يجد مرضى السرطان في الجزائر أنفسهم في مواجهة متاعب لا حصر لها، بدءاً بنقص المرافق وتأخر ضبط المواعيد العلاج بالأشعة ، التي تصل أحياناً إلى 6 أو 8 أشهر ببعض مراكز مكافحة السرطان، على قِلتها، وصولاً إلى الداء نفسه الذي يفتك بـنحو 42 ألف شخص، ما يعادل 103 حالات جديدة لكل 100 ألف نسمة.
تزدحم قاعة الانتظار بمركز "بيير وماري كوري" بمستشفى مصطفى باشا بقلب الجزائر العاصمة، بمئات مرضى السرطان في الجزائر ، القادم أغلبهم من ولايات داخلية من أجل مباشرة حصة العلاج بالأشعة التي كثيراً ما انتظروها.
ربما كان ذلك بعد ستة أو ثمانية أشهر.
قليل منهم مَن يكون موعد علاجه أقل من ذلك. السؤال المُلح هنا: ليس عن موعد العلاج، لكن هل يصل فعلاً الموعد دون أن تنتكس حالاتهم الصحية؟ المحظوظ منهم من يصل موعد العلاج ولم ينتكس بعد، والمحظوظون أكثر من يلجأون للمصحات الخاصة أو يسارعون للخارج، تجنباً لأي مضاعفات صحية.
مركز وحيد لعلاج مرضى السرطان في الجزائر
تقول إحدى السيدات "قدمت من إحدى الولايات التي تبعد عن العاصمة بأكثر من 400 كلم من أجل العلاج من سرطان الثدي". وتضيف: "اضطر ابني الوحيد لكِراء السيارة مقابل أكثر من 5000 دينار، من أجل عدم تضييع الموعد الذي انتظرته طيلة أشهر كاملة".
بينما تشكو أخرى حالة الفوضى التي تشهدها الصالة، مشدّدة على أن "المستضعفين لا مكان لهم بهذا المكان". وأشارت إلى تجاوز البعض لأدوارهم بالطابور "منذ ساعات الفجر الأولى وأنا مسمرة بمكاني أنتظر دوري، بينما تجاوزنا منتصف النهار"، على حد قولها.
هذه عينة لحالة من الفوضى التي يعيشها المركز الأكبر من نوعه بالبلد، لكن الحقيقة أن المركز يشهد حالات فوضى وازدحام على مدار السنة من طرف مرضى السرطان في الجزائر ، تتعدى المعقول أحياناً، بسبب غياب مراكز مماثلة ببقية جهات البلد، لكن السلطات أعلنت، أخيراً، أن "مشكلة الضغط الذي يعاني منه مركز مكافحة السرطان "بيير وماري كوري" بمدينتي الجزائر العاصمة والبليدة (50 كلم جنوبي) ستحل نهائياً مع فتح أربعة مراكز جديدة خلال 2019″، بحسب ما كشف مسؤول بوزارة الصحة الجزائرية.
سرطان الثدي عند النساء والقولون للرجال
وتواجه السلطات الجزائرية ومعها المصابون بالداء الخبيث تحديات كبرى، تتعلق أساساً بكيفية مواجهته في ظلِّ فتكه بآلاف الجزائريين بشكل رهيب، موازاة مع نقص فادح جداً في توافر مراكز مكافحته.
في هذا الشأن كشفت إحصاءات رسمية قدَّمتها مديرة فرعية بوزارة الصحة الجزائرية جميلة نذير، خلال لقاء وطني، الأسبوع الماضي، وخصص لعرض الوضعية الوبائية للداء استناداً إلى معطيات الشبكة الوطنية لسجلات السرطان، عن تسجيل نحو 42 ألف حالة خلال سنة 2016، بزيادة 7% ما يعادل 103 حالات جديدة لكل 100 ألف نسمة.
وبحسب المصدر ذاته فإن سرطان الثدي يتصدر أنواع السرطانات لدى المرأة، متبوعاً بسرطان القولون والمستقيم وعنق الرحم والغدة الدرقية. كما يأتي سرطان القولون والمستقيم في المقدمة لدى الرجل، متبوعاً بسرطان البروستاتا والرئة والمثانة.
وذكرت رئيسة الشبكة الوطنية للسجلات، الأستاذة دوجة حمودة، بالتفصيل، أن سرطان الثدي يأتي في مقدمة أنواع السرطانات المنتشرة بالجزائر، بتسجيل 10 آلاف حالة جديدة سنوياً، مؤكدة أن ذلك "يشكل آفة وطنية تستدعي التكفل به بصفة عاجلة عن طريق الكشف المبكر".
مخطط وطني لدعم مرضى السرطان في الجزائر
وأشارت إلى أن نسبة التعرض للإصابة بالسرطان لدى الجزائري في سن 70 تقدر بـ14% لدى الرجل، و15% لدى المرأة، معتبرة إياها "نسبة منخفضة جداً مقارنة ببعض الدول المتقدمة"، على حد تعبيرها.
من جهتهم أشار الخبراء، خلال اللقاء الوطني، أن "عدد حالات السرطان شهد تراجعاً نسبياً في سنة 2016، مقارنة بالسنة التي سبقتها"، لكنهم "حذَّروا من احتمالية ارتفاعها مستقبلاً نظراً لعوامل بيئية، والسلوكيات الفردية، وشيخوخة السكان لتصل إلى نسبة 61 ألف حالة سنوياً، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية للحد من هذا الداء، الذي وصفوه بـ "الوباء العالمي".
وشدَّدوا على ضرورة قلب الكفة في إطار المخطط الوطني لمكافحة السرطان (2015-2019)، وتفعيل كل الجهود المرافقة له، من أجل "خفض معدل استهلاك التدخين وعوامل الخطورة الأخرى من نسبة 65% من الحالات التي تتقدم في الوقت الراهن، إلى العلاج في حالة مستعصية جداً للمرض إلى نسبة 30% من حالة المرض، مما سيساهم في تماثلها إلى الشفاء.
كما دعوا إلى العمل على "استقرار الموارد البشرية المشرفة على سجل السرطان، لاسيما بمناطق الجنوب، لضمان متابعة أحسن للداء" مع تحسين التكوين المتواصل للمنسقين في إطار شبكة السجلات والمشرفين على مخابر التشريح الباطني، وكذا الكشف عن المناطق الأكثر عرضة إلى عوامل الخطورة لوضع خارطة وطنية دقيقة للداء، مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات المناخية وأثرها على هذه الإصابة.
لجنة وطنية للكشف المبكر عن أنواع السرطان
ومن أجل رفع التحدي بمواجهة الداء مبكرا، أعلن، خلال اللقاء، عن تنصيب لجنة وطنية للتكفل بالكشف المبكر عن خمسة أنواع للسرطان، تعد الأكثر انتشاراً في المجتمع الجزائري، على غرار سرطان الثدي والقولون والمستقيم والبروستاتا وعنق الرحم والرئة، بحسب ما كشف مدير الوقاية وترقية الصحة بوزارة الصحة الجزائرية الدكتور جمال فورار.
وأوضح المسؤول ذاته أنه "تم تنصيب لجنة وطنية للكشف المبكر عن أنواع السرطان الأكثر انتشاراً بالمجتمع".
وقد تم اختيار ولايات داخلية على غرار (بسكرة وقسنطينة وتيبازة والأغواط وتلمسان) كولايات نموذجية لإطلاق هذه العملية قريباً، عبر المؤسسات المجاورة المنتشرة بهذه المناطق، بقصد التقليص من أنواع السرطان، والتكفل بالحالات قبل استفحال المرض. يضيف المسؤول.
من جانب آخر كشف فورار في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، الإثنين 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بمناسبة إحياء شهر أكتوبر الوردي للوقاية من سرطان الثدي، أنه "وبعد التكفل بالمصابين بالسرطان من خلال فتح 41 مصلحة فحص و71 وحدة علاج كيماوي على المستوى الوطني، سيتم التخلص نهائياً من مشكلة العلاج بالأشعة، التي تعاني منها العديد من المصابات بسرطان الثدي، بعد فتح مراكز بأربع ولايات وهي: "الوادي (أقصى الجنوب الشرقي)، وتيزي وزو (100 كلم شرقي)، وأدرار وبشار (أقصى الجنوب الغربي) المزودة بـ12 مسرعاً خلال سنة 2019" على حد تعبيره.