لم تجمع مالاً من بيع المناديل فجلست تبكي على الرصيف تحت المطر.. لماذا يتسرب الأطفال السوريون في إسطنبول من التعليم؟

يعاني الطلبةُ السوريون في تركيا من اتساع حجم التسيب بشكل كبير مؤخراً، وذلك بسبب استمرار الحرب التي تزيد من عدد الطلاب المتسربين من المدارس السورية، ونزوحهم وهجرتهم من بلدانهم ومدنهم الأصلية ولجوئهم إلى تركيا ودول أخرى.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/07 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/07 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش

يعاني الطلبةُ السوريون في تركيا من اتساع حجم التسيب بشكل كبير مؤخراً، وذلك بسبب استمرار الحرب التي تزيد من عدد الطلاب المتسربين من المدارس السورية، ونزوحهم وهجرتهم من بلدانهم ومدنهم الأصلية ولجوئهم إلى تركيا ودول أخرى.

وتشهد مدينة إسطنبول -أكبر المدن التركية- وجوداً كبيراً للاجئين السوريين، بحسب شبكة "زدني" للتعليم المنزلي، حيث توجد عشرات المدارس الخاصة التي تدرس مناهج عربية، تقوم عليها جمعيات سورية خاصة وأهلية تابعة للمعارضة في الخارج.

ووفقاً للتقارير الدولية والمحلية، فإن أكثر من 50% من الأطفال السوريين في إسطنبول لا يلتحقون بالمدارس بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها اللاجئون.

وتحذِّر مؤسسات دولية ومحلية بأن استمرار انقطاع الطلبة الأطفال عن مدارسهم قد يؤدي إلى خلق جيل كامل غير قادر على القراءة والكتابة، بسبب طول مدة الانقطاع أو حتى عدم القدرة على دخول المدارس، ممن وُلدوا في اللجوء خارج مناطقهم، ولم تستطع عائلاتهم تأمين التعليم لهم بسبب الفقر الشديد، أو عدم القدرة على التوجه إلى المدارس في تركيا، بسبب عائق اللغة، أو بُعدها عن أماكن السكن.

وتشير إحصاءات وزارة التعليم الوطني في الحكومة التركية إلى أن ما يقرب من 169 ألف طفل سوري يدرسون في المدارس الحكومية التركية، في حين يلتحق 294 ألف طالب آخر بالمراكز التعليمية الخاصة، أو ما يعرف بالمدارس العربية الموزعة في عموم تركيا.

ووَفْقاً لخطط حكومية تركية فإن وزارة التعليم التركية تخطط أيضاً لبناء 105 مدارس إضافية في الأماكن التي تكتظ بالسوريين بحلول عام 2019، وفقاً لبيانٍ حصلت عليه شبكة "زدني"، حيث قالت أيضاً: "تم الانتهاء بشكل فعلي من 30 مدرسة، وهي تعمل الآن".

وتقول الحكومة التركية: "إنها قامت بعقد اتفاقيات مع منظمة اليونيسيف الدولية، وذلك من خلال التوقيع على بروتوكول يهدف إلى تقديم الدعم التعليمي للسوريين، إضافةً إلى تقديم دعم مالي للطلبة الذين يدرسون في المدارس الحكومية بهدف تقليل نسبة المتسربين من المدارس، وذلك بتخصيص ميزانية تصل إلى 562 مليون دولار، لتلبية احتياجات الطلاب الأطفال في تركيا".

الأطفال يبيعون المناديل والمياه في المواصلات العامة



خلال عمليات البحث المستمرة لشبكة "زدني" للتعليم التي حاولت دراسة أوضاع الطلاب السوريين في إسطنبول، التي تعتبر إحدى أكبر المناطق التي تضم السوريين، فإنه تمت معاينة عدد كبير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سن الـ8 إلى 16 عاماً يعملون في بيع المناديل الورقية، أو المياه في المواصلات العامة.

إضافة إلى عمليات التسول الكبيرة، وذلك من خلال تقبيل أيدي المسافرين، وعدم تركهم إلا في حال الحصول على المال؛ مما يعرِّض الأطفال في كثير من الأحيان إلى توبيخ من قبل المسافرين.

وأكدت شبكة "زدني" للتعليم أيضاً، أن غالبية الأطفال الذين يعملون أو المتسولين لا يهتمون بالنظافة، فتجد عدداً منهم بلا أحذية، ودون ملابس مناسبة للأجواء في الفصول المختلفة.

وخلال عملية البحث والملاحظة وجد فريق عمل شبكة "زدني" للتعليم طفلةً سورية تقوم ببيع المناديل على جانب الطريق في منطقة الفاتح في ساعة متأخرة من الليل، وفي أجواء ماطرة، وهي تجلس على الأرض باكية.

ولدى سؤالها عن سبب قيامها بذلك، قالت: "أنا أعمل في بيع المناديل، واليوم لم يصل بيعي إلى 50 ليرة، وعند عودتي للبيت قامت والدتي بنهري وضربي وطلبت مني العودة للشارع لإكمال المبلغ المطلوب"، وتحفَّظت شبكة "زدني" للتعليم عن ذكر اسم الطفلة.

لماذا يتسرب الأطفال من التعليم؟


توجَّه فريق شبكة "زدني" الصحفي إلى عبد الرحمن الحاج، وهو نائب وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، الذي أعاد أسباب التسرب من المدارس التركية إلى عدة عوامل، أهمها عدم وجود فرص كافية لاستيعاب الطلاب، إضافة إلى عمالة الأطفال بسبب ارتفاع تكلفة الحياة وفقد الْمُعِيلِينَ، ومع عدم رغبة الأهالي في إرسال أطفالهم إلى مدارس تركية لأسباب تتعلق بالهوية وبالعنصرية المنتشرة ضد السوريين، وعدم توفر المواصلات ووسائل النقل.

وأضاف: "المشكلة هي أن عشرات الآلاف من الأطفال الذين انقطعوا عن التعليم مع انتقالهم لتركيا لم تتوافر لهم فرص متابعة الدراسة، أصبحوا الآن خارج عمر التعليم، إضافة إلى عشرات الآلاف مثلهم سيخرجون ريثما يتم استيعاب الباقين".

وقال إن عشرات الآلاف في كل عام يصبحون في سن التعليم ويحتاجون إلى الفرص، بحسب ما نقلته شبكة "زدني" للتعليم.

ويشير المسؤول الحكومي السوري إلى أنه وَفْقاً للإحصاء الحكومي التركي في عام 2017، فإنه هنالك 400 ألف طفل لاجئ في سن التعليم الإلزامي بدون تعليم من أصل 950 ألفاً موجودين في عموم تركيا.

من يحل المشكلة؟



وحول إمكانية إيجاد حلول لمشكلة تسرّب الأطفال السوريين من المدارس في تركيا، قال نائب وزير التعليم في الحكومة المؤقتة، إنه لا يمكن للحكومة التركية وحدها أن تُحَقِّق ذلك، ووَفْقاً له فإن تركيا ليست مجهزة سلفاً لهذا العدد الهائل من اللاجئين الذي وصل إلى 3.405 مليون لاجئ.

وطالَب عبد الرحمن الحاج الأمم المتحدة بمساندةٍ فعالةٍ، حيث قال: "إنها لم تتحمل بشكل رئيس الأعباء التي تقع عليها في هذا الملف، هذه مسألة في الواقع من مسؤولية المجتمع الدولي وليس تركيا وحدها، السوريون بالكاد يستطيعون الحفاظ على التعليم مستمراً".

وأكد أن إسهام الحكومة السورية المؤقتة في تركيا سوف يقتصر على دعم المجتمع الأهلي ومنظمات المجتمع المدني السورية والتركية والدولية العاملة في مجال التعليم في سوريا، وهي يمكن أن تقدم دوراً محدوداً؛ لأن دمج السوريين بنظام التعليم التركي أمر حكومي تركي بالأساس.

وأشار الحاج إلى أن مؤسسات المجتمع المدني يمكنها أن تساعد على حل مشكلة عمالة الأطفال وتأمين المواصلات، مستدركاً بالقول إنها: "تبقى مساعدات جزئية".

مناشدات أهالي الأطفال



يطالب عدد كبير من السوريين المؤسسات المدنية العاملة بأخذ الدور لعقد دورات خاصة للأطفال الذين خسروا مدارسهم بسبب الحرب الأهلية، حيث قال أحمد حسين البالغ 40 عاماً، وهو لاجئ سوري في إسطنبول من مدينة حمص، إن أبناءه الثلاثة لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة بسبب بُعد مكانها عن منزلهم؛ مما أدى إلى جهلهم بالقراءة والكتابة.

وناشد حسين هذه المؤسسات لإيجاد برنامج صيفيٍّ ما للأطفال السوريين لمحو الأمية، في محاولة لتعويض الأطفال على ما فاتهم، وقال: "هذه المؤسسات للأسف لا تهتم بنا".

وتعقيباً على ذلك قال نائب وزير التعليم في الحكومة المؤقتة عبد الرحمن الحاج إن مشكلة الأمية هي واحدة من أهم مشكلات التعليم، وقال إن المنظمات الخيرية غير الحكومية يمكنها أن تقوم بهذا الدور، لكنه استدرك قائلاً: "للأسف هذا الموضوع ليس على سُلَّم أولوياتها الآن".

حلول مقترحة



قالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" من جهتها: "إن نقص المال يؤثر في قدرة الأسر السورية على دفع تكاليف النقل والمستلزمات وأتعاب التعليم".

وأوردت المنظمة الدولية في دراسة نشرتها مؤخراً عن أن عمالة الأطفال تتفشى وسط اللاجئين السوريين: "الذين لا تمنحهم تركيا تصاريح العمل بسبب مخاوف من تأثر سكان البلد المضيف من العاطلين. ونتيجة لذلك تعتمد أسر عديدة على دخل أطفالها، حيث يعجِزُ الأبوان عن اكتساب دخل شريف بدون تدابير حماية للعمل".

وأوردت المؤسسة الدولية أيضاً أن بعض المدارس التركية رفضت استقبال الأطفال السوريين في صفوفها الدراسية، أو أخفقت في توفير الحد المعقول من الاحتياجات، على الرغم من إلغاء تركيا عام 2014 قانوناً يطالب السوريين بإبراز وثائق، حيث لم يعد موجوداً، إلا أن بعض المدارس التركية واصلت المطالبة بإبراز هذه الوثائق، إضافةً لافتقار الأسر السورية للمعلومات الأساسية والضرورية لعملية التسجيل في المدارس.

وتقول الحكومة التركية إنها أنفقت على تعليم اللاجئين السوريين منذ الأزمة السورية عام 2011 أكثر من 6 مليارات دولار أميركي بدعم محدود من المجتمع الدولي.

وطالبت هيومان رايتس ووتش الحكومةَ التركية باستخدام آليات الرصد القائمة بالفعل لتعقب المتسربين من المدارس، وتشجيع الحضور إليها، والاستثمار في تدريب المعلمين والعاملين في المدارس، ضمن برامج مصممة بشكل خاص لمواجهة التحديات في تعليم اللاجئين الذين لا يتحدثون التركية.

وفي محاولة للتخفيف من أثر عمالة الأطفال، طالبت مكتب المنظمة الحقوقية في تركيا بتوفير تصاريح العمل على نطاق واسع للاجئين السوريين، وذلك لتمكين الأسر المحرومة من العمل المنتظم بالحد الأدنى من الأجور؛ ما يؤدي إلى تخفيف المعدل المرتفع من عمالة الأطفال المنتشرة وسط اللاجئين السوريين.

وتبقى العائلات اللاجئة في تركيا على أمل إيجاد حل لمشكلة التعليم لدى أطفالها، التي لا يبدو أن هنالك حلّاً جذريّاً لمشكلة تعليمهم المستمرة منذ عام 2011، ويأملون بحل يحفظ أطفالهم من الضياع المحتم في المستقبل القريب.

علامات:
تحميل المزيد