس كلَّ شيء".
وتقول الكاتبة الأميركية، إنها عندما أخبرت بريجيد شولت، مؤلفة كتاب "تشعر بأنك مرهق: عليك بالعمل والحب واللعب، عندما لا يكون لديك وقت Overwhelmed: Work, Love and Play When No One Has the Time، بأنني نسيت الكلمة المخصصة لهذا الغرض، أجابتني بالقول "أليس نسيانك هذا أمراً معبراً في حدِّ ذاته"؟
كان ردها أن "هذا مؤشّر على حالة ثقافتنا في الوقت الحاضر، إذ يمكن للمرء أن ينسى معنى أن يكون له شيء يرغب في القيام به، دون أن يرتبط بالعمل والإنتاجية".
وأثناء إجراء البحوث في إطار تأليف كتابها، أدركت شولت كيف أن العديد من "الحيل للتوفيق بين العمل والهوايات" حوَّلت الهوايات إلى مفاتيح لزيادة الإنتاجية، بدلاً من أن تكون أنشطة الغرض منها التسلية والاستمتاع، واكتشفت أنه من الصعب على الناس التخلّص من طريقة التفكير هذه.
لكنها اكتشفت في النهاية أنَّ الناس استجابوا لـ"علم الأعصاب والبحث حول حاجة الناس إلى وقتٍ يتّسم بالهدوء المفضي إلى صفاء الرؤية والفكر". لكنَّها تقول إنّه حتى مع توفر هذه المعرفة، ما زال الناس ينظرون إلى الهوايات كوسائل لتحسين أدائهم في العمل. وتضيف "هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني من خلالها أن أشرح للناس أهمية الترفيه".
الهوايات والرفع من الإنتاجية
لا يستطيع واحد من بين كل أربعة أميركيين الحصول على إجازة مدفوعة الأجر، والذين يحصلون عليها لا يستمتعون بمدة عطلهم كاملة، أو يقضون عطلاتهم في قراءة رسائل البريد الإلكتروني. تعلّم الكثيرون منا أن نمقت عدم الإنتاجية، إلى درجة أنّنا شيَّدنا ثقافتنا على أساس العمل، لا التسلية.
المفارقة في كلِّ ذلك، هي أنَّ الهوايات تجعلك أكثر إنتاجية، بطريقةٍ ما. أظهرت دراسة أجريت في عام 2009، أنَّ زيادة الوقت الذي يقضيه المرء في الأنشطة الترفيهية مرتبطة بانخفاض ضغط الدم ومستويات الاكتئاب والتوتّر، وتحسّن الأداء النفسي والجسدي بشكل عام. ويمكن للهوايات أيضاً أن تحفِّز روح الإبداع، أو تسمح لذهن الإنسان بالتحليق والنظر إلى المشكلات من زاوية جديدة.
ومع ذلك، فإن تأطير الهوايات بهذه الطريقة يؤدي إلى تفاقم المشكلة الأصلية: لقد أضفينا طابعاً مهنياً على فترات التسلية، وتعاملنا معها على أنَّها منتجات، انطلاقاً من مفاهيم عالم العمل.
يقول توماس فليتشر رئيس رابطة دراسات الترفيه Leisure Studies Association الذي يعمل أستاذاً مشاركاً في جامعة ليدز بيكيت في بريطانيا "بالنسبة لي، أحب أن أفكر في وقت الفراغ بمعناه الأعمق، أي باعتباره فترة من الزمن بعيدة عن العمل، وليست لتسهيل ذلك العمل".
وبحسب فليتشر "عند البحث في العلاقة بين العمل وأوقات الفراغ، وبدلاً من التفكير في كيف يمكن للترفيه أن يشجع على زيادة الإنتاجية في العمل، يجب النظر باهتمام أكبر إلى الكيفية التي يقوم بها العمل بتثبيط أوقات فراغنا".
ومن خلال عدِّ العمل شيئاً نفعله لدعم أوقات فراغنا، بدلاً من النظر إلى هواياتنا كشيء نفعله لخفضِ مستوى الضغط الذي نشعر به لكي نتمكن من العودة إلى العمل، يمكننا بالفعل البدء في الاستمتاع بحياتنا.
مشكل "ثقافة الإنجاز"
ومن السهل على الإنسان أن تكون لديه هواية عندما يتقاضى راتباً ثابتاً على سبيل المثال، أو يعيش في بيت بإيجار معقول، ويحظى برعاية جديرة بالثقة للأطفال، لكن بالنسبة لمن يعمل في وظيفتين ويعتمد على البطاقات التموينيّة للغذاء، فمن المستبعد كثيراً أن ينشغل بالرسم بالألوان المائية.
ولكن هناك سببٌ يجعل حتى أولئك الذين لديهم وقت للعطلة، لا يستفيدون منه كلية. وبدلاً من التوقف عن العمل في الساعة الخامسة مساءً، يستمر في مطالعة البريد الإلكتروني والاسترخاء إلى أن يخلد إلى النوم.
قالت شولت: "إن هذه الثقافة الموجَّهة نحو الإنجاز التي تعلمنا أن هدفنا الوحيد هو الإنتاج. لماذا تبدأ في تعلم العزف على الغيتار إن لم تكن تريد أن تصبح الأفضل؟ لماذا تصنع شيئاً إذا لم تتمكن من بيعه؟ من الأفضل أن تقضي وقتك في فعل شيء له قيمة بالفعل. فقد تصبح مشغولاً، وتشعر أنك لا تستحق وقت الرفاهية، ولكنك تحتاج إلى أن تحصل عليه".
وقد دفع ذلك فليتشر إلى التساؤل "هل الهواية هي في الواقع ترفيه إذا كنا نجني المال من ورائها؟" ويضيف "عند أي نقطة يُحول كسب المال الهواية إلى وظيفة؟". بالنسبة له، الأمر أقرب إلى الافتراضات من أي شيء آخر، لأنه عندما نُمنح وقت رفاهية فإننا إما لا نأخذه أو أننا نشعر بالذنب تجاهه.
وأردف قائلاً "باختصار، وقت الفراغ الذي نقضيه للقيام بما نريد فعله هو طموح، ولكن عندما نتمكن من الحصول على ذلك الوقت، ينتابنا الشعور بالذنب الممتع".
لذا ما الذي يتطلَّبه الأمر لننحي الشعور بالذنب جانباً، ونقوم بمشروع من أجل المتعة فقط؟ وفقاً لما قالته شولت، لا يدرك معظم الناس أهمية وقت الفراغ حتى يجبروا أنفسهم على أن يحظوا ببعضه، وبعد ذلك لا يستطيعون الحصول على ما يكفي منه.
"يتعين عليك أن تبدأ في تجربة هذا النوع من الوقت، وبمجرد ما ترى ما يفعله هذا الوقت لك وكم هو ذو قيمة، ستبدأ في طلب المزيد منه. وتبدأ في الواقع باتخاذ قرار أن تتيح له مساحة أكبر".
أخذ وقت فراغ أو ممارسة هواية جديدة، مثله مثل أي عادة ينبغي إثراؤها بصورة مسترسلة. نعم، بإمكانها تخفيف التوتر وتصفية ذهنك، ولكن الفائدة الأكثر أهمية هي أنك تستطيع أخيراً أن "تغوص في تجربة رائعة تمنحك شعوراً بالحياة"، وفقاً لما قالته شولت.
من أين تبدأ
تعلم هواية أو مهارة جديدة يحتاج بعض الجهد، ولكن ينبغي دائماً أن يكون شيئاً تهتم به حقاً، وتريد أن تفعله فقط من أجل أن تفعله. إليك بعض الاقتراحات وكيف تبدأ بها.
كيف تصبح مبدعاً؟ إن أردت أن تبدأ في تعلم أي نوع من أنواع السعي الإبداعي، هذا الدليل يُعد مكاناً رائعاً للبدء. يتمتع كل شخص بنزعة إبداعية، كل ما عليك فعله فقط أن تتعلم كيفية الاستفادة من ذلك.
كيف تبدأ في ممارسة التمارين؟ قد تساعدك ممارسة الرياضة في تخفيف التوتر، ومقابلة أشخاص جدد، وأيضاً الاستمتاع بالهواء الطلق. هذا الدليل لممارسة الرياضة سيشمل الأساسيات ويجعلك تبدأ.
إن كنت ترغب دائماً في أن تبدأ بالجري، ولكنك لا تعرف أين تبدأ، نقدم لك أيضاً الدليل: كيف تبدأ بممارسة رياضة الجري؟ وإن كان رفع الأثقال يناسبك أكثر، جرب هذا: كيف تبني العضلات في 9 دقائق؟ وإن كانت اليوغا دائماً ما تبدو مثيرة للاهتمام، ولكنها مخيفة، فعليك أن تطلع على هذه الإرشادات: اليوغا للجميع.
كيف تحل الكلمات المتقاطعة الخاصة بجريدة نيويورك تايمز؟ مرّن عقلك، أيضاً!
تعلم فن الطهي: يُعد الطهي أسهل علاج، إذ إنه يخفف التوتر، كما أنه يتيح لك الفرصة لكي تأكل ما تصنعه بيدك. ستُعلمك هذه المجموعة من الإرشادات من قسم الطهي كلَّ ما تريد معرفته، بدايةً مِن كيف تحضر البيضة أو الفطيرة المثالية؟ إلى إتقان مهارات استخدام السكين، وتعلم كيف تتذوق النبيذ.