أدى تحويل التدريبات الرياضية لشيء يمكن قياسه إلى ظهور توجُّه صاعد من التشكك في مجال اللياقة البدنية. إن ممارسة الرياضة عن طريق الألعاب يعني أمراً واحداً، إذا كان السير 10 آلاف خطوة يومياً يساعدك على التحرك أكثر.
هذه التكنولوجيا مفيدة، لكن عدادات السعرات الحرارية الموجودة في مجموعة متنوعة من الأجهزة الرياضية لها رأي آخر.
إن فكرة أنه يمكن حساب الجهد البدني المبذول بدقة في المشاركين المتباينين تشريحياً وفسيولوجياً مثيرة للسخرية، بحسب موقع Big Think الأمريكي.
وأصبحت فكرة أن حساب كمية السعرات الحرارية ليس أمراً دقيقاً بأي حال، مزحة متداولة بين مرتادي صالات دراجات التمارين الرياضية.
وينطبق الشيء نفسه على القوة الكهربائية، التي يمكن أن تختلف اختلافاً كبيراً بين دراجة وأخرى. والقياس ليس السبب؛ لكن السبب اعتقادنا أن اللياقة البدنية يمكن اختزالها في مجموعة من الأرقام. وفي عالم يحاول إخضاع كل شيء للقياس، لا تؤخذ كثير من المتغيرات في الاعتبار.
محور التركيز الرئيسي
عند الحديث عن السمنة، لا يعد مؤشر كتلة الجسم مقياساً دقيقاً لبنية الجسم. فجسم شخصٍ يزن نحو 83 كيلوغراماً ويبلغ طوله نحو 191 سم، يختلف كثيراً عن أجساد الرجال الذين يزنون الرقم نفسه لكن يبلغ طولهم نحو 175 سم، وأيضاً أولئك الذين يبلغ طولهم 190 سم تقريباً.
إن حساب مؤشر كتلة الجسم باستخدام معادلة: وزن الجسم مقسوماً على مربع طول القامة -مؤشر كتلة الجسم = الوزن بالكيلوغرام/مربع الطول بالمتر، قد يؤدي إلى نتائج مشابهة على الآلة الحاسبة، ولكن الواقع لا ينحصر في نتائج تخرج بها آلة.
وينطبق الشيء نفسه على القياس الأكثر شيوعاً في اللياقة البدنية، والذي نستخدمه كثيراً، لدرجة أن مناقشة أهميته تبدو هرطقة: وهو قياس السعرات الحرارية.
لسنوات طوال، كانت السعرات الحرارية محور التركيز الرئيسي في عملية خسارة الوزن. فمقولة "حساب كمية السعرات الحرارية التي تدخل إلى الجسم والتي يحرقها" تتردد كثيراً، لدرجة أن التشكيك فيها لا يعني شيئاً سوى أنه دلالة على الجهل بالبناء الأساسي للعنصر الغذائي.
في بعض الأحيان، يكون الاعتقاد بافتراض ما إهداراً كبيراً للطاقة.
يكتب بيتر ويلسون في مقاله النقدي الطويل، عن هوسنا بالسعرات الحرارية، قائلاً إن الطاقة تكمن في منشأ السعرات الحرارية، إذ كان الغرض الأساسي منها قياس كفاءة المحركات البخارية، وفي ستينيات القرن التاسع عشر بدأ العلماء الألمان بتطبيق هذه الوحدات على الطعام.
إذ شبَّه ويلبر أتووتر، وهو عالِم في الكيمياء الزراعية وُلد في نيويورك عام 1844، الغذاء الذي يدخل الجسم بالوقود الذي يغذي النار، بعد زيارته ألمانيا.
الجوهر الحقيقي للمشكلة
كان أتووتر على مدى عقود من الزمان، أستاذ التغذية والأيض، ولا بد من الاعتراف بفضله في الخروج بأفكار مبهرة. وكان بحث أتووتر المطول في قياس السعرات الحرارية الداخلة للجسم والتي يحرقها، تجسيداً لتقدم العلم في عصره. ولكن المشكلة هي أننا لا نعيش في القرن التاسع عشر. ويكتب ويلسون عن نصيحة أتووتر قائلاً:
"لقد نصح الفقراء بعدم تناول كثير من الخضراوات الخضراء الورقية، لأنها لا تحتوي على كمية الطاقة الكافية.
وفقاً لحساباته، لا فرق بين أن يكون مصدر السعرات الحرارية الشوكولاتة أو السبانخ: إذا كان الجسم يمتص طاقة أكبر من التي يستهلكها، فسيخزّن الفائض في صورة دهون بالجسم؛ وهو ما يؤدي إلى زيادة الوزن".
واليوم من الصعب أن نرى من يقول إن الشوكولاتة والسبانخ تؤديان إلى النتيجة نفسها، لكن حتى هذه الفكرة ليست سليمة؛ إذ ما هي نسبة الكاكاو إلى السكر؟ هناك اختلاف كبير بين أن تكون 70% و100%، وهي نقطة تطرَّق إليها ويلسون في تقييمه حول ما يُحتمل أنه الجوهر الحقيقي للمشكلة: الكربوهيدرات، خاصة في شكل مواد غذائية مصنَّعة.
"كل الكربوهيدرات تتفكك إلى سكريات، وهي المصدر الرئيسي لوقود الجسم. لكن السرعة التي يحصل بها جسمك على الوقود الغذائي يمكن أن تكون بأهمية كمية الوقود.
إذ يمتص الجسم الكربوهيدرات البسيطة بسرعة في مجرى الدم، وهو ما يوفر جرعة سريعة من الطاقة: يمتص الجسم السكر من علبة مشروب غازي بمعدل 30 سعرة حرارية في الدقيقة، مقارنةً بسعرتين حراريتين في الدقيقة من الكربوهيدرات المعقدة مثل البطاطس أو الأرز، وهذا أمر مهم، لأن ارتفاعاً مفاجئاً في السكر يؤدي إلى الإفراز السريع للأنسولين، وهو هرمون ينقل السكر من مجرى الدم إلى خلايا الجسم".
وهذا هو السبب في أن "عصائر الفواكه والخضراوات المستخدمة في الحِميات الغذائية" سخيفة؛ إذ أصبحت خالية من الألياف. ومن الجائز أنك لا تشرب سوى ماء وسكر؛ إذ يصبح امتصاص سكر الفاكهة بطيئاً بفضل هذه العصائر.
مقياس عديم الفائدة نسبياً
ونظراً إلى أن دهون المغذيات الكبرى مرتبطة بالمسببات البدنية للسمنة، فقد أدى الخوف على الصحة العامة إلى ظهور جميع أنواع المنتجات المعدَّلة في ثمانينيات القرن العشرين. وأصبحت عقلية "السعرات الحرارية وسيلة كافية لوصف مقدار الطاقة في الطعام" سائدة.
ومن المفارقات -ليست مفارقة كبيرة في الواقع- أن هذه الفكرة سادت بالوقت الذي بدأ فيه وباء السمنة. وذكر ويلسون أن معدلات السمنة تضاعفت ثلاث مرات عامي 1975 و2016.
سبق أن أشرنا إلى أن مؤشر كتلة الجسم يعدّ مقياساً عديم الفائدة نسبياً، ولكن الزعم بأن نظام قياس معيباً يجب أن يؤدي بالضرورة إلى بيانات غير دقيقة، سيكون خاطئاً بالقدر نفسه. إننا نعاني زيادة الوزن. وعلاوة على ذلك، تكشف معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري من النوع الثاني -يطلق عليها أمراض الترف- عمق مشكلة التغذية في عالمنا. من المؤكد أن الإفراط في تناول الطعام يمثل مشكلة يمكن أن تسبب زيادة الوزن، ولكن (ما) تأكله يسهم بالقدر نفسه في هذه المشكلة إن لم يكن بقدر أكبر.
قد يكون الجانب الأكثر إثارة للقلق في بحث ويلسون هو الكشف عن أن ملصقات التغليف أصبحت لا توضح السعرات الحقيقية بمنتجات الطعام بنسبة تتراوح بين 8 و20%؛ وفي بعض الأطعمة المجمدة المصنَّعة ترتفع النسبة إلى 70%.
تعتمد السعرات الحرارية الغذائية على الحرارة التي يخرجها الطعام في الفرن وليس داخل الجسم البشري. ويكتب ويلسون قائلاً: "تستغرق الرحلة الفعلية للطعام من الصحن الذي يحويه إلى المرحاض في المتوسط نحو يوم واحد، ولكن يمكن أن يتراوح الوقت الذي تستغرقه بين 8 و80 ساعة حسب طبيعة كل شخص".
للبشر أشكال وأحجام شتّى
وليس هذا هو العامل الوحيد الذي يحكم طريقة تخزين كل منا الدهون، إذ يؤدي تكوين الميكروبيوم داخلنا دوراً مهماً في الصحة الغذائية؛ ومقدار النوم والوقت الذي نأكل فيه يؤديان دوراً أيضاً، بل حتى طول الأمعاء يعد عاملاً مهماً.
إن فكرة "السعرات الحرارية الداخلة للجسم، والتي يحرقها" ليست إحدى البديهيات البليغة، بل إنه تقييم كسول خرج به علينا أولئك الذين لا يرغبون في فهم تعقيد صناعة الأغذية الحديثة وقوى الشركات التي تبيعنا الوهم.
عملتُ 15 عاماً في مجال اللياقة البدنية، وخلال ذلك الوقت رأيت عشرات الآلاف من الأجساد في التمارين. إن للبشر أشكالاً وأحجاماً شتّى.
ويمكن أن يأكل بعض الناس كل ما يشتهونه حقاً دون أن يزيد وزنهم كيلوغراماً واحداً؛ في حين قد يكتفي آخرون بتناول الورقيات ويظلون على بدانتهم.
إن الاهتمام الزائد بحساب السعرات الحرارية ليس علامة على الصحة، بل حالة من الأورثوركسيا، التي تؤدي إلى تكوُّن الكوليسترول، وهو عامل آخر يسهم في زيادة الوزن. ولا يخدعنك بريق البساطة.
إذ يعد وزن الجسم ظاهرة متعددة المتغيرات. والتظاهر بوجود حل واحد يناسب جميع الأحجام لا يخدم سوى غاية واحدة: هي ضمان أن تظل الرفوف ممتلئة بكتب الحِمية الغذائية مخفضة الثمن. إنَّ توجُّه العام الحالي دائماً ما يكون التوجه نفسه للعام الذي يليه وهو: "كيف سلّمنا بذلك؟".