تُعد مشاعر الخوف أحد أكثر ردود الفعل الإنسانية أصالة بين البشر. وباختلاف الثقافات والأعراق والخلفيات يتعرض كل الناس للخوف في مناسبات مختلفة ومتنوعة، ودائماً ما تكون ردة فعل الجسم على مشاعر الخوف القوية متشابهة ومتطابقة بين الجميع، وهو رد فعل إنساني لا يمكن تجنُّب وقوعه.
وفي الغالبية العظمى من الحالات ينظر الناس إلى الخوف على أنه عاطفة غير سارة وغير حميدة، لكن البعض يبذل قصارى جهده لإثارته لديه من أجل استشعار إحساس معين بالمتعة، مثل أنشطة القفز بالمظلات أو مشاهدة الأفلام المرعبة.
وفي العادة، يمتلك الخوف ما يبرره، وذلك إما بعوامل خارجية مثل الخوف من اقتراب سيارة مسرعة، أو بسبب الأفكار وتسلسل الخيالات، مثل الخوف من الفشل أو الخوف من الحديث أمام الجماهير.
لماذا نشعر بالخوف في المقام الأول؟
الغريزة البشرية لطالما حمت الإنسان من أي عوامل للخطر، وبحسب علماء النفس التطوريين، امتلك الإنسان مشاعر الخوف وردة فعل القفز للوراء أو الاختباء والهرب لكي نقوم بحماية أنفسنا من أي خطر محدق. على سبيل المثال، لولا ردة فعل القفز والهرب أو الاحتماء عند الخوف لتمكنت الحيوانات المفترسة من التهام ملايين البشر على مرّ التاريخ القديم.
وبحسب موقع Medical News Today، فإن هذه المشاعر عملت وما زالت تعمل على حمايتنا من مختلف المخاطر.
كيف يتأثر الجسم بمشاعر الخوف؟
غالباً ما يشير الناس إلى التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في الجسم عند الشعور بالخوف على أنها استجابة القتال أو الهروب أو Fight or Flight Response.
وعند الخوف، يزداد معدل التنفس عند الشخص، ويرتفع معدل ضربات القلب وتضيق الأوعية الدموية الطرفية (في الجلد مثلاً)، وتتوسع الأوعية الدموية المركزية حول الأعضاء الحيوية لتغمرها بالأوكسجين والمواد المغذية، ويتم ضخ العضلات بالدم، لتكون جاهزة للتفاعل إما في الهرب أو في المواجهة والعراك.
وتصبح العضلات -بما في ذلك تلك الموجودة في قاعدة كل شعرة في الجسم- أكثر إحكاماً أيضاً، ما يؤدي إلى انتصاب الشعيرات، وهو ما يسمى بقشعريرة الجلد.
ومن الناحية الأيضية، ترتفع مستويات الجلوكوز في الدم، ما يوفر مخزوناً جاهزاً من الطاقة إذا دعت الحاجة إلى اتخاذ إجراء مثل الجري بسرعة كبيرة أو مواجهة عدو أو حيوان مفترس. وبالمثل تتزايد مستويات الكالسيوم وخلايا الدم البيضاء في مجرى الدم لتعزيز طاقة الجسم.
الخوف يسبب عشرات التغيرات في الدماغ والجسم
تبدأ استجابة القتال أو الهروب في اللوزة، وهي عبارة عن حزمة من الخلايا العصبية على شكل لوز تشكل جزءاً من الجهاز الحوفي في المخ. ويلعب هذا الجزء دوراً مهماً في معالجة وتوصيل المشاعر، بما في ذلك مشاعر الخوف.
ومن هناك، يقوم ناقل عصبي يسمى الغلوتامات بنقل الإشارة إلى أجزاء أكثر عمقاً في الدماغ أيضاً، وفقاً لأبيجيل مارش، باحثة علم النفس في جامعة جورج تاون، في فيديو لموقع Bitesize Science.
وتستطيع اللوزة تحفيز النشاط في منطقة ما تحت المهاد، والتي تنشِّط بدورها الغدة النخامية، حيث يلتقي الجهاز العصبي بنظام الغدد الصماء (الهرمون).
وتفرز الغدة النخامية هرمون قشر الكظر (ACTH) في الدم.
وفي هذا الوقت، يقوم الجهاز العصبي السمبثاوي -وهو قسم من الجهاز العصبي المسؤول عن استجابة القتال أو الهروب- بإعطاء دفعة للغدة الكظرية، ما يشجعها على ضخ جرعة من الإبينفرين في مجرى الدم.
ويفرز الجسم أيضاً هرمون الكورتيزول استجابةً لهرمون ACTH، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وسكر الدم وخلايا الدم البيضاء. ويحول الكورتيزول المتداول الأحماض الدهنية إلى طاقة.
وتعمل هرمونات الكاتيكولامين، بما في ذلك الأدرينالين والنورادرينالين، على تحضير العضلات للعمل بجهد أكبر من الطبيعي أو المعتاد للشخص.
وبحسب Medical News Today، يمكن لهذه الهرمونات زيادة نشاط القلب والرئتين، وتقليل النشاط في المعدة والأمعاء، ما يفسر الشعور بـ"الفراشات" في المعدة عند الخوف، وتمنع إنتاج الدموع وسيلان اللعاب، ومن هنا يحدث جفاف الفم المصاحب لمشاعر الخوف الشديدة، وتوسُّع بؤبؤ العينين يتم أيضاً لزيادة مدخول المعلومات المرئية، في حين تتراجع حاسة السمع في تلك اللحظة.
ويساعد الحصين، وهو منطقة الدماغ المخصصة أيضاً لتخزين الذاكرة، على التحكم في استجابة الخوف. وإلى جانب قشرة الفص الجبهي، وهي جزء من الدماغ يشارك في اتخاذ القرارات المهمة، تقوم هذه المراكز بتقييم التهديد.
لماذا نقفز للوراء عند الخوف؟
رد فعل الانتفاض أو الارتجاف والقفز للوراء هو رد فعل طبيعي لا إرادي لمحفز خارجي مفاجئ، وهو مصمم لحماية الجسم من أي هجوم مُحتمل.
ويبدأ رد الفعل ذلك في جزء من الثانية، ويبدأ كما سبق وأسلفنا في الرأس قبل أن ينتقل لأجسامنا، فنقبض على فكينا، وقد نغلق أعيننا، وتهتز أكتافنا، ونشد عضلات البطن، وتنثني أرجلنا.
كل ذلك يحدث في أقل من ثانية، وهي ردة فعل فطرية يمتلكها حتى الأطفال. ورغم أنها ردة فعل فإنها تتأثر بمشاعر الشخص وعلم النفس، إذ قد يكون بعض الناس أكثر ثباتاً من غيرهم عند التعرض لمشاعر الخوف والفزع المفاجئ.
وبحسب موقع Medium، هناك شرطان لكي ينتج رد فعل القفز للوراء، هما:
1- يجب أن يكون المُحفِّز صاخباً: بعد إجراء دراسات علمية في المختبر على الفئران، ردة فعل القفز ارتبطت بشكل وثيق بمستوى الديسيبل للأصوات التي تم تعريضها لها. وبغض النظر عن نوعية الصوت أو محتواه، كلما كان الصوت أعلى زادت حدة رد الفعل، والعكس صحيح.
2- يجب أن يكون غير متوقع: بالإضافة إلى حدة الصوت، يعمل عامل الاستعداد النفسي من عدمه دوراً محورياً في تأثر الجسم بحافز التخويف الخارجي، ومهما كان العارض الذي يحدث غير مخيف في حقيقته، من المتوقع أن يقفز الشخص من مكانه إذا ما سقط عليه فجأة قط لطيف من السماء.
لماذا -في أحيان أخرى- نتجمَّد من قوة مشاعر الخوف؟
رغم أن مشاعر الخوف في أساسها عبارة عن رد فعل لحماية الإنسان من المخاطر الوشيكة، قد يتساءل البعض ما هو دور ردة فعل التجمُّد في أماكننا في حالة حمايتنا من الأخطار؟
لكن بالنظر إلى علوم نفس الحيوانات، تتجمد معظمها لبضع لحظات قبل أن تقرر ما يجب عليها فعله بعد ذلك، وفقاً لمستوى الخطر الذي تعرضت له. وفي بعض الأحيان، يكون البقاء بلا حراك هو أفضل خطة للنجاة؛ على سبيل المثال بعض الثدييات الصغيرة أو المموهة جيداً يكون البقاء في سكون تام حيلة دفاعية قادرة على إنقاذ حياتها من الحيوانات المفترسة.
إدمان إثارة الخوف لتحقيق الاسترخاء
ومع ذلك، ما يجعل استجابات البشر للخوف مختلفة عن الحيوانات الأخرى هو أنه يمكن للإنسان معالجة هذا الخوف وكبحه بمجرد استيعاب وفهم أنهم ليسوا في خطر حقيقي.
وقد نشعر بالدهشة أو حتى الفزع للحظة، لكن وبدلاً من الهروب مثل الأرانب، نعيد تقييم الموقف ونكتشف أننا لسنا بحاجة إلى الرد بطريقة القتال أو الهروب.
حتى إن بعض الأشخاص يبحثون عن عمد عن تجربة الخوف؛ فيشاهدون أفلام الرعب، ويتحملون ركوب ألعاب الأفعوانية الشاهقة في مدينة الملاهي، ويفعلون كل ما يولّد لديهم شعوراً بالمخاطرة المباشرة.
وبحسب موقع Live Science العلمي، كشفت دراسات كيمياء الدماغ عند البحث في تأثير التعرُّض لمشاعر الخوف المُتعمدة، أن البشر يستمتعون بالعواقب الكيميائية التي تعقب اندفاع تلك المشاعر، وهو بالفعل شعور يمكن أن يكون مبهجاً ومثيراً للانتعاش.
إذ بمجرد توقف إشارات تحذير "القتال أو الهروب" في المخ، يطلق الدماغ الناقلات العصبية والهرمونات التي تحفِّز ما نسميه بنظام "الراحة والهضم". وفيه ينخفض معدل ضربات القلب، ويتباطأ التنفُّس، وتزول القشعريرة. وهو ما يسبب شعوراً بالراحة في الجسم.
ومع ذلك، قال طبيب الطوارئ روبرت جلاتر لذات الموقع، إنه إذا تدفقت كمية كبيرة من الأدرينالين إلى القلب، وبصورة متواصلة، فقد يؤدي ذلك إلى فشل هذا العضو والموت المحتوم.
ولا يقتصر هذا التهديد الصحي على مشاعر الخوف فحسب، بل إن أي عاطفة شديدة يمكن أن تؤدي إلى فيض من الأدرينالين، والكثير منه قادر على قتلك بالفعل.
ورغم أنه لا يمكن أبداً توقيف هذه الاستجابة العاطفية البشرية، فإن هناك أموراً مثل التأمُّل وتمارين التنفُّس وممارسة الرياضة، التي يمكنها المساعدة في البقاء أكثر هدوءاً، وحماية جسمك وأعضائك الحيوية من فرط التعرُّض لفوضى المواد الكيميائية المصاحبة لمشاعر الخوف.