على مدى الأعوام الأخيرة، يحذر الأطباء من أن مرض الكلى المزمن المرتبط بالإجهاد الحراري قد يصبح وباء صحياً عالمياً لملايين العمال حول العالم، وذلك بالارتباط مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية المتوقع خلال العقود المقبلة.
خطورة أمراض الكلى المرتبطة بالإجهاد الحراري وتفشيها في الدول الحارة
أوضحت صحيفة The Guardian البريطانية، توضيحاً لنوعية مرض الكلى الخطيرة المتعلقة بالإجهاد الحراري، وكيف أنها تسبب الوفاة ولا يمكن علاجها.
وعلى عكس الشكل التقليدي لمرض الكلى المزمن CKD، وهو فقدان تدريجي لوظائف الكلى يُلاحظ بشكل كبير بين كبار السن والمصابين بحالات أخرى مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، فقد ظهرت بالفعل أوبئة CKDu الكلوية غير القابلة للعلاج بشكل أساسي في المناطق الريفية الحارة حول العالم.
وهناك بدأ ارتفاع معدلات الوفاة بشكل كبير وغير مسبوق بين العمال والزراعيين بسبب الفشل الكلوي الذي لا رجعة فيه.
وبدأ تسجيل الأوبئة الكلوية أيضاً على أنها تؤثر على أعداد كبيرة من الأشخاص الذين يقومون بأعمال يدوية ثقيلة في درجات حرارة عالية، وذلك في أجزاء حارة من العالم مثل أمريكا الوسطى والشمالية والجنوبية والشرق الأوسط وإفريقيا والهند.
وظائف الكُلى في جسم الإنسان ومدى تأثرها بالحرارة المرتفعة
الكلى مسؤولة عن توازن السوائل في الجسم، مما يجعلها حساسة بشكل خاص لدرجات الحرارة القصوى، سواء الباردة بشكل قارس أو حارة بصورة حادة.
وهناك إجماع طبي عالمي على أنه يجب تعريف وباء CKDu الكلوي كإصابة مرتبطة بالإجهاد الحراري الحاد، وفيه يصاب الأشخاص بأضرار طفيفة في الكلى بصورة يومية أثناء تواجدهم في الحرارة المباشرة.
وهذا بدوره يمكن أن يتطور إلى مرض كلوي حاد أو فشل كلوي كامل بمرور الوقت، مسبباً الوفاة مباشرة.
وعادة ما لا يكون لهذا النوع من الإجهاد الحراري المتكرر على الكلى مصحوباً بالضرورة مع أي أعراض صحية واضحة، لذلك قد لا يعرف المصابون أنهم يمرضون بمرور الوقت إلى أن تسوء الأمور لدرجة ينتهي بهم المطاف معها بمرض الكلى الحاد في مرحلة نهائية.
دراسة جديدة كشفت العلاقة بين الاحتباس الحراري وارتفاع معدلات الإصابة
وكشفت أكبر دراسة في العالم للبحث في العلاقة بين التغيرات المناخية العالمية ومعدلات الإصابة بأمراض الكلى أن 7.4% من جميع حالات دخول المستشفيات في العالم بسبب أمراض الكلى يعود بشكل مباشر إلى ارتفاع درجة الحرارة.
ونُشرت نتائج الدراسة في مجلة The Lancet Regional Health العالمية، وامتدت في الفترة من 2000 إلى 2015. وتأتي الدراسة في الوقت الذي يركز فيه العالم على تأثير تغيّر المناخ في مؤتمر COP 26 بمدينة غلاسكو، الذي استمر حتى 31 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ملايين الوفيات سنوياً ترجع لأمراض الكُلى المرتبطة بارتفاع درجة الحرارة
في عام 2017، كشف مقال في ذات المجلة العلمية السالف ذكرها، أن أمراض الكلى تشكل مصدر قلق عالمي للصحة العامة، وقد قُدرت الإحصاءات الرسمية أن ما يقرب من 2.6 مليون حالة وفاة تُعزى إلى ضعف وظائف الكلى في ذلك العام وحده فقط.
والأهم من ذلك، أن معدل الوفيات الناجمة عن أمراض الكلى ارتفع بنسبة 26.6% مقارنة بالعقد السابق مثلاً، وهي زيادة تشير بحسب تلك الدراسة إلى أنها ناجمة عن تغيُّر المناخ بصورة كبيرة.
وبعد ملاحظة ما 2.73 مليون حالة لمصابين بأمراض الكلى تم تسجيلهم في المستشفيات، اتضح أنه مقابل كل زيادة بمقدار درجة مئوية واحدة في متوسط درجة الحرارة اليومية، هناك زيادة بنسبة 1% تقريباً في أمراض الكلى.
وبحسب The Lancet Regional Health، كان الناس الأكثر تضرراً هم النساء، والأطفال الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات، وكبار السن الذين تزيد أعمارهم على 80 عاماً.
وكانت الارتباطات بين درجة الحرارة المرتفعة ومعدلات تسجيل المصابين بأمراض الكلى في المستشفيات أكبر في يوم التعرض لدرجات الحرارة القصوى في البرازيل مثلاً، ولكنها بقيت مرتفعة كذلك لمدة يوم أو يومين بعد التعرُّض لمعدلات الحرارة المرتفعة الاستثنائية تلك.
أوبئة جديدة بسبب الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة
حذّر مقال علمي بمجلة New England البريطانية للطب، من حلول "حقبة جديدة من أزمات المناخ والصحة"، الذي فيه "تتفاقم الأمراض المعروفة وتتطور أمراض جديدة" بسبب الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة.
ولفت المقال إلى أنه من المحتمل أن يكون مرض الكلى المزمن مجرد واحد من العديد من الأمراض الحساسة للحرارة التي سيتم الكشف عنها والتعرُّض لها بوتيرة كبيرة وواسعة الانتشار حول العالم بسبب تغيُّر المناخ.
الفكرة الأساسية في هذه الحُقبة المُقلقة هي أنه عندما يتعرض الناس لفترات طويلة من الحرارة الشديدة، فإنهم يتعرَّقون بصورة أكبر. وإذا لم يتلقوا الترطيب اللازم وتناولوا كميات وافرة لتعويض المياه، أو لم يكن بإمكانهم الوصول إلى مياه شرب نظيفة، فإن الكلى، التي من المفترض أن ترشح وتفلتر النفايات وتنظِّم السوائل في الجسم، تتعرض للإجهاد الحاد.
وبمرور الوقت والتكرار بصورة مزمنة على هذا النمط، يمكن أن يؤدي هذا التوتر إلى حصوات الكلى والأضرار المزمنة غير القابلة للعلاج.
وبحسب موقع VOX الأمريكي، فإنه مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة وتضاعف الأيام الحارة التي باتت تسجِّل أرقاماً قياسية في السنوات الأخيرة، فإن خطر الإصابة بمشاكل الكلى -خاصة بين الفئات الضعيفة من السكان، مثل العاملين في الهواء الطلق وكبار السن- سوف يزداد بلا رادع.
العمل على إيجاد حلول لمشكلة الاحتباس الحراري خطوة أساسية
وتُعد الدراسة واسعة النطاق التي نشرتها مجلة The Lancet دليلاً قوياً على أنه يجب تطوير المزيد من السياسات لمنع ظاهرة دخول المستشفى المرتبط بالحرارة والتخفيف من آثار وتبعات تغير المناخ على الصحة.
وينصح الباحثون المشرفون على الدراسة بضرورة دمج التدخلات ومساعي معالجة الاحتباس الحراري بشكل عاجل في سياسة الحكومات.
علاوة على ضرورة استهداف أفراد معينين لكونهم أكثر عرضة لمخاطر ارتفاع درجات الحرارة، بما في ذلك الإناث والأطفال والمراهقون وكبار السن والرجال العاملون في الهواء الطلق مثل المزارعين وعُمَّال البناء، لأنهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض الكلى.