يصادف اليوم 2 أبريل/نيسان 2019 اليوم العالمي الثاني عشر للتوعية بالتوحد. في هذا النهار، تكرس المؤسسات العامة والخاصة جهودها لمحاربة التوحد، وتنظم عدة أنشطة وفعاليات وحملات توعية لزيادة الوعي العالمي باضطراب طيف التوحد الذي يصيب ملايين الأطفال والكبار.
ما هو مرض التوحد؟
اضطراب طيف التوحد (ASD) ليس مرضاً عقلياً، وإنما اضطراب بالنمو يؤثر في التواصل والسلوك، وهو ما يجعل المصاب به يبدو غير طبيعي، ويُظهر خللاً في تفاعله الاجتماعي.
على الرغم من أنه يمكن تشخيص التوحد في أي عمر، فإنه يوصف بـ "اضطراب نمو"، لأن الأعراض تظهر بشكل عام في أول عامين من الحياة.
يُعرف التوحد بأنه اضطراب "الطيف"، لوجود تباين واسع في نوع وشدة الأعراض التي يعانيها المريض.
ورغم أن ASD يمكن أن يبقى مدى الحياة، فإن العلاجات والخدمات قد تحسّن أعراض الشخص وقدرته على العمل.
تم اكتشاف التوحد على يد طبيب نفسي أمريكي من أصل نمساوي يدعى ليو كانر، وهو عالم وباحث اهتم بإجراء دراسات وأبحاث عن التوحد.
كان يجري دراسة عن مجموعة من الأطفال يعانون قدرات عقلية منخفضة، وعندما درس طبيعة سلوكهم وجد أنّهم يتميزون بالانغلاق على ذاتهم والميل إلى العزلة والبعد عن التواصل الاجتماعي، ورغبتهم في تكرير أنماط سلوكية معينة كترتيب الأشياء بشكل معين.
أعراض وسمات التوحد
هناك مجموعة من السلوكيات التي تظهر في الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بـASD.
ليس شرطاً أن يُظهر جميع الأشخاص الذين يعانون ASD كلَّ هذه السلوكيات، ولكن معظمهم سيُظهرون بعضها:
- تجنُّب النظر إلى الناس أو الاستماع إليهم.
- عدم الاستجابة، أو التباطؤ، للرد على شخص يحاول الحديث معه.
- مواجهة صعوبة في استكمال الحوار.
- غالباً ما يتحدث بإسهاب عن موضوع مفضَّل، دون ملاحظة أن الآخرين غير مهتمين أو دون إعطاء الآخرين فرصة للرد.
- تعبيرات الوجه والحركات والإيماءات لا تتطابق مع ما يقوله.
- وجود نغمة صوت غير معتادة قد تبدو مماثلة للروبوت.
- مواجهة صعوبة في فهم وجهة نظر شخص آخر، أو عدم القدرة على فهم ما يشعر به الآخرون.
- قد تشمل السلوكيات المتكررة مثل تكرار الكلمات أو العبارات أو تكرار الحركات كالاهتزاز من جانب لآخر.
- الاهتمام بمواضيع معينة طوال الوقت.
- الشعور بالاستياء حين تحدث تغييرات طفيفة في الروتين الذي اعتاده.
- قد يعاني الأشخاص الذين يعانون ASD مشاكل في النوم.
- ترتيب الألعاب أو الأشياء بطريقة منظّمة جداً.
- قد تكون لديهم بعض نقاط القوة، وضمن ذلك القدرة على تعلم الأشياء بالتفصيل، وتذكُّر المعلومات فترات طويلة من الزمن، والتفوق في الرياضيات أو العلوم أو الموسيقى أو الفن.
- ممارسة بعض الأفعال العنيفة مثل: ضرب الرأس، أو عض الجسم.
كيف نكتشف التوحد؟
يمكن تشخيص التوحد بشكل موثوق به في سن الثانية. من المهم الذهاب إلى الطبيب وإجراء تشخيص والبدء في العلاج.
يجب أن يتلقى كل طفل فحوصاً جيدة مع طبيب مختص أو أحد مقدمي الرعاية الصحية في مرحلة الطفولة المبكرة.
غالباً ما يتم التعرف على أعراض التوحد عند الأطفال الأكبر سناً والمراهقين الذين يلتحقون بالمدرسة من قِبل أولياء الأمور والمدرسين.
قد يقوم فريق المدرسة بإجراء تقييم أوليّ، ثم يوصي هؤلاء الأطفال بزيارة طبيب الرعاية الصحية الأولية أو الأطباء المتخصصين، لإجراء اختبارات إضافية.
بإمكان الوالدين التحدث مع هؤلاء المتخصصين عن الصعوبات الاجتماعية التي تواجه أطفالهم، وضمن ذلك مشاكل التواصل.
أحياناً، تتضمن مشكلات التواصل هذه مشاكل في فهم نغمة الصوت أو تعبيرات الوجه أو لغة الجسد.
وقد يواجه الأطفال الأكبر سناً والمراهقون صعوبة في فهم شخصيات الكلام أو الفكاهة أو السخرية.
أما الآباء، فيجدون أن أطفالهم يواجهون مشكلة في تكوين صداقات مع أقرانهم.
غالباً ما يكون تشخيص التوحد عند البالغين أكثر صعوبة من تشخيص التوحد عند الأطفال، لأنه من الممكن أن تتداخل بعض أعراض التوحد مع أعراض اضطرابات الصحة العقلية الأخرى، مثل القلق أو اضطراب نقص الانتباه/فرط النشاط (ADHD).
أسباب مرض التوحد
على الرغم من أن العلماء لا يعرفون الأسباب الدقيقة للإصابة بالتوحد، فإن الأبحاث تشير إلى أن الجينات يمكنها أن تعمل مع التأثيرات البيئية للتأثير على نمو الطفل بشكل يؤدي إلى إصابته بالتوحد.
على الرغم من أن العلماء لا يزالون يحاولون فهم سبب إصابة بعض الأشخاص بالتوحد، فإنهم حددوا بعض عوامل الخطر التي قد تؤدي إلى الإصابة بمرض التوحد:
- إصابة أحد أفراد العائلة بمرض التوحد.
- وجود خلل أو اضطراب في الجينات.
- وجود حالات وراثية معينة.. الأشخاص الذين يعانون حالاتٍ مثل متلازمة داون ومتلازمة X الهشة هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بمرض اضطراب طيف التوحد.
- انخفاض الوزن عند الولادة.
- وجود مشكلة في تكوين الدماغ والجهاز العصبي.
أنواع التوحد
هناك كثير من أنواع التوحد، بإمكان الطبيب المختص أن يميز بينها ويبين طريقة التعامل معها، ومن أهم أنواع التوحد ما يلي:
متلازمة أسبرجر
يعود هذا الاسم إلى الطبيب النمساوي الذي اكتشف هذا المرض عام 1944، ويُدعى هانز أسبرجر.
قد يتأخر اكتشافها أحياناً حتى البلوغ، لكنها تبدأ في مراحل مبكرة من العمر، تتراوح بين فترة الرضاعة وفترة الطفولة المبكرة.
المصاب بمتلازمة أسبرجر ليست لديه صعوبات التعلم التي يعانيها كثير من المصابين بالتوحد، ويتمتعون بحصيلة لغوية لا بأس بها على الرغم من مواجهتهم صعوباتٍ في التخاطب والتعبير.
يحس المريض بمن حوله ويتعرف عليه ولكنه يعجز عن تكوين علاقات، أي إنّ تواصله الاجتماعي أقل خطورة من التوحد العادي.
إضافة إلى ذلك، يحصر حديثه مع من يرتاح إليه، وقد يتجنب الحديث مع الغرباء.
كما أن لديه سوء تواصل بصري أو يميل إلى التحديق في الآخرين، وليست لديه قدرة على فهم وتمييز الأحاديث المضحكة.
يفضل المصاب بمتلازمة أسبرجر العمل وفق جدول زمني صارم أو روتين، والتركيز الشديد على اهتمامات ومواضيع متنوعة كالرسم أو الكتابة أو التكنولوجيا، لأنها تدفع عقله إلى التركيز وتخلِّصه من حالة التشتت والقلق الاجتماعي، فتبث فيه شعوراً بالراحة.
متلازمة ريت
متلازمة ريت هي اضطراب عصبي وراثي نادر يؤثر في طريقة نمو الدماغ.
يحدث بشكل حصري تقريباً عند الفتيات، ويؤدي إلى حدوث عجز في استخدام العضلات لحركات العين والجسم.
ويؤثر هذا في كل جانب من جوانب حياة الطفلة تقريباً: قدرتها على التحدث والمشي والأكل وحتى التنفس بسهولة.
تم تحديد هذا الاضطراب بواسطة الدكتور أندرياس ريت، وهو طبيب نمساوي وصفه لأول مرة بمقال صحفي في عام 1966.
ولم يتم الاعتراف بهذا الاضطراب إلا بعد مقال ثانٍ نشره الباحث السويدي الدكتور بينجت هاجبيرغ عام 1983.
تتميز هذه المتلازمة بالنمو والتطور الطبيعي للطفل يليه تباطؤ النمو، وفقدان الاستخدام الهادف لليدين وضعف القدرة على التواصل وتباطؤ نمو الدماغ والرأس، إضافة إلى مشاكل في المشي. وبمرور الوقت، يعاني الأطفال مشاكل متزايدة في استخدام العضلات التي تتحكم في الحركة، والتنسيق والتواصل. يمكن أيضاً أن تؤدي متلازمة ريت إلى حدوث نوبات وإعاقات ذهنية.
متلازمة كانر (التوحد الكلاسيكي)
وهو اضطراب خطير في الطفولة المبكرة عادة في السنوات الثانية أو الثالثة من العمر.
يتميز المصاب به بعدم الاستجابة للبشر الآخرين، مع غياب أو وجود خلل في تطوير اللغة والكلام وخلل في السلوك، ترافقها نوبات الغضب المتكررة، وعدم الاهتمام بعواطف ومشاعر الآخرين، والمقاومة الشديدة للتغييرات.
سميت المتلازمة بهذا الاسم نسبة إلى ليو كانر، مكتشف التوحد.
الانحلال الطفولي
في الانحلال الطفولي يتعلّم الطفل المهارات ويكون طبيعيّاً كغيره من الأطفال، ولكن بعد عامين من عمره يصبح الطفل عدوانيّاً.
يفقد مهاراته اللغوية وقدرته على التواصل، ويتعثر في الحديث، ويعزف عن اللعب مع أصدقائه، وتتدهور قدرته الحركية.
اضطراب النمو الشامل
يعاني هؤلاء الأطفال مشاكل في التواصل الاجتماعي، والنمو بشكل عام، وتكون شبيهة بأعراض التوحد الكلاسيكي، ولكنها أخف وأقل حدة.
يعاني المريض انعدام التواصل البصري، وعدم القدرة على إظهار استجابة عاطفية للآخرين، مع التأخر في المشي والتحدث عن بقية الأطفال الطبيعيين.
يتعلم هؤلاء الأطفال التعامل مع هذه التحديات بسهولة أكبر من الأطفال الذين يعانون أشكالاً أشد من اضطراب طيف التوحد.
علاج التوحد
يجب أن يبدأ علاج ASD في أسرع وقت ممكن بعد التشخيص.
تعتبر المعالجة المبكرة للاضطراب مهمة، لأن الرعاية المناسبة يمكن أن تقلل من الصعوبة التي يجدها الأفراد في التواصل الاجتماعي، وتساعدهم على تعلُّم مهارات جديدة والاستفادة القصوى من نقاط قوتهم.
لا يوجد علاج دوائي شافٍ لمرض التوحد إلى الآن، لكن الأدوية المحددة يمكن أن تساعد في السيطرة على أعراض التوحد.
على سبيل المثال، يمكن وصف بعض أدوية مضادات الاكتئاب والقلق، وهناك أدوية قد توصف لعلاج اضطرابات النوم وغير ذلك.
يعد العمل عن قرب مع طبيب أو أخصائي رعاية صحية خطوة مهمة للعثور على برنامج العلاج المناسب الذي سيساعد في التخفيف من الأعراض اللغوية والسلوكية المصاحبة ودعم عملية النمو ومهارات التعلم.
الأطفال الذين يعانون اضطراب طيف التوحد غالباً ما يستجيبون بشكل جيد للبرامج التعليمية عالية التنظيم.
تشمل البرامج الناجحة عادة فريقاً من المتخصصين ومجموعة متنوعة من الأنشطة لتحسين المهارات الاجتماعية والتواصل والسلوك.
أما أطفال مرحلة ما قبل المدرسة الذين يتلقون تدريبات سلوكية فردية مكثفة، غالباً ما يُظهرون تقدماً جيداً.
البرنامج العلاجي الأكثر شيوعاً هو تحليل السلوك التطبيقي (ABA)؛ وهو يساعد الأطفال على تعلم مهارات جديدة والاستفادة منها في مواقف متعددة من خلال نظام التحفيز القائم على المكافآت.
وهناك أيضاً برامج علاجية أخرى، أهمها:
نموذج دنفر للتدخل المبكر:
يعتبر نموذج البداية المبكرة دنفر (ESDM) علاجاً سلوكياً للأطفال المصابين بالتوحد الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و48 شهراً.
يعتمد على طرق تحليل السلوك التطبيقي (ABA).
يستخدم الآباء والمعالجون اللعب لبناء علاقات إيجابية وممتعة. يركز البرنامج على تعليم الطفل بناء علاقات إيجابية وتشجيعه على تعزيز المهارات اللغوية والاجتماعية والمعرفية.
يحدث التدريس في أثناء اللعب الطبيعي والأنشطة اليومية، للتشجيع على التفاعل والتواصل.
العلاج السلوكي اللفظي
يشجع هذا النهج الأشخاص المصابين بالتوحد على تعلم اللغة عن طريق ربط الكلمات بأهدافهم. يتعلم الطالب من خلال Verbal behavior أن الكلمات يمكن أن تساعدهم في الحصول على الأشياء أو النتائج المرجوة.
علاج الاستجابة المحورية
يساعد هذا العلاج الطفل في الاستجابة للتلميحات التحفيزية وبدء التفاعل الاجتماعي، وإبعاده عن السلوكيات التخريبية، مع الحرص على تنمية السلوكيات الاجتماعية الإيجابية.
العلاجات العائلية
بإمكان الآباء وأفراد الأسرة الآخرين تعلُّم كيفية اللعب والتفاعل مع أطفالهم بطرق تعزز مهارات التفاعل الاجتماعي، وإدارة المشكلات والصعوبات، وتعليم مهارات الحياة اليومية والتواصل.
هل هناك علاقة بين التوحد والذكاء؟
هناك عدد من الصور النمطية حول مرض التوحد، من ضمنها الاعتقاد السائد بأن المصابين بالتوحد يتمتعون بقدرات فكرية غير عادية، إلا أن العلاقة بين التوحد والذكاء غير واضحة.
بحسب صحيفة Daily Mail، أعلن العلماء اكتشاف 40 جيناً جديداً مرتبطة بالذكاء البشري، وتبين أيضا أن بعض الأشخاص، الذين تتوافر لديهم تلك الجينات يقعون في نطاق الإصابة بالتوحد.
وهو ما نقضته دراسة صينية حديثة أُجريت على 27 طفلاً مصاباً بالتوحد، من أجل تقييم الذكاء باستخدام مقياس الذكاء الخاص بشركة Wechsler.
كانت لدى مجموعة ASD درجات أقل بكثير في محصلة الذكاء على الفهم اللفظي والمنطق الإدراكي وسرعة المعالجة والذاكرة.
هذه الدراسات الموضوعية لا تدعم اعتقاد أن الأطفال المصابين بالتوحد لديهم قدرات استثنائية في الرياضيات.
قد يكون الأداء اللفظي والاجتماعي للأطفال المصابين بالتوحد يجعل مَن حولهم يتوقعون أن يكونوا دون المستوى المتوسط للأداء؛ وهو ما يؤدي إلى الانبهار بمهارات الرياضيات المتوسطة لديهم.
أيضاً، قد يعمل بعض الأطفال المصابين بالتوحد بجهد أكبر في الرياضيات عندما يتلقون تعزيزاً إيجابياً لأدائهم المتوسط، وهو ما يزيد قدراتهم من خلال الممارسة والاهتمام بالمواد.