مع استمرار تزايد الاحترار العالمي، يواجه موسم الحج هذا العام درجات حرارة غير مسبوقة. من سهول منى إلى جبل عرفات، حيث ألقى النبي محمد عليه الصلاة والسلام خطبة الوداع، يجد الحجاج راحتهم في خيام مزودة بتكييف الهواء، فيما تنتشر أجهزة رذاذ الماء ويقوم المتطوعون بتوزيع زجاجات المياه الباردة.
العام الماضي، واجه 1.8 مليون حاج هذه الرحلة الروحية، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 48 درجة مئوية في يوم عرفة، مما تسبب في إصابة العديد من الحجاج بالإعياء الشديد.
تُجرى مناسك الحج هذا الموسم في الظروف الصحراوية القاسية، ما دفع السلطات السعودية إلى تعزيز التدابير لمساعدة الحجاج في مكة على التغلب على الحرارة الشديدة، من خلال توفير مكيفات الهواء وطلاء الأرضيات بمواد عاكسة.
يعاني الحجاج هذا العام من درجات حرارة عالية هذا الطقس الحار يعرض الحجاج لخطر الإصابة بضربات الشمس والعديد من الأمراض الأخرى الناتجة عن ارتفاع الحرارة، خصوصاً مع التعرض المستمر لأشعتها أثناء تأدية شعائر الحج.
تأثير ارتفاع الحرارة على الحجاج
مع ارتفاع درجات الحرارة، تتمدد الأوعية الدموية في جسم الإنسان، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم. هذا يضطر القلب للعمل بمجهود أكبر لضخ الدم في أنحاء الجسم المختلفة، ما قد يسبب مشاكل صحية متعددة.
في ظل هذه الظروف، قد يعاني الحاج من مشاكل مثل الطفح الجلدي الناتج عن الحرارة وتورم القدمين نتيجة تسرب السوائل من الأوعية الدموية. كما أن الإفراط في التعرق يؤدي إلى خسارة كبيرة في السوائل والأملاح الحيوية، مما يخل بالتوازن الكيميائي في الجسم.
مناسك الحج بمكة المكرمة – المصدر: Shutterstock
تُعتبر هذه الخسارة في السوائل والأملاح، بالإضافة إلى انخفاض ضغط الدم، من العوامل الرئيسية للإنهاك الحراري. من أعراضه الشائعة الدوخة، الغثيان، الإغماء، الارتباك، تشنجات العضلات، الصداع، التعرق الغزير، والشعور بالإرهاق الشديد. أما في الحالات الشديدة، قد يؤدي انخفاض ضغط الدم الكبير إلى زيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية.
طرق الحماية من ارتفاع درجة الحرارة
خلال موسم الحج يتساءل العديد من زوار مكة المكرمة لأداء هذه الفريضة حول كيفية الحماية من ارتفاع درجات الحرارة المفرطة خلال أداء المناسك، إذ توجد بعض الإجراءات التي قد تساعد في الحماية من آثار ارتفاع الحرارة وهي كالتالي:
- شرب الماء بكثرة: احرص على شرب الماء بانتظام ولا تنتظر حتى تشعر بالعطش لتجنب الجفاف.
- تناول العصائر وتجنب المشروبات الغازية: اختر العصائر الطبيعية بدون إضافة سكر وتجنب المشروبات الغازية والمشروبات التي تحتوي على الكافيين والتي قد تؤدي إلى اضطرابات في الجهاز الهضمي ولا توفر الترطيب الكافي.
- تناول أطعمة ترطب الجسم: احرص على تناول الفواكه والخضراوات الغنية بالماء مثل الخيار والبطيخ، وتجنب الأطعمة الثقيلة التي تستغرق وقتاً طويلاً في الهضم.
- بالنسبة للنساء ينصح بارتداء الملابس ذات الألوان الفاتحة: اختر الملابس الفضفاضة والفاتحة التي تعكس أشعة الشمس بدلاً من امتصاصها، مما يساعد على خفض درجة حرارة الجسم.
- ارتداء القبعات: استخدم قبعة واسعة الحواف لتوفر حماية لرأسك ووجهك من الشمس، مما يقلل من خطر الحمى والإجهاد الحراري.
- تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس خصوصاً في أوقات الذروة، كما ينصح باستخدام المظلات الشمسية للوقاية من الحرارة المرتفعة خلال أداء مناسك الحج.
- الاستحمام بالماء البارد: يساعد الاستحمام بالماء البارد على تبريد الجسم وتقليل الإجهاد الحراري بعد يوم حار.
الماء البارد يساعد في الحماية من ارتفاع درجة الحرارة – المصدر : Shutterstock
أكثر الأماكن التي يصاب بها الحجاج بضربات الشمس
تشير بيانات من وزارة الصحة السعودية إلى أن بعض المواقع في الحج تشهد زيادة في الإصابات الناجمة عن الحرارة الشديدة، وتتضمن هذه المواقع:
- منطقة الطواف، وخصوصاً خلال ساعات الظهيرة حين تكون الشمس في أوجها.
- موقع عرفات، خصوصاً خلال ساعات الظهيرة.
- منى، التي تشمل أماكن الذبح ومنطقة الجمرات، حيث يزيد الازدحام والمسافة الطويلة من خطر الإصابات الحرارية.
ارتفاع الحرارة والإصابة بضربات الشمس في الحج
بسبب ارتفاع درجة الحرارة المهولة خلال موسم الحج تعتبر ضربات الشمس هي إحدى المخاطر الصحية الكبيرة التي يمكن أن تواجه الحجاج في مكة المكرمة، تعرف ضربة الشمس بأنها ارتفاع خطير ومفاجئ في درجة حرارة الجسم يتجاوز 40 درجة مئوية "104 درجة فهرنهايت"، وهي حالة تستدعي تدخلاً طبياً فورياً؛ نظراً لخطورتها التي قد تؤدي إلى مضاعفات حادة وربما الوفاة إن لم تُعالج بشكل سريع.
المشكلة الرئيسية في ضربة الشمس تكمن في فشل الجسم في تنظيم درجة حرارته الداخلية بسبب التعرض المطول للحرارة الشديدة. يتأثر الجهاز العصبي المركزي بشكل مباشر عندما تصبح الحرارة لا يمكن تحملها، مما قد يؤدي إلى أعراض مثل الارتباك، الدوار، الصداع الشديد، والهذيان. في حالات أكثر خطورة، قد يفقد الحاج الوعي ويعاني من تشنجات، مما يشكل خطراً على حياته بدون تدخل طبي فوري.
موسم الحج بمكة المكرمة – المصدر: Shutterstock
بالإضافة إلى الإجهاد الحراري وتأثيره على الجهاز العصبي، قد تتطور مضاعفات خطيرة أخرى بسبب ضربة الشمس، مثل فشل الأعضاء. الكلى، القلب، والكبد هي من الأعضاء التي يمكن أن تتأثر بشكل خاص، وتعتمد السرعة في تقديم العلاج على تجنب تلك المضاعفات الدائمة.
يشمل العلاج الفوري تبريد الجسم بأسرع وقت ممكن، إما عن طريق التبريد بالماء البارد، استخدام مراوح الهواء، أو اللجوء إلى أكياس الثلج، بالإضافة إلى التأكيد على تزويد الحاج بالسوائل لمحاربة الجفاف.
أعراض ضربات الشمس في الحج
تُعد ضربة الشمس واحدة من أبرز المخاطر الصحية التي قد تواجه الحجاج، حيث تتجاوز درجة حرارة جسم المصاب الأربعين درجة مئوية، ما قد يؤدي إلى طيف واسع من الأعراض الصحية التي تتفاوت بين البسيطة والحادة، وقد تشكل خطراً جدياً على صحة الحاج وحياته.
من أبرز أعراض ضربة الشمس التي يمكن أن يواجهها الحجاج ما يلي:
- الغثيان والقيء، اللذان يشيران إلى تأثير الحرارة على الجهاز الهضمي.
- الدوخة والصداع، وخصوصاً الصداع النابض، الذي يعد من المؤشرات الأولية لضربة الشمس.
- انعدام التعرق رغم الحرارة الشديدة، مما يشير إلى فشل الجسم في تنظيم درجته الحرارية.
- الإرهاق الشديد وجفاف واحمرار الجلد.
- تسارع نبض القلب، والارتباك، والهلوسة، وصعوبات التركيز.
- التشنجات وفقدان الوعي، مما يستلزم تدخلاً طبياً فورياً.
في الحالات الشديدة، قد تؤدي ضربة الشمس إلى مضاعفات خطيرة مثل الضغط المرتفع داخل الجمجمة، وتلف الدماغ أو الأعضاء الداخلية، وحتى الغيبوبة. يشار إلى أن الحجاج الأكبر سناً، وبخاصة من هم فوق الخمسين، هم أكثر عرضة لهذه المضاعفات الحادة.
موسم الحج بمكة المكرمة – المصدر: Shutterstock
أسباب الإصابة بضربة الشمس في الحج
خلال موسم الحج، يواجه الحجاج تحديات بيئية قاسية قد تزيد من خطر تعرضهم لضربات الشمس والإجهاد الحراري. العوامل التالية تلعب دوراً رئيسياً في زيادة هذا الخطر:
- الازدحام الشديد: يؤدي الازدحام إلى صعوبة التحرك والتنقل، مما يعرض الحجاج لأشعة الشمس لفترات طويلة دون حماية كافية، ويقلل من فرص الحصول على الراحة والتبريد اللازم.
- الإجهاد البدني وطول المسافات المقطوعة مشياً على الأقدام: تؤدي المشي لمسافات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة إلى استهلاك الطاقة والسوائل بمعدلات عالية، مما يزيد من الإجهاد الحراري والبدني.
- ارتفاع نسبة الرطوبة: تجعل الرطوبة العالية عملية التعرق أقل فعالية في تبريد الجسم، ما يعقد من عملية تنظيم الحرارة الطبيعية للجسم.
- الجفاف: نقص تناول السوائل يمكن أن يؤدي إلى الجفاف، مما يزيد من خطر الإصابة بضربة الشمس ويقلل من قدرة الجسم على تحمل الحرارة.
- عدم تأقلم الحاجّ على الجو والظروف المحيطة: الحجاج القادمون من مناخات أكثر اعتدالاً قد يجدون صعوبة في التأقلم مع الحرارة الشديدة والظروف الصحراوية، مما يزيد من تعرضهم للمخاطر الصحية المتعلقة بالحرارة.
الفئات الأكثر عرضة للإصابة بضربة الشمس في الحج
ضربة الشمس خلال الحج تُعد تهديداً جدياً للحجاج، خاصةً لأولئك الذين ينتمون إلى فئات معينة تكون أكثر عرضة للخطر بسبب عوامل صحية محددة. هذه الفئات تشمل:
- كبار السن (أكثر من 65 عاماً): لديهم قدرة أقل على تنظيم درجة حرارة الجسم وقد يعانون من أمراض مزمنة تزيد من خطر الإصابة بضربة الشمس.
- 2. الحجاج الذين يعانون من السمنة والوزن الزائد: تؤثر السمنة على قدرة الجسم على تنظيم الحرارة وتزيد من الجهد المطلوب من القلب لضخ الدم.
- مرضى السكري: قد يعانون من مشاكل في الدورة الدموية والتعرق، مما يضعف قدرتهم على تبريد أجسامهم.
- مرضى الفشل الكلوي: يمكن أن يؤثر الفشل الكلوي على توازن السوائل والأملاح في الجسم، مما يزيد من خطر الإجهاد الحراري وضربات الشمس.
- مرضى القلب: يمكن أن يزيد التوتر الناجم عن الحرارة الشديدة من خطر تعرضهم لمشاكل قلبية خطيرة.
- مرضى ارتفاع ضغط الدم: يمكن أن يؤثر الحر الشديد على قدرة الجسم على إدارة ضغط الدم.
- المصابون بأمراض الرئة: يمكن أن يزيد الهواء الحار والجاف من صعوبة التنفس لدى هؤلاء الأفراد.
- المصابون بالأمراض العقلية: قد يكون لديهم صعوبة في تقييم درجة الحرارة واتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة.
- الحجاج الذين يتناولون أدوية معينة: مثل مضادات الهيستامين التي قد تقلل من التعرق، مدرات البول التي تزيد من خطر الجفاف، وأدوية الصرع التي يمكن أن تؤثر على تنظيم حرارة الجسم.
من المهم لهذه الفئات من الحجاج اتخاذ احتياطات إضافية مثل البقاء في الظل قدر الإمكان، شرب كميات كبيرة من الماء، وارتداء الملابس الفضفاضة والخفيفة لتقليل خطر الإصابة بضربة الشمس وضمان تجربة حج آمنة وصحية.
كيفية التعامل مع ضربات الشمس
في ظل التحديات الصحية الجسيمة التي قد يواجهها الحجاج خلال الحج بسبب ارتفاع درجات الحرارة، يُعد التعامل السريع والفعّال مع حالات ضربات الشمس أمرًا ضروريًا للغاية. في حالة ظهور أعراض شديدة لضربة الشمس وعدم الاستجابة للإسعافات الأولية، يجب الاتصال فوراً برقم الطوارئ لضمان الحصول على الرعاية الطبية المناسبة. الإجراءات التالية يمكن أن تقدم دعماً حيوياً للمصاب لحين وصول الإسعاف:
- نقل المصاب إلى مكان مكيف أو مظلل وجيد التهوية: تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس والبحث عن بيئة أكثر برودة يمكن أن يخفف بشكل كبير من تأثيرات ضربة الشمس.
- تقديم السوائل للمصاب: تناول الماء بكثرة يساعد في تجنب الجفاف ويدعم آليات التبريد الطبيعية للجسم.
- ترطيب بشرة المصاب ووضع كمادات باردة: يمكن استخدام الماء البارد لرش بشرة المصاب ووضع كمادات على المناطق الرئيسية مثل الإبطين، الفخذين، الرقبة، والظهر، لتسريع خفض درجة حرارة الجسم.