تمتلك اليابان واحداً من أكثر أنظمة السكك الحديدية ازدحاماً وأكثرها كفاءة في العالم.
قد يكون هذا مفاجئاً؛ نظراً إلى أن الجودة العالية قد تتعارض مع وجود الازدحام. لكن لتحقيق هذه الكفاءة، تستخدم الشركات اليابانية طرقاً غير متوقعة، وتنفذ مجموعة واسعة من التكتيكات، للحفاظ على سير الأمور بسلاسة وبدقة الثواني.
كلنا نعلم أن قطارات اليابان نادراً ما تتعرض لتأخير في مواعيدها، وأن موعد انطلاق القطار يكون محسوباً بالثانية، لكن هناك أمور أكثر غرابة بكثير من مجرد التزامها الشهير للوقت.
فيما يلي، 10 حقائق عن قطارات اليابان ستفاجؤك:
شركات القطارات تغرّم أقارب المنتحرين لتأخيرهم القطار
ينتحر عشرات الآلاف من الناس في اليابان كل عام. عدد لا بأس به من هؤلاء الناس يقتلون أنفسهم من خلال القفز أمام القطارات القادمة.
تواجه عائلات ضحايا الانتحار بالقطار صدمة إضافية في شكل فاتورة ضخمة من شركة القطار المعنيَّة.
هناك 13 شركة قطار في منطقة طوكيو، ومعظمها لديها سياسة فرض رسوم على عائلة الضحية مقابل تكلفة توقُّف السكك الحديدية.
لا تكشف الشركات أسباب هذه السياسة، ومع ذلك كلما زاد التأخير زادت فاتورة العائلة.
من المثير للاهتمام، أن شركة سيبو للسكك الحديدية -وهي واحدة من كبرى شركات السكك الحديدية- تقوم بتقييم التكاليف على أساس كل حالة على حدة.
واعتباراً من عام 2010، كان متوسط الفاتورة 6 ملايين ين.
يرتبط الانتحار بالقطار ارتباطاً وثيقاً بتراجع إيجارات المنازل، إذ تصبح المنازل أرخص على طول الخطوط التي تكون فيها حالات الانتحار بالقطار شائعة.
كما هو الحال مع "خط تشو" الذي يعد أكثر ازدحاماً وأكثر خط يشهد انتحارات.
شهادات التأخير دليل للشركات والمدارس
عندما تتأخر القطارات عدة دقائق، تصدر شركات القطارات اعتذارات وشهادات تأخير.
يعتذر عمال المحطة عن التأخير لو كان مدته دقيقتين، ويسلّمون الركاب شهادات تأخير عندما يتأخر القطار 5 دقائق.
وشهادات التأخير ضرورية، لأن المدارس وأرباب العمل لا يتحملون التأخير، وعادة ما يكون من الصعب إقناع أرباب العمل والمدرسين بأن القطار تأخر (لندرة حدوثه)، لذلك تصدر شركات القطارات الشهادات باعتبارها دليلاً.
يتم توزيع الشهادات المسماة densha chien shoumeisho من قِبل عمال المحطة في كل محطة يتوقف فيها القطار المتأخر، وبعض شركات لديها نسخ رقمية قابلة للتحميل.
سائقو القطارات يستعملون طريقة "شيسا كانكوا"!
كلما دخل القطار أو غادر المحطة يتحدث سائقو القطارات لأنفسهم، وينفّذون مجموعة متلاحقة من المهام، معلِّقين على كل منها بصوت مرتفع.
كما يشيرون بأيديهم بحماسة إلى مواضع عديدة من القطار مع كل مهمة يقومون بها.
هذه العادة تبدو غريبة، ولكنها تُعرف باسم "شيسا كانكوا"، التي تعني التحقق من المهمة والتفوه بها؛ وهو تدريب اعتاد موظفو السكة الحديدية ممارسته ما يزيد على 100 عام، لتفادي وقوع الأخطاء.
على سبيل المثال، عادةً ما يشير السائقون إلى سرعتهم في أثناء فحص السرعة.
لذلك من الطبيعي أن ترى سائقاً يشير إلى معجّل السرعة (accelerator)، ويصرخ "فحص السرعة: 80".
أظهرت دراسة أنه يقلل من الأخطاء بنسبة 85%، وأنه فعال لدرجة أنه تم اعتماده من قِبل الشركات اليابانية الأخرى خارج السكك الحديدية.
قطارات تنبح كالكلاب
للغزلان نصيب في سياسة القطارات اليابانية، إذ تسير الغزلان عادة على مسارات القطار لِلَعق العشب القريب للغاية من مسارات القطار.
وهو أمر قد يؤدي إلى موت الغزلان التي تنغمس في لعق العشب عند المسارات، لأنها لا تدرك أن القطار قادم.
لتقليل الاصطدامات، استخدمت شركات القطارات بعض الأساليب غير التقليدية.
إذ توصل معهد البحوث الفنية للسكك الحديدية (RTRI) إلى فكرة بارعة؛ ثبتوا ببساطةٍ مكبر صوت يصدر أصوات الغزلان والكلاب.
يصدر المكبر صوت شخير الغزلان مدة 3 ثوانٍ عند اكتشاف الغزلان، فيجذب انتباهم.
ثم يتبع الشخير صوتُ نباح الكلاب مدة 20 ثانية، كي تهرب الغزلان وتبتعد عن مسارات القطار.
وبعد الاختبارات، انخفض عدد الغزلان التي بقيت بالقرب من المسارات عند اقتراب القطار إلى النصف، بسبب هذه التقنية!
توظيف أشخاصٍ مهمتهم دفع الناس
غالباً ما تكون القطارات اليابانية مكتظة خلال ساعات الذروة الصباحية والمساء، حيث يستخدمها ملايين الناس.
للحصول على أكبر عدد ممكن من الناس في القطارات، توظف شركات القطارات أشخاصاً يدفعون الناس داخل القطارات ويطلقون عليهم اسم أوشيا.
يدفعون الناس داخل القطارات، ولديهم أيضاً دور ثانوي في منع الركاب من دخول عربات القطارات الممتلئة جداً.
الدفع هو في الواقع مهنة معقدة، فالتدريب وحده يستغرق ما يصل إلى 6 أشهر.
يجب على الأشخاص الذين يقومون بعملية الدفع أن يبلغوا الركاب قبل البدء في الدفع، والضغط فقط برفق من الخلف أو الكتف.
كما يجب عليهم الدفع بكلتا يديهم، حتى يكونوا متوازنين، ويجب أن يكون لديهم مستوى جيد من الثبات ورسوخ القدمين، حتى لا يدفعهم المسافرون الذين يحاولون ركوب القطار إلى الداخل.
الاعتذار لو غادر القطار مبكراً
ذكرنا بالفعل أنه لا يُسمح للقطارات اليابانية بالتأخر، لكن من الواضح أيضاً أنه ليس مسموحاً لها بأن تغادر المحطة في وقت مبكر، ولو ببضع ثوانٍ!
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اعتذرت شركة إلى الركاب بعد أن غادر قطارها على خط تسوكوبا إكسبريس (الذي يمتد بين طوكيو وتسوكوبا) المحطة في وقت مبكر 20 ثانية.
كان من المفترض أن يغادر القطار المحطة الساعة 9:44:40 صباحاً، لكنه غادر الساعة 9:44:20، لأن أحد العمال نسي التحقق من الجدول الزمني.
كان الاعتذار ضرورياً، بسبب الموثوقية نفسها التي تشتهر بها القطارات.
فـ20 ثانية تكفي لركاب اللحظة الأخيرة، الذين يعرفون أن القطارات تنطلق في الوقت المحدد!
ألحان موسيقية عند مغادرة المحطة
تصدر القطارات لحناً مختلفاً في كل محطة عند مغادرة القطار، يُعرف باسم "hassha merodi"، التي تعني حرفياً نغمة رحيل القطار.
يمكن أن تكون هذه الألحان لأناشيد شعبية أو أغانٍ مميزة للأفلام الشعبية، أو أغانٍ من الإعلانات القديمة.
يمكن أيضاً ابتكارألحان بواسطة ملحنين، فـMinoru Mukaiya، أحد أشهر الملحنين، قدّم أكثر من 100 لحن لمحطة قطار.
وفقًا لما ذكره مينورو موكاييا، فإن ألحان القطار خدعة نفسية تسهم في عمل طوابير منظمة، لأن القطارات تأتي واحداً تلو الآخر في وقت قصير.
يعرف الناس أن الأبواب لن تُغلَق في أثناء تشغيل الموسيقى وتعطي راحة للناس.
عربات للنساء فقط
يمثل التحرش مشكلة في قطارات اليابان المكتظة، ولدى اليابانيين اسم يطلقونه على الرجال المتحرشين في أثناء ركوب القطار وهو chikan، أي متحرش.
للحد من حوادث التحرش، قدمت بعض شركات القطارات سيارات قطارات للنساء فقط.
على الرغم من أن هذه العربات تكون مخصصة للنساء، فإن الصبية الصغار والرجال المعاقين جسدياً يُسمح لهم أيضاً بالركوب داخلها.
ليست لدى جميع شركات القطارات عربات خاصة بالنساء، وتلك الشركات غالباً لا تقوم بتشغيل العربات طوال اليوم، وإنما في عطلات نهاية الأسبوع أو ساعات الذروة.
رداً على الأمر، طالب بعض الرجال بالعربات المخصصة للرجال فقط.
وادَّعى بعضهم أنهم يريدون عربات للذكور فقط، لأنهم يخشون على أنفسهم من النساء في السيارات المختلطة، واللاتي يُنظرن إليهن بشكل مثير للريبة!
أضواء زرقاء للحد من الانتحار
تحاول شركات القطارات منع الانتحار، من خلال تركيب أضواء زرقاء اللون في محطاتها.
ركَّبت شركات القطارات اليابانية الأضواء الأولى في الألفينيات بعد أن وصل الانتحار أمام القطارات إلى مستوى قياسي!
تم اختيار الأضواء الزرقاء، لاعتقاد أن اللون الأزرق يجعل الناس أكثر هدوءاً، ويمكن أن يجعل الأشخاص الذين يحاولون الانتحار يعيدون النظر في الأمر.
يبدو أن الأضواء الزرقاء حققت نجاحاً ملموساً، ففي عام 2013 تم الإبلاغ عن انخفاض حالات الانتحار في القطارات بنسبة تصل إلى 84%.
ومع ذلك، فإن الأنوار لا يمكن أن تمنع الانتحار خلال النهار.
ويعتقد باحثون آخرون أن الأضواء قللت من الانتحار بنسبة 14% فقط، ويؤكدون أن الحواجز الواقية ستمنع الانتحار، بشكل أفضل من الأضواء الزرقاء.