لعل الإصابة بمرض السرطان هي أكثر ما يخشاه الإنسان المعاصر، بل إن العديد من الناس يرفضون حتى النطق باسمه. البعض يذهب إلى دفع الأموال الإضافية لشراء الأطعمة العضوية الخالية من المبيدات. فهل هذا كافٍ؟
وهل الأغذية الخالية من المبيدات حقاً هي وحدها العامل المتحكم في زيادة خطر الإصابة بالسرطان، أم أن هناك عوامل أخرى لا بد من أن تؤخذ في الحسبان؟
بحث نشر في JAMA Internal Medicine وجد بالفعل أن الأشخاص الذين اختاروا تناول المزيد من الأطعمة العضوية على مدار 4.5 أعوام كانت لديهم معدلات أقل من السرطان، وعلى وجه الخصوص سرطان الغدد الليمفاوية وسرطان الثدي بعد انقطاع الطمث.
والأغذية العضوية هي الطعام الذي ينتج بنظام زراعي يتجنب استخدام الأسمدة الصناعية والمبيدات الحشرية وعوامل النمو والإضافات الصناعية للأعلاف الحيوانية والكائنات المعدلة وراثيا.
وفي حين أن هناك علاقة متبادلة بالفعل بين تناول الأطعمة العضوية وانخفاض معدلات الإصابة بالسرطان، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن أولهما سبب لحدوث الآخر.
فمن المرجح أن يكون الأشخاص الذين يختارون الأطعمة العضوية أكثر صحةً وأكثر ثراءً وأفضل تعليماً، وهي كلها عوامل تؤثر على خطر الإصابة بالسرطان.
الأطعمة العضوية تحمي من السرطان ولكن هناك بديل..
كما أشار الباحثون لموقع The Conversation، فإن هذه هي الدراسة الأولى من نوعها.
لذلك يجب تأكيد نتائجها من خلال دراسات أخرى قبل اقتراح الغذاء العضوي كاستراتيجية وقائية (ومكلفة) ضد السرطان.
مع ذلك فقد وجد بحث سابق أيضاً أن تناول كميات أكبر من الفاكهة والخضراوات والحبوب الكاملة، وانخفاض تناول اللحوم الحمراء والمجهزة يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالسرطان.
لذا، إذا كنت لا ترغب في شراء منتجات عضوية، أو لا تستطيع تحمُّل ثمنها، فلا بأس من شراء الأطعمة النباتية التقليدية، خاصة إذا كان هذا يعني أنك تأكل المزيد من الفاكهة والخضراوات.
ويمكن أن تتخذ خطوةً صحيةً إضافية بأن تزرع ما تحتاجه من خضراوات وفاكهة، في الشرفة أو على سطح منزلك.
دراسة فرنسية ضخمة راقبت ما يتناوله متطوعون لـ4 سنوات فقط
كان هذا البحث جزءاً من دراسة NutriNet-Santé الفرنسية، وشمل ما يقرب من 70 ألف متطوع غير مصابين بالسرطان.
وفي بداية الدراسة، تم تقييم النظام الغذائي لكل المشاركين على أساس المبادئ التوجيهية الغذائية الفرنسية.
راقبوا استهلاكهم للطعام والشراب طوال 24 ساعة على مدار أسبوعين. وبعد شهرين من الدراسة، طُلب من المشاركين تقديم معلومات محددة حول استهلاكهم لـ16 فئة من الأطعمة العضوية.
ويشمل ذلك الفواكه والخضراوات ومشتقات الصويا ومنتجات الألبان واللحوم والأسماك، وما إلى ذلك.
ثم أُعطي المشاركون "درجة الغذاء العضوية".
أي إذا تناولوا الأطعمة المنتجة عضوياً في جميع الفئات، يحصلون عندها على 32 درجة كحد أقصى.
ثم تم تقييم صحة كل مشارك كل عام ومراقبته لفترة معدلها 4 سنوات ونصف السنة.
لاحظت تراجع الإصابة ببعض أنواع السرطان
تراوحت درجات الغذاء العضوية للمشاركين من 0.7 إلى 19.4.
استخدمت هذه الدرجات لتقسيم المجموعة إلى أرباع متساوية.
وكان خطر الإصابة بالسرطان أقل بنسبة 25% لدى أولئك الذين حصلوا على أعلى درجة في الغذاء العضوي.
كانت السرطانات التي تُبين الارتباط الأعظم في انخفاض خطرها مع الغذاء العضوي هي سرطان الثدي (وخاصة في النساء بعد انقطاع الطمث) والليمفوما (وخاصة سرطان الغدد الليمفاوية غير هودجكين).
ولم تظهر أي علاقة مع سرطانات البروستاتا أو القولون والمستقيم، على الرغم من أن الإطار الزمني القصير نسبياً لم يكن كافياً لإظهار أي تغيير.
لكن تداخل العوامل الأخرى يصعّب الجزم بأن الأطعمة العضوية هي السبب وحدها
دراسات سابقة كشفت أن الأشخاص ذوي الدخل الأعلى والمستوى التعليمي المتقدم يميلون إلى شراء المنتجات العضوية.
لذلك ضبط الباحثون هذه العوامل إحصائياً لتحييدها.
كما ضبطوا العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر على النتيجة: العمر والجنس والشهر الذي أدرج فيه المشاركون في البرنامج، والحالة الاجتماعية، والنشاط البدني، وحالة التدخين، وتناول الكحول، والتاريخ العائلي للسرطان، ومؤشر كتلة الجسم، والطول، واستهلاك الطاقة، وتناول الألياف الغذائية، وأيضاً اللحوم الحمراء والمجهزة.
بالنسبة للنساء (78% من مجموعة الدراسة)، فقد أحصوا عدد مواليدهن، ووسائل منع الحمل الفموية، وحالات ما بعد سن اليأس والعلاج الهرموني من أجل انقطاع الطمث.
لكن على الرغم من أن الباحثين حاولوا ضبط نتائجهم في ظل هذه العوامل المتداخلة، فإنه من الصعب أن تكون صحة النتائج قاطعة.
فالمشاركون الذين حصلوا على درجة عالية من الغذاء العضوي كان لهم نظام غذائي صحي بشكل عام.
إذ يتناولون فيه كميات أكبر من الفواكه والخضراوات وكميات أقل من اللحوم الحمراء والمصنعة، وانتشار السمنة أقل.
فهل كانت المبيدات الحشرية في المنتجات التقليدية هي التي ترتبط ببعض أنواع السرطان، كما افترض الباحثون؟
أم أن أولئك الذين يختارون منتجات عضوية أكثر من الأطعمة التقليدية لديهم أنظمة غذائية أفضل وأنماط حياة صحية؟
هذا البحث لا، ولن يستطيع أن يحسم الإجابة.
خبراء يطالبون بدراسات أكثر حول الموضوع
في عام 2015، صَنَّفت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان أو International Agency for Research on Cancer بعض مبيدات الآفات على أنها "مسببة للسرطان على الأرجح للإنسان".
وهذا يعني أن هناك أدلة محدودة على وجود صلة بين استخدام مبيدات الآفات والسرطان في البشر، لكن هناك أدلة كافية على وجود صلة بين استخدام مبيدات الآفات والسرطان في الدراسات التجريبية على الحيوانات.
هناك أيضاً دليل على أن الأشخاص الذين يستهلكون منتجات أكثر نمواً عضوياً لديهم مستويات أقل من بقايا مبيدات الآفات في بولهم.
وتظهر بعض الأبحاث أن تناول المنتجات العضوية المُبلّغ عنها ذاتياً يمكن استخدامه للتنبؤ بمستويات بولية من المستقلبات ذات الصلة ببعض مبيدات الآفات.
لذلك فهي مساحة تستحق المزيد من البحث.
والطريقة المثلى لحسم الأمر مكلفة في الوقت والمال
لعل الطريقة المثلى لدراسة هذه المسألة في المستقبل هي مراقبة معدلات السرطان في مجموعة من الأشخاص المتشابهين.
على أن تُعطى نصف العينة البحثية كميات محددة من الأطعمة المزروعة عضوياً.
أما النصف الآخر فيعطى نفس الكمية من نفس نوع الأطعمة، ولكن من تلك التي تزرع تقليدياً.
ويمكن بعد ذلك تقييم مستوياتها عبر مراقبة معدل الإصابة بالسرطان على مدى عدة سنوات بدقة أكبر.
لكن الوقت والتكاليف لإجراء مثل هذه الدراسة يجعل من غير المحتمل أن تحدث.