"هل صحاري مصر مُذهلة فعلا؟".. توجهنا بهذا السؤال إلى هاني النوواي، 51 عاماً، الخبير في الصحاري المصرية، فأجاب: "لو أن هناك وصفاً يُقال في جمال صحاري مصر أكثر من كلمة مُذهلة لقلناه، فمصر بلد جميل، وأجمل ما فيها صحاريها الغنية بتضاريسها وآثارها".
وادي "الماشروم"
لو بدأنا بصحراء مصر الغربية، من الشمال حيث سيوة ومطروح ثم نزولاً إلى الواحات البحرية، تلك المدينة الفريدة، سنجد عالماً من المشاهد الطبيعية الخلابة والبحيرات والمزارات السياحية التاريخية بطول 430 كم.
ولو اتجهنا نحو الجنوب، حيث الوادي الجديد، سنجد الصحراء السوداء في استقبالنا، وقد سميت بهذا الاسم لغلبة اللون الأسود على جبالها وصخورها، ما يجعل منها لوحة فنية، تليها الصحراء البيضاء، وهي صحراء شاسعة من أحجار جيرية شكلت منها عوامل التعرية أشكالاً متنوعة ومُبهرة، وسط رمال وصخور وجبال كلها من اللون الأبيض، تتوسطها منطقة شهيرة بصخورها البيضاء الضخمة التي تأخذ شكل فطر عش الغراب "الماشروم"!
العين المسحورة
ولعل من أبدع ما يتوسط هذه الصحراء، هو أحد عيون المياه التي تحيطها الأشجار والنخيل وتأوي إليها طيور أوروبا المهاجرة.
تسمى "العين المسحورة"، لثبات منسوب المياه فيها، فلا تزيد مياهها ولا تنقص، رغم أنها تُعد مصدراً رئيسياً لتزود الزوار والسياح وهواة السفاري بالمياه العذبة!
"حوت" ضخم في قلب الصحراء
أما أغرب ما في هذه الصحراء البيضاء، فهو آثار الحياة البحرية الباقية فيها حتى اليوم، من قواقع وأصداف، وهيكل عظمي لأحد الحيتان الضخمة، يستطيع الزائر أن يدخل في جوفه!
هذا إلى جانب تلك البحيرة الضخمة التي تسمى "بحيرة البحرين" وتُعد أيضاً ملتقى للطيور المهاجرة.
عيون المياه الحمراء
لنصل بعد الصحراء البيضاء، إلى "موط" أو واحة الفرافرة، حيث مياه الاستشفاء الساخنة المتدفقة من "عين الجبل" العميقة جداً.
ثم الواحات الداخلة الزاخرة بالعيون المائية وأشهرها عين تمتاز مياهها بارتفاع نسبة الحديد مما يكسبها لوناً أحمر، ويقصدها الزوار للاستشفاء!
بحر الرمال
نواصل جولتنا في صحراء مصر الغربية، بصحبة هاني، لنصل إلى "الجلف" أو بحر الرمال الذي يسبح فيه عشاق السفاري بقوافل سيارات اللاند كروزر Land Cruiser، وهواتف الساتالايت ولوازم التخييم والإعاشة، وبرفقة مجموعة عمل من السائقين والفنيين المتخصصين في السفاري الصحراوي، في رحلة تمتد لثلاثة أسابيع وسط الصخور النادرة والكهوف الغامضة.
11 مدينة رومانية قديمة
إذا كانت صحراء مصر الغربية تتميز بالضخامة والتنوع البيئي، فإن الصحراء الشرقية هي الأغنى أثرياً وتاريخياً، بما تضمه بين جنباتها من آثار فرعونية وقبطية ورومانية.
على مسافة حوالي 250 كم، تمتد من ميناء الرومان الأثري بمنطقة "البديع" القريبة من الجونة، وتنتهي بمدينة "قفط" بمحافظة قنا، توجد 11 مدينة رومانية قديمة تضم آثار الرومان وأبراجهم ومعابدهم وحتى الرحى التي كانوا يستخدمونها!
جبل الدخان
طبيعياً، حسب هاني، تُعَد سلاسل جبال البحر الأحمر من أروع معالم الصحراء الشرقية، وخصوصاً جبل "الشايب البنات" ثاني أعلى جبال مصر بعد جبل سانت كاترين في سيناء.
وهناك جبل "الدخان" القريب من مدينة البديع الأثرية الرومانية، والفريد من نوعه في العالم، بهالة الدخان التي يتهيأ للناظر للجبل بأنها تنبعث من قمته، وهي تنتج عن لون صخوره الغرانيتية البُنيّة الداكنة الموشاة باللون البيج، والمسماة بصخور البونفريد، والتي يوجد منها مسلة في الفاتيكان، ومنها أيضاً بُنيَ قبر نابليون بونابرت!
بالإضافة لما سبق، تكثر في الصحراء الشرقية الواحات الغنية بالنخيل وآبار المياه، كواحة "أم رِفيع" وواحة "الكُفْرة"، والأحجار التاريخية التي تحوي كتابات تعود إلى ما قبل التاريخ، والآثار الفرعونية كحمام كليوباترا، ووادي الفواخير، والحيوانات البرية والغزلان والزواحف.
أما صحراء سيناء المقدسة، فلدينا جبل سانت كاترين الأشهر، وإذا توجهنا إلى نويبع ستسحرنا بالتأكيد منطقة الـ"كلر كانيون" الزاخرة بالصخور البانورامية الملونة.. وغيرها كثير من صور الجمال الذي يُدهش الزائرين.
ولكن إذا كان الأمر كما يصفه النواوي، فلماذا الشكوى المتكررة من وقف الحال؟!
العم "سَكّوت"
العم "سَكّوت" 67 عاماً، سائق سياحة سفاري منذ 24 عاما تعرف فيها على أكثر من مليون سائح، حسب قوله.
يقول "كنت أنفذ ما يصل إلى 47 رحلة سفاري في الصحراء والجبل شهرياً، والآن لا شيء! وإذا حالفنا الحظ فليس أكثر من 3 إلى 5 رحلات على مدى شهر كامل!".
وعندما سألناه: كيف ونحن في فترة موسم سياحي؟! أشاح بوجهه قائلاً: "لم يعد هناك مواسم، فقد مكثت في بيتي 6 أشهر كاملة، لم أنفذ فيها سوى رحلتين فقط".
ورغم تأكيد العم "سَكّوت" أن هذا الركود سببه حادث الطائرة الروسية التي انفجرت بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ، في آخر أكتوبر 2015، ورغم أنه أبدى في نهاية حديثه تفاؤلا وثقة تامة في عودة الأمور إلى طبيعتها، إلا أننا توجهنا إلى محطة السفاري المركزية في المنطقة الصحراوية جنوب الغردقة، ووضعنا علامات الاستفهام التي أثارها بين يدي حاتم الشرقاوي، 40 عاماً، الخبير في سياحة السفاري، وصاحب إحدى الشركات في هذا المجال.
قطع من أوروبا في قلب الصحاري المصرية
لا أبالغ إذا قلت، أن لدينا أماكن كأنها قطع من أوروبا في قلب صحارينا المصرية، كل ما يخطر على بال بشر من جمال، بحيرات بقطر 500 متر في قلب الصحراء، ومتاحف طبيعية وتاريخية لا مثيل له في العالم.
مميزات تستوعب كافة أنواع السياحة الثقافية والرياضية والعلمية والعلاجية والسفاري وتسلق الجبال وسباقات السيارات والموتسيكلات الأوف رود التي تستمر لمدة أسبوع.
سفاري البحر الأحمر من أمتع الرحلات
أما رحلات سفاري البحر الأحمر فهي واحدة من أمتع الرحلات للسائح، نتيجة للخبرات المتنوعة التي يحصل عليها في خلال اليوم، منذ طلوع الشمس حتى غروبها، بدءاً بالصحراء التي لا يعرفها في بلاده، والتي ربما لم يرها من قبل.
ثم المُعدة التي يركبها، سواء كانت موتوسيكلات أو عربة ساند باجي أو لاند كروزر، أو حتى جمل.
هذا بالإضافة إلى التعرف على حياة البدو عن قرب، ومشاهدة منظر الغروب من أعلى الجبل، والتقاط الصور لبانوراما تجمع الصحراء الممتدة، مع جبال البحر الأحمر، وزرقة البحر والسماء وروعة الشمس.
كيف تستعيد سياحة السفاري مجدها؟
سألنا الشرقاوي، فقال بأن "نحسن مستوى التسويق لها عالمياً، ونهتم بالبنية المتمثلة في المطارات وخدمات الإسعاف والطوارئ!".
دور شركات السفاري
هذه الشركات تؤدي دوراً مهماً جداً في التسويق لسياحة السفاري، يقول الشرقاوي، إلا أنه يمكنها أن تحقق تسويقاً أفضل وجذباً أكبر، لو حظيت بشيء من الدعم، لكنها تواجه بتعقيدات بالغة من تصاريح وإجراءات لا نهاية لها، وربما شبه مستحيلة!
هذا علاوة على بعض المشاكل التى تعيق شركات السفاري في البحر الأحمر مثلاً، مثل الحالة المزرية للطريق المؤدي إلى محطة السفاري الرئيسية، بطول حوالي 5 كم، والذي كان يسلكه ما يزيد على 3000 سائح من أنحاء العالم يومياً، في فترات الرواج طبعاً، ليبدؤوا منه رحلتهم في الصحراء، وسط تلال من القمامة والمخلفات.
فماذا لو تم تنظيفه وصف الأشجار على جانبيه!
أيضاً مرافق أساسية كالماء والكهرباء، ولا محطة وقود لخدمة مثل هذا المكان المكتظ بالسيارات، ولا تجديد لعقود حق الانتفاع! هذا غير ارتفاع الجمارك الذي يؤثر كثيراً سلباً على تزويدنا بما يلزم من معدات، وتحديث الموجود منها.
وأخيراً عدم الاهتمام بالبدو الذين يلتقي بهم السائح ويلمس عزلتهم وحالتهم المتدنية.
يوم لن تنساه أبداً
بمناسبة الإجازات الجامعية، سألنا الشرقاوي: هل يمكن للشباب خوض هذه التجربة؟ وكم تكلفهم؟
بالتأكيد سيقضي الزائر للصحاري المصرية يوماً لن ينساه في حياته، من المغامرة وزيارة البدو والحفلات والعشاء والمشروبات، يمكنه الحجز عن طريق الفنادق أو الشركات أو الإنترنت، على أن يلتزم بكافة التعليمات لضمان سلامته واستمتاعه بالرحلة، أما عن تكلفة الفرد فهي تتراوح بين 200 إلى 1000 جنيه مصري، وذلك حسب البرنامج الذي سيختاره.
ولكن هناك أناس يخافون من السفاري!
لا خوف من مخاطر مغامرة السفاري، فلا توجد تجربة بدون مخاطر، لكن دورنا هو تقليل أو تفادي هذه المخاطر، من خلال اصطياف متخصص ومرشدين لديهم الخبرة الكافية..
يختم حاتم حديثه إلى هافنغتون بوست عربي بقوله: "رغم كل هذا لن أتخلى عن تفاؤلي، وأدعو عشاق ساحة السفاري في أنحاء العالم إلى عدم تأجيل أو تأخير هذه المغامرة في صحاري مصر المُذهلة."
أما هاني فيودعنا قائلاً: "لا يليق بهذا الجمال كله أن يعاني العزوف، لذا فسوف أظل، ودون كلل، أوصي بخوض تجربة السفاري في صحارينا، للاستمتاع بمذاق المغامرة، والفخر بملامسة التاريخ".