في عصرنا الرقمي، حيث تفرض التكنولوجيا نفسها بقوة على كل جوانب حياتنا، بات الهاتف المحمول لا يفارق أيدينا لحظة، ما يثير القلق بين الخبراء حول تأثيراته المحتملة على صحتنا النفسية والبدنية، وكيفية إيجاد حل للحد من استخدام الهاتف بشكل مفرط.
بينما يعترف الجميع بالفوائد الجمّة التي جلبتها هذه الأجهزة، من تسهيل التواصل إلى الوصول الفوري للمعلومة، إلا أن الاستخدام المفرط لها قد يقود إلى مسارات غير محمودة. في هذا السياق، يتجه النقاش العام نحو أهمية إيجاد استراتيجيات فعّالة للحد من استخدام الهاتف المحمول، محاولاً رسم خطوط بين الاستفادة القصوى وتجنب الآثار السلبية المحتملة.
فما هي الوسائل والأساليب التي بالإمكان اتباعها للحد من استخدام الهاتف أو التقليل منه؟
متوسط البقاء أمام شاشة الهاتف في العالم
قبل مطالبة الأطفال بترك الهواتف جانباً، من الضروري للآباء أن يدركوا مقدار استخدامهم الشخصي للشاشات. في المعدل العالمي، يمضي الفرد حوالي 6 ساعات و58 دقيقة يومياً أمام الشاشات، مسجلاً زيادة بنسبة 13%، أو ما يعادل 49 دقيقة، مقارنةً بعام 2013.
يُظهر الآباء الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشات ميلاً لنقل هذه العادة إلى أبنائهم. في الوقت الحالي يمتلك ثلثا الأطفال في المرحلة الابتدائية جهازاً محمولاً خاصاً بهم يعتمد على استخدام الشاشة.
توصي التعليمات الخاصة بوقت الشاشة بأن يقتصر استخدام الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً للشاشات على ساعتين يومياً كحد أقصى "باستثناء الواجبات المنزلية"، ولا يتجاوز ساعة واحدة يومياً للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين إلى 5 سنوات. كما تنصح بعدم السماح بأي وقت أمام الشاشة للأطفال دون سن الثانية.
استخدام الهاتف المفرط وتأثير العلاقات الأسرية
حسب الدراسات عندما تنغمس كل العائلة في استخدام الأجهزة في الوقت نفسه، يؤدي ذلك إلى تقليل التفاعل المباشر بينهم، ما يخفض من جودة التواصل ويغير من ديناميكية العلاقات الأسرية.
يسهل الاستخدام المتنامي للتكنولوجيا اللاسلكية على الأفراد الانعزال عن بعضهم، وذلك من خلال استعمال سماعات الأذن، ما يقلص فرص التحدث. وجود سماعات في أذني أفراد الأسرة خلال النشاطات المشتركة أو الوجبات يشكل حاجزاً فعلياً، ما يحفزهم على الانغماس في عوالمهم الرقمية الخاصة.
بالإضافة إلى ذلك قد يؤدي الاستخدام المطول لسماعات الأذن إلى تقليل التواصل والتقارب بين أفراد الأسرة. الأبحاث المتعلقة بألعاب الفيديو، على سبيل المثال، أظهرت أن الإفراط في اللعب يعزز مشاعر الانعزال والشعور بالوحدة ويؤدي إلى تراجع التفاعلات الاجتماعية في الواقع، إضافة إلى ضعف العلاقات مع الأصدقاء وأفراد الأسرة.
كيف يمكنني ضبط حدود وقت الشاشة؟
لضبط حدود وقت الشاشة بشكل فعّال، يُنصح باتباع بعض الخطوات التي قد تساعد في حل هذه العادة، وهي كالتالي:
- عقد اجتماع عائلي: ابدأ بتنظيم جلسة مع العائلة لمناقشة وتحديد القواعد المناسبة لاستخدام الأجهزة مثل التلفاز، والهواتف، وألعاب الفيديو. تأكد من التوصل إلى توافق في الآراء حول الأوقات الملائمة لاستخدام هذه الأجهزة.
- إنشاء قواعد لأوقات العائلة: حدد قواعد واضحة، مثل عدم استخدام الأجهزة أثناء تناول العشاء على المائدة، لتشجيع التواصل والتفاعل وجهاً لوجه بين أفراد الأسرة.
- تحديد فترات خالية من الأجهزة: فكّر في إبعاد الهواتف والأجهزة اللوحية في أوقات محددة، مثل بعد الساعة 9 مساءً أو خلال الساعة السابقة لموعد نوم الأطفال، واستغل هذا الوقت في ممارسة أنشطة بدنية مع العائلة كلعب كرة القدم أو الذهاب في نزهات.
- كن قدوة: يُعد تنظيم الوقت الذي تقضيه كولي أمر أمام الشاشة وتحديد حدود لهذا الوقت، مثل تقليص الوقت المخصص لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، أساسياً لتشجيع الأطفال على اتباع نهج مماثل.
- تعزيز التواصل المفتوح: من الأهمية بمكان أن تحافظ على التواصل الدائم والمفتوح مع الأطفال حول استخدام التكنولوجيا، مع التركيز على تعليمهم كيفية التفكير بشكل نقدي والتنقل بأمان عبر المحتوى عبر الإنترنت واستخدام أدوات الرقابة الأبوية وإعدادات الخصوصية.
- بناء الثقة: تشجيع العلاقة الداعمة والثقة مع الأطفال منذ سن مبكرة أمر ضروري لجعلهم يشعرون بالراحة في مناقشة تجاربهم عبر الإنترنت ومشاركة أي مخاوف قد تواجههم.
الحيل قد تساعد في الحد من استخدام الهاتف
مع التطور التكنولوجي وتزايد الاستخدام المفرط للهواتف، سواء عند الكبار أم حتى الصغار، يصبح أمر إيجاد حل لعدم قضاء وقت أطول أمام الشاشات حلاً يستدعي استخدام بعض الوسائل الثانوية، إذ يوجد عدد من التطبيقات التي تساعد في تنظيم وقت استخدام الهاتف، من بين هذه التطبيقات والحلول نجد:
- تطبيق One Sec:
حسب صحيفة New York Times الأمريكية يعد تطبيق One Sec أداة فعالة لمن يسعون إلى تقليل وقت استخدامهم للتطبيقات المسببة للإدمان عبر إضافة طبقة من التأمل والوعي الذاتي قبل الغوص في عالم الشبكات الاجتماعية وغيرها من التطبيقات.
وذلك من خلال توجيه المستخدمين لإجراء تمرين تنفسي قبل فتح التطبيقات المعلمة، يقدم فرصة لإعادة التفكير في قرار استخدامها، ما يساعد في الحد من التصفح العشوائي والإفراط في الاستخدام.
عند محاولة فتح تطبيق مثل إنستغرام، يدعوك One Sec إلى أخذ لحظة من الزمن لأخذ نفس عميق، ومن ثم يسألك عما إذا كنت تود فعلاً الانتقال إلى التطبيق. هذا النهج يمكن أن يساعد في تعزيز الوعي الذاتي حول كيفية ولماذا نستخدم هذه التطبيقات، ما يمكن أن يؤدي إلى استخدام أكثر وعياً ونية.
النسخة المجانية من التطبيق تقدم إمكانية حظر تطبيق واحد فقط، ما يجعلها خياراً جيداً لتجربة فعالية التطبيق. بينما يقدم الإصدار Pro، مقابل رسوم سنوية تقارب 15 دولاراً، إمكانية حظر عدة تطبيقات، ما يوفر حلاً شاملاً للمستخدمين الراغبين في السيطرة على استخدامهم لمجموعة واسعة من التطبيقات.
- تطبيق Opal:
تطبيق Opal يقدم حلاً متقدماً للراغبين في التحكم بشكل أكبر في استخدامهم للتطبيقات الملهية خلال أوقات محددة من اليوم، مثل ساعات العمل أو الدراسة. من خلال السماح للمستخدمين بإنشاء "جلسات" تحدد فيها التطبيقات التي يجب حجبها لفترة محدودة، يعمل Opal على تقليل الإلهاءات وتعزيز الإنتاجية.
النسخة المجانية من Opal توفر إمكانية إنشاء جلسة واحدة، ما يسمح بتجربة فعالية الحظر على تطبيق محدد، مثل تيك توك أو إنستغرام، خلال أوقات العمل. هذا يمكن أن يساعد بشكل كبير في تقليل فقدان ساعات العمل التي غالباً ما تُهدر في التصفح دون وعي.
للمستخدمين الذين يبحثون عن حل أكثر شمولية، يُعرض Opal Pro الذي يأتي بتكلفة تقارب 100 دولار سنوياً أي 20 دولاراً شهرياً. على الرغم من السعر، يقدم هذا الإصدار القدرة على إنشاء جلسات غير محدودة ومتكررة، ما يوفر مرونة أكبر لمن يحتاجون إلى تقييد وصولهم إلى عدة تطبيقات على فترات زمنية متنوعة طوال اليوم.
- وسائل أخرى للحد من استخدام الهاتف
في حال كنت تجد أن وجود هاتفك بجانبك يشتت انتباهك باستمرار، فقد تفكر في تخصيص مكان معين له يتجاوز مجرد وضعه في درج المكتب. حامل الهاتف المخصص يمكن أن يكون حلاً مثالياً لذلك. شركة Bagby، على سبيل المثال، تقدم مجموعة من المنتجات المصممة لتقليل الاعتماد على الهاتف، بما في ذلك ساعات منبه تناظرية وجيوب هاتفية.
منتج Bagby Original، الذي يأتي على شكل حقيبة يمكن تعليقها على مقبض الباب، يُعتبر خياراً عملياً للغاية لأولئك الذين يرغبون في الاستماع إلى البودكاست أثناء القيام بالأعمال المنزلية دون الشعور بإغراء استخدام الهاتف لأغراض أخرى.
لأولئك الذين يجدون صعوبة في السيطرة على استخدامهم للهاتف، هناك خيار الصناديق المغلقة بأقفال، والتي تأتي مزودة بمؤقتات عد تنازلي رقمية وآليات قفل لمنع الوصول إلى الهاتف لفترة محددة. أحد هذه الصناديق، kSafe، يعد فعالاً بشكل خاص في تقليل الإلهاء بفضل تصميمه الذي يحجب الرؤية عن الهاتف.
ومع ذلك، يجدر بالذكر أن فعالية هذه الأدوات تعتمد بشكل كبير على الرغبة الشخصية في تقليل استخدام الهاتف والاستعداد لتغيير العادات والتفكير، حيث إن الاعتماد على مثل هذه الأدوات وحدها قد لا يكون كافياً دون وجود التزام حقيقي بتغيير السلوك.