لطالما كانت الأعراس الملكية محطَّ أنظار الشعوب، فمع تراجع الأنظمة الملكية أمام الأنظمة الحديثة كان هناك الكثير ممن يعدون العائلات الملكية دليل تاريخ وأصالة وواجهة دبلوماسية للبلاد لا يمكن الاستغناء عنها، ومن هنا ظل اهتمام الكثيرين بأحوال العائلات الملكية في بلادهم مصدر فخر.
وبالتبعية، حافظت كثير من العائلات الملكية على مكانتها، واحتفظت بكثير من تقاليدها، ولا سيما الأعراس، ويعد الفستان العنصر الأهم في هذه الأعراس، ومحط أنظار الكل، سواء المدعوين أو متابعي الحدث من خلال الشاشات. لذا كان من الحتمي التكتم على كثير من تفاصيل التصميم والخياطة، ليحتفظ برونق المفاجأة، ويحظى بإعجاب القاصي والداني، فلطالما حملت فساتين الزفاف الملكية في طياتها كثيراً من الحكايا، وبجانب الحكايا هناك قدر من البهجة، والإبهار.
فإليك خمساً من تلك الفساتين وقصصها.
حكاية خرافية
رغم مرور أكثر من 60 عاماً على زواج الأمير رينيه، أمير موناكو، من الممثلة الأميركية غريس كيلي ما زال العالم ينظر لهذه الزيجة على أنها إحدى الحكايات الخيالية، فالأمير أحب فتاة من عامة الشعب وتزوجها.
ومثل الحكايا الخيالية، كان فستان الأميرة علامة في تاريخ الزيجات الملكية، بل مصدر إلهام لكثير من المصممين حتى يومنا هذا.
الأميرة غريس في خمار الزفاف
مثلما كانت الأميرة ممثلة هوليودية، كذلك كان فستانها، إذ قدمه لها استوديو إم جي إم للأفلام هدية للزفاف، وصممته رئيسة قسم الملابس والأزياء آنذاك، هيلين روز، واشترك في حياكته ثلاثون شخصاً، واستغرق العمل فيه ستة أسابيع، وتطلب 274 متراً من الدانتيل البلجيكي الأثري، و137 متراً من الحرير والتفتا والتل.
ويتكون الفستان من كورساج علوي بأكمام طويلة من الدانتيل البلجيكي ذي اللون الزهري الخافت، وعمره وقتها مئة وخمسة وعشرون عاماً، وتنورة منفوشة من حرير التفتا بثلاث بطانات، بطانة أساسية أعطت التنورة شكل الجرس المشهور، وبطانة لزيادة حجم التنورة، وأخرى لإعطاء ملمس أملس نهائي، وحزام للخصر أيضاً من حرير التفتا ليربط كلاً من الكورساج والتنورة، وأضافت المصممة ذيلاً حريرياً موشّى بقطعة من الدانتيل في المنتصف، ما أضفى مظهراً جميلاً على الفستان من الخلف.
الأميرة غريس بفستان الزفاف
وتميزت غريس عن غيرها من الأميرات بغطاء الرأس، يقضي العرف وقتها بارتداء تاج ملكي متوارث في العائلة، ولكنها فضلت قبعة على طراز جولييت مطرزة باللآلئ، ثبت فيها خمار طوله 82 متراً من الدانتيل البلجيكي. وحملت بجانب باقة زهور زنابق الوادي كتاباً للصلوات موشّى من دانتيل الخمار والكورساج نفسه.
بساطة مذهلة
وبعكس الأميرةغريس، لم تلجأ الأميرة مارغريت لمصممة هوليودية، بل لجأت لنورمان هارتنل، مصمم الأزياء الذي صمم فستان زفاف شقيقتها الملكة إليزابيث، ملكة التاج البريطاني، مثلما صمم رداء التتويج الخاص بها، ولكن على خلاف شقيقتها والعرف، طلبت فستاناً بسيطاً خالياً من التطريز والحلي المبالغ فيها والدانتيل، فكان الفستان الأسطوري الذي لفت أنظار 300 مليون مشاهد في أول بث تلفزيوني لحفل زفاف ملكي عام 1960.
الأميرة مارغريت مع الوصيفات
تطلب كورساج الفستان وخماره 30 متراً من حرير الأورجانزا الأبيض لتنفيذهما، أما التنورة ذات الاثنتي عشرة كسرة فتطلبت 36 متراً من القماش، وثماني بطانات من التل المنشى ليخرج منفوشاً مثلما نراه، ويساهم مع الكورساج الضيق في إظهار دقة خصر الأميرة.
وبجانب بساطة الفستان المذهلة، كان للإكسسوارات دور في إضفاء أناقة على الرداء كله، إذ ارتدت الأميرة تاجاً ابتيع خصيصاً للمناسبة بخمسة آلاف جنيه إسترليني، وكان ارتفاع التاج الملحوظ بجانب قصة الشعر سبباً في إعطاء إيحاء بطول الأميرة، وارتدت أيضاً عقداً ماسياً ورثته عن جدتها الملكة ماري.
سرية متناهية
الأميرة آن في زفافها
وبالحديث عن البساطة، نافست الأميرة آن، الابنة الوحيدة للملكة إليزابيث، بفستان زفافها الحريري الذي خلا من التطريز والدانتيل أيضاً. اكتفى المصمم مورين بيكر، صاحب أزياء سوزان سمول، بأطراف مطرزة باللآلي خصوصاً على الياقة العالية والأكمام التي أتت على شكل بوق يغطي أكماماً من الشيفون، ويعطي للفستان طابعه التيودوري الأنيق الذي يحاكي تصاميم فساتين الزفاف إبان عصر الملكة إليزابيث الأولى.
ومثل بساطة الفستان، كان الذيل الذي طرز أيضاً باللآلئ والخيوط الفضية، ولم يتعد طوله سبع أقدام، وارتدت الأميرة تاج والدتها الملكة، وثبت فيه الخمار الذي انسدل على شعرها في بساطة. ومن الجدير بالذكر، أن الفستان كان محاطاً بسرية تامة، واشترك في تنفيذه خمس عشرة حائكة، لم تر إحداهن الأخرى طوال فترة التنفيذ، حتى لا يفقد رونقه وجماله.
خمار أثري
لنبتعد قليلاً عن أميرات التاج البريطاني، ونتجه شرقاً حيث أميرة التاج الدنماركي، الأميرة ماري التي تزوجت الأمير فريدريك في 2004. وبجانب روعة فستانها، تضمن التصميم كثيراً من التفاصيل التي أضفت بعداً إنسانياً جميلاً ليس على الفستان فحسب، بل على العرس بأكمله.
الأميرة ماري أميرة التاج الدنماركي في زفافها
استخدم المصمم الدنماركي أوف فرانك الساتان العاجي ذا اللمعة اللؤلؤية والمبطن بالأورجانزا في الفستان والذيل، الذي قارب طوله عشرين قدماً، يتميز الجزء العلوي بديكولتيه مفتوح ملامس للأكتاف وقصة قوام رشيق، وخصر دقيق، ومن ثم انسدالة واسعة مميزة بالكسرات التي كشفت عن الدانتيل الأيرلندي، الذي ينتمي لجدة الأمير فريدريك، الأميرة مارجريت ملكة السويد، والذي كان إحدى هدايا عرسها.
ومن ذلك الدانتيل أيضاً، كان الخمار الذي توارثته حفيدات التاج الدنماركي؛ لذا تعد الأميرة النسيبة الأولى التي ارتدته حتى يومنا هذا.
ولم تكن تلك اللمحة الإنسانية الوحيدة التي تميز بها الرداء، إذ خاط المصمم فرانك أوف خاتم زواج والدة الأميرة بجانب قلبها في البطانة الداخلية للفستان، وحملت الأميرة باقة من زهور اليوكاليبتوس اعتزازاً بأصولها الأسترالية، التي وضعت على ضريح والدتها بعد انتهاء الزفاف بمساعدة إحدى عماتها.
منتهى القوة
لا يسع المرء حين يرى فستان الأميرة شارلين، إلا أن يسأل نفسه "إلى متى سيستمر أمراء وأميرات موناكو في إبهارنا؟"، ففستان أميرة موناكو يتسم ببساطة فائقة ورقي مبهر وبذخ واضح في آن واحد.
الأميرة شارلين في زفافها
الفستان الذي استغرق تنفيذه 2500 ساعة من العمل تطلب 50 متراً من الحرير الألماني، و80 متراً من حرير الأورجانزا لعمل تصميم غاية في البساطة بأكتاف منسدلة وكورساج وتنورة يحتضنان الجسم بخفة، ويبدو أن تطعيم التطريز بأربعين ألف قطعة من كريستال سواروفسكي، وعشرين ألفاً من دانات اللآلئ وثلاثين ألفاً من الأحجار الذهبية، كلها في إطار من الورود المشغولة بخيوط مطلية بالذهب الأبيض، لم يتعارض كل ذلك وخفته، ولو من ناحية التصميم، إذ أضاف التطريز مظهراً باذخاً دون كثير جلبة.
هذا بالإضافة لعشرين متراً من التل الأبيض للخمار الذي أحاط بوجه الأميرة برقة متناهية، وتماشى مع تصفيف شعرها، وأظهر الحلية الماسية التي تعود لجدة الأمير ألبرت، ومن ضمن نقاط القوة، وجود ذيلين للفستان، أحدهما امتداد طبيعي للتنورة، بينما الآخر مثبت من الأكتاف وطرز بتطريز الفستان نفسه.