كثيرون من حولنا يحبون تناول الفلفل الحار، على الرغم من الألم الذي يصيبهم وكذلك الآثار الجانبية مثل السعال أو ألم المعدة التي قد تصيبهم جراء تناول هذا النبات الحارق.
أبحاث عديدة تناولت أسباب حب البعض للفلفل، وكيف يعمل هذا النبات على إشعال حريق داخل فم الإنسان، فإن كنت من هواة تناول الفلفل وترغب في معرفة معلومات أكثر عنه، فإننا ننصحك بقراءة التقرير التالي.
كيف يؤثر الفلفل الحار على جسم الإنسان
عندما يتحدث الناس عن نكهة، فإنهم عادةً ما يركزون على الذوق والرائحة، ولكن هناك شعور ثالث أعمق لتذوق النكهة كذلك، وغالباً ما يتم تجاهلها: أحاسيس اللمس المادية ودرجة الحرارة والألم.
لا شيء من هذه الأحاسيس تعبر عنه الرائحة أو الطعم، في الواقع، كان علماء الأحاسيس قادرون على الإشارة إليها على أنها Chemthesis الإحساس الكيميائي، إحساس اللمس Somatosensation، أو إحساس التهاب الأعصابTrigeminal sense، كل منها يغطي مجموعة فرعية مختلفة قليلاً في المعنى، وبعضها لا يعني الكثير على الإطلاق لبقية العالم.
على الرغم من أن الموضوع المشترك هو أن كل هذه الأحاسيس هي حقاً مظاهر لإحساسنا بالملمس، وهي مهمة بشكل مدهش لتجربتنا في الطعم، والرائحة، والملمس – ثالوث النكهة.
وقد عرف علماء الأحاسيس على مدى عقود أن حرق الفلفل هو شيء مختلف عن الذوق والرائحة، شيء أشبه بالألم.
لكن الإدراك الحقيقي في فهم حرق الفلفل جاء في العام 1997، عندما حدد الصيدلي ديفيد جوليوس وزملاؤه في جامعة كاليفورنيا، بسان فرانسيسكو أخيراً مستقبلات الكابسيسين، العنصر النشط في لهيب الفلفل الحار.
كما تطلبت المهمة الكثير من الصبر، إذ بحث جوليوس وفريقه في كل الجينات النشطة في الخلايا العصبية الحسية، التي تستجيب للكابسيسين، وبدلها مع خلايا كلى صناعية، التي لا تستجيب بنفس الاستجابة.
في نهاية المطاف، وجدوا الجينات القادرة على جعل خلايا الكلى تستجيب، تمت الإشارة إلى الجين في نهاية المطاف باسم TRPV1، وهذا الجين لا يتم تفعيله فقط عن طريق الكابسيسين، ولكن يتم تفعيله أيضاً من خلال درجات الحرارة الساخنة الخطرة.
وبعبارة أخرى، عندما نقول الفلفل الحار "الحارق" فهذا ليس مجرد تشبيه، بقدر ما يمكن أن يخبر الدماغ أن فمك حقاً يحترق، هذا هو الشعور، وليس رائحة أو طعماً، ويمر إلى الدماغ من خلال الأعصاب التي تتعامل مع الشعور باللمس.
أظهرت اختبارات أخرى أن TRPV1 لا يستجيب فقط للحرارة والكابسيسين، ولكن لمجموعة متنوعة من الأطعمة الأخرى "الحارقة"، بما في ذلك الفلفل الأسود والزنجبيل.
يعد TRPA1 أيضاً مسؤولاً عن حرق الجزء الخلفي من الحلق الذي يعلمه هواة زيت الزيتون البكر.
فالزيت الجيد يسبب ما يكفي من حرق يؤدي إلى ألم في الحلق، وغالباً السعال، في الواقع، ومن الغريب، أن الحية ذات الجرس تستخدم أيضاً مستقبل الحرارة TRPA1 للكشف عن فريستها في الليالي المظلمة.
ويكون هواة الفلفل الحار عاطفيين جداً تجاه قرونها، ويختارون فقط النوع المناسب من الفلفل لكل موقف من العشرات المتاحة، الفرق بين أصناف الفلفل هو في جزء منه رائحة وطعم: بعضها أحلى، وبعضها ألذ، وبعضها له عمق غريب لنكهته، ولكن هناك اختلافات في الطريقة التي تشعر بها بكلٍّ منها في فمك أيضاً.
كيفية قياس حرارة الفلفل
فرق واحد واضح: مستوى الحرارة. يقيس خبراء الفلفل مستوى حرق الفلفل بوحدات سكوفيل للحرارة، وهو مقياس اشتُق لأول مرة على يد ويلبر سكوفيل، الصيدلى والباحث، في العام 1912.
كان يعمل في ديترويت، وكانت فكرة سكوفيل مشتقة من أنه يمكنه قياس حرارة الفلفل عن طريق تخفيف تأثيره، على سبيل المثال الفلفل الذي يجب عند استخراجه تخفيفه عشرة أضعاف فقط لإخماد حرارته، يكون مساوياً لـ10 وحدات سكوفيل، والأكثر سخونة هي التي يجب أن تُخفف بمقدار مئة ألف سكوفيل.
في الوقت الحاضر، يتجنب الباحثون عادةً اللجوء إلى المتذوقين مرتفعي الكُلفة من خلال قياس محتوى كابسيسين الفلفل الحار مباشرةً في المختبر، وتحويل ذلك إلى وحدات سكوفيل، وكلما زاد الكابسيسين زادت سخونة الفلفل الحار.
ومع ذلك يمكنك قياس ذلك، تختلف أصناف الفلفل اختلافاً كبيراً في مستوى الحرارة، أناهيمس وبوبلانوس معتدلان إلى حد ما، يسجلان حوالي 500 و1000 سكوفيل، على الترتيب.
يسجل جالابينيوس حوالي 5,000، وسيرانوس حوالي 15,000، وكاينس حوالي 40,000، فيما يسجل فلفل عين الطيور التايلاندية ما يقرب من 100,000، وفلفل الهابانيرو على مائدتي يسجل ما بين 100,000 و300,000 سكوفيل.
قوة الفلفل لا تقاس بحرارته فقط
يدعي العديد من خبراء الفلفل الحار أن حرارة الفلفل يتم قياسها بأكثر من مجرد شدتها.
إذا كان أي شخص يعرف عن هذا فمن المحتمل أن يكون بول بوسلاند، مدير معهد شيلي بيبر في جامعة ولاية نيو مكسيكو، بصفته مربي نباتات ولديه اطلاع مهني كبير على جميع التفاصيل الدقيقة لكيفية اختلاف حرارة الفلفل الحار من قرن إلى آخر.
يقول بوسلاند إنه وزملاءه يميزون أربعة مكونات أخرى لحرارة الفلفل، بالإضافة إلى مستوى الحرارة، الأول هو مدى سرعة بدء الحرارة، "معظم الناس، عندما يُقضم هابانيرو، فإنه ربما يستغرق 20 إلى 30 ثانية قبل أن تشعر بالحرارة، في حين أن الفلفل الآسيوي فوري"، حسبما يقول.
يختلف الفلفل الحار أيضاً في مدة استمرار الحرق، أنواع أخرى، مثل هالابينوس والعديد من الأصناف الآسيوية، تتلاشى بسرعة نسبياً، والبعض الآخر، مثل هابانيروس، قد يستمر لساعات.
أيضاً مكان تأثير الفلفل يختلف، يقول بوسلاند "عادةً، مع الهالابينو، في لسانك وشفتيك، مع أنواع نيومكسيكو في منتصف الفم، ومع هابانيرو في الجزء الخلفي من الفم".
ورابعاً، يميز بوسلاند وطاقمه بين الصفات "الحادة" و"البسيطة" للحرق، فيقول "حاد مثل دبابيس تنغرس في فمك، أو بسيطة مثل ألم فرشاة الأسنان"، فلفل نيو مكسيكو يميل إلى كونه بسيطاً، في حين أن تلك الآسيوية تميل إلى أن تكون حادة.
كيف تتخلص من لهيب الفلفل
بعد بدء الانفجار في فمك تود الآن إخماد الحريق، والمثير للدهشة أن العلماء لا يستطيعون تقديم الكثير من المساعدة في هذا الصدد، مشروب بارد يساعد بالتأكيد، لأن البرودة تهدئ مستقبلات TRPV1 من استشعار الحرارة التي تثير الكابسيسين.
أفضل الطرق للتغلب على حريق الفلفل الحار تكون بتناول بعض المنتجات مثل الزبادي والحليب والسكر والأرز الأبيض والعسل الأبيض وزيت الزيتون وزبدة الفول السوداني.
"أعتقد أن أفضل شيء يمكن استخدامه هو الحليب البارد كامل الدسم"، كما قال جون هايس من قسم الطعام والعلم بجامعة بنسلفانيا، "البرد يساعد على تخفيف الحرق، واللزوجة تخفي الحرق، والدهون تسحب الكابسيسين من المستقبلات الحسية".
يقول جون هايز الأستاذ بجامعة بنسلفانيا، إن تناول الطعام الأكثر لزوجة يخفف من طعم الفلفل، ربما لمجرد أنه يوفر إحساساً متنافراً يصرف انتباهنا.
ومن المهم تجنب بعض المشروبات التي تزيد من الشعور بالحريق، وأهمها الماء وكذلك المشروبات الغازية.
مع كل هذا الألم لماذا يعشق البعض الفلفل الحار
نحن لا نستمتع بتناول الطعام الذي لا يزال ساخناً وحاراً من الفرن، على الرغم من أنه يعطي بالضبط نفس الإحساس الذي نحصل عليه من الفلفل الحار: نفس المستقبلات، نفس الأعصاب.
فلماذا نكون سعداء، شغوفين، بالشعور بالألم من الفلفل الحار؟
أحد التفسيرات المحتملة هو أن عُشاق الفلفل الحار ببساطة لا يشعرون بالألم بشكل مكثف، مثل أولئك الذين يرفضون الفلفل الحار، في المختبر، من المؤكد أن الناس الذين يتعرضون بشكل مُتكرر إلى الكابسيسين يصبحون أقل حساسية تجاهه.
الجينات الوراثية قد تلعب جزءاً أيضاً، دراسات التوائم المُتطابقة (الذين يتشاركون كل جيناتهم)، والتوائم الأخوية (الذين يتشاركون فقط نصف جيناتهم) تشير إلى أن الجينات تمثل 18-58% من حبنا للفلفل الحار.
قد يكون لدى بعض الناس مستقبلات TRPV1 أكثر حساسية، على سبيل المثال على الرغم من أن هايز يبحث في ذلك الآن، فهو يقول "اللجنة لا تزال تبحث إذا ما كان حقاً هناك اختلاف حقيقي في جينات TRPV1".
على الرغم من هذا فمن الواضح تماماً أن عشاق الفلفل الحار ليسوا في مأمن من الألم، فقط أسأل أحدهم، يقول هايز "أنا أحب ذلك، كل مسامي تتفتح والدموع تدحرج من وجهي".
يبدو من الاستماع إلى هايز، أنه وربما معظم أكلة الفلفل الحار الآخرين يتمتع بالألم.
وقد أثار هذا التناقض اهتمام علماء النفس لعدة عقود إلى الآن، في العام 1980، اقترح عالم النفس وباحث الفلفل الرائد بول روزين من جامعة بنسلفانيا أن تناول الفلفل الحار هو شكل من أشكال "الماسوشية الحميدة"، مثل مشاهدة فيلم مخيف أو ركوب السفينة الدوارة بالملاهي.
عندما اختبر هايز وطالبته نادية بيرنيس ما يقرب من 250 متطوعاً، وجدوا أن عشاق الفلفل الحار كانوا أكثر احتمالاً أن يكونوا باحثين عن المغامرة من الناس الذين تجنبوا الفلفل الحار.
يميل آكلو الفلفل الحار أيضاً إلى تسجيل أعلى على جانب آخر من الشخصية، ويسمى حساسية الحصول على المكافأة، والتي تقييس كيف يتفاعل المرء مع الثناء والاهتمام وغيرها من التعزيزات الخارجية. وعندما بحث الباحثون بعناية، ظهر نمط مثير للاهتمام: كان البحث عن المغامرة عند النساء أفضل مؤشر لآكلي الفلفل الحار، بينما في الرجال، كانت الحساسية من أجل المكافأة أفضل تنبؤ.
ويعتقد هايز أن تناول الفلفل بسبب الرغبة في "الشعور بالرجولة"، أما بالنسبة للنساء، فمحرك داخلى للإثارة يسيطر عليهن عند تناول الفلفل.