إذا كنت تجيد اللغة العربية في إفريقيا، فإنك لن تجوع أبداً، هذا ما اكتشفه رحالة مغربي يجول إفريقيا على قدميه أحياناً أو باستخدام دراجة أو المواصلات العامة أحياناً أخرى.
لم يندم الشاب المغربي على قراره بالتجول في إفريقيا بدلاً من أوروبا، فقد اكتشف الرحالة المغربي أن للعربي في إفريقيا مكانة خاصة تمكنه من الحياة والتنقل بشكل يصعب على غيره.
قصة رحالة مغربي يجول إفريقيا
منذ عامين يتجول الشاب المغربي ياسين غلام في القارة الإفريقية، ينتقل من بلد إلى بلد، تارة يسير على قدميه وتارة أخرى يستخدم دراجة هوائية.
عربي بوست تحدثت مع ياسين، ورصدت أهم محطات رحلته لتنقل لكم أجواء المغامرة الإفريقية.
بدأت رحلته في العاشرة من صباح 22 فبراير/شباط 2017.
فبعد أن تناول الشاب المغربي ياسين غلام إفطاره التقليدي حزم حقيبة صغيرة واتجه نحو إفريقيا.
لماذا اختار إفريقيا وليس أوروبا؟
كان لدي 3 اختيارات قبل البدء في رحلاتي وهي إما إفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو أوروبا، هكذا يقول غلام لـ"عربي بوست".
يضيف أنه "بعد نقاش مع والدتي أقنعتني أن أوروبا قارة سهلة والتجول فيها ليس صعباً، ويمكن لأي شخص أن يفعلها".
وعندما أعلن الملك محمد السادس العاهل المغربي عن عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي في عام 2016، اقترحت والدتي أن أتوجه إلى إفريقيا خاصة وأنها منطقة قد تكون غير مكتشفة بالنسبة لنا كعرب، بالإضافة إلى الصورة الذهنية عن الحروب الأهلية وقلة الأمان في قلب إفريقيا.
يقول "لذا قررت فعلاً التوجه إلى إفريقيا لاكتشاف الثقافة ونقلها للمتابعين لي، خاصة وأن الطبيعة في إفريقيا مازالت بكراً وغير ملوثة وأنا أعتبر أن إفريقيا هي القارة الأم لكل العالم فهي أصل كل المعارف".
لقد بدأ رحلته سيراً على الأقدام
انطلق غلام من المغرب سيراً على الأقدام نحو موريتانيا ثم السنغال ومنها إلى غينيا كوناكري ثم الكوت ديفوار نحو غانا ثم التوغو والبنين ونيجيريا ثم الكاميرون فالكونغو الديمقراطية وأنغولا وناميبيا وزامبيا والموزمبيق ثم سوازيلاند جنوب إفريقيا ومدغشقر وجزر الموريس وجزر القمر.
يقول "بعدها حصلت على دعوة للمشاركة في مهرجان رحالة الإمارات في دبي شهر ديسمبر/كانون الأول 2018 ثم عدت إلى تنزانيا وصعدت جبل كيليمنجارو بالدراجة الهوائية للقمة وبعدها كينيا وأنا الآن في جنوب إثيوبيا).
عشق السفر بدأ منذ الصغر
بدأ اهتمام ياسين بالسفر والترحال منذ الصغر حيث كان يسافر برفقة أشقائه داخل المغرب من مدينة إلى مدينة.
بالإضافة إلى ممارسة رياضة كرة القدم في عدد من النوادي المغربية، حيث
كان يتنقل برفقة الفرق للاشتراك في البطولات المختلفة داخل المغرب.
ومن هنا اكتشف غلام شغفه بالسفر والترحال، وبعد أن عمل تسع سنوات كتقني متخصص في صيانة الكهرباء، ادخر قدراً من المال يساعده على السفر ترك كل شيء وبدأ في رحلته فوراً.
كيف انتقل كل هذه المسافات وأين كان يقيم في القارة السمراء؟
عن التنقل خلال رحلته يقول ياسين لعربي بوست "كان هناك مرحلتان في السفر فخرجت من منزلي في المغرب على قدمي يوم 22 فبراير/شباط 2017، ثم بدأت الاستعانة ببعض السيارات على الطريق مجاناً بطريقة الأوتوستوب".
وكنت أتحدث مع السائقين بأني مغامر متجه إلى إفريقيا وأرغب في أن تصحبني معك من مكان إلى مكان، وهكذا وصلت إلى داكار عاصمة السنغال كانت تجربة مثمرة وجيدة.
وفي الطريق سواء في المغرب أو موريتانيا بحكم الثقافة الإسلامية كنت أطلب من البيوت على الطريق المبيت ليلة واحدة واستكمال طريقي في الصباح وكل من كنت أطلب منه ذلك كان يوافق.
ولكن في السنغال اضطر إلى تغيير أسلوب التنقل
وحتى في إفريقيا لا يرفض أي شخص عادة فكرة الأوتوستوب.
ولكن يقول غلام"عندما وصلت إلى داكار وجدت أن ثقافة الأوتوستوب غير متواجدة"
ويضيف "لذا فاشتريت دراجة ساعدتني على التنقل إلى السنغال ثم غينيا وجامبيا وكوت ديفوار.
ويتابع قائلاً "ثم أكملت رحلتي والآن أنا في جنوب إثيوبيا ومنها سأنتقل إلى السودان ثم لمصر.
المبيت مقابل التعليم.. صفقة رابحة تقودها اللغة العربية والدين الإسلامي
بدأت رحلة ياسين بتمويل ذاتي من نفقاته ولكن استمرار الرحلة طوال عامين بدون تمويل هو شيء صعب جداً ولكن ياسين اخترع طريقة وهي المبيت والطعام مقابل التعليم.
إذ كان يعرض على السكان أن ييبت لديهم ويتناول الطعام مقابل أن يعلم أبناءهم العربية أو الطهي.
وبالفعل نجحت هذه الحيلة معه حتى الآن.
ولكن في إثيوبيا رشقوه بالحجارة
ولكن بالرغم من النجاح النسبي لهذه الطريقة إلا أن سكان بعض القرى الإثيوبية قابلوه بالحجارة لأنه غريب عنهم.
وعن كيفية اختيار الدول التي يزورها ياسين يقول لعربي بوست (في البداية استخدمت الإنترنت، في التعرف على معظم الدول الإفريقية، وعن درجة استقرارها ومستوى الأمان والمعيشة فيها".
فمثلاً عندما قررت في البداية الذهاب إلى تنزانيا قاصداً تسلق جبل كليمنجارو أعلى قمة إفريقية، وجدت أنه يجب المرور عبر مجموعة من الدول مثل موريتانيا، السنغال، كوت ديفوار، غينيا، غانا، توجو والبنين وهي دول مستقرة ولا توجد مشكلة.
وأضاف قائلاً بالطبع أحرص على تناول التلقيحات الخاصة بالبلد حتى أحافظ على صحتي) .
ماذا فعل عندما وقف أسد أمام خيمته؟
وقف أسد أمام خيمتي ليلاً بعد مطاردته لحمار وحشي وفشله في اصطياده.
بهذه الكلمات يروي غلام لعربي بوست أخطر موقف واجهه في رحلته قائلاً:
حدث هذا في شهر فبراير/شباط 2018 في شمال تنزانيا.
ولكن خرج أحد رجال شعب الماساي حاملاً رمحه ففر الأسد هارباً.
وواقعة أخرى أقل رعباً من موقف الأسد ولكن أكثر إحراجاً
أما الموقف الثاني فكان في رحلة سابقة وكانت أول مرة يخرج من المغرب وذلك عبر الطائرة متوجهاً إلى كوناكري عاصمة غينيا في عام 2015.
يقول "هناك ذهبت إلى أحد الشواطئ وكان خالياً تماماً، ودرجة الحرارة مرتفعة فقررت أن أسبح، فوجئت بشخص يرتدي كل ملابسه ويقف على الشاطئ ويسألني عن اسمي وماذا أفعل هنا وهكذا.
ثم فوجئت بمجموعة من النساء والرجال والأطفال يرتدون مجوهرات بدون ملابس.
وعرفت أنهم قبيلة تعتبر نفسها تمتلك هذا الشاطئ وطلبوا مني أن أخلع ملابسي حتى أنضم إليهم لأنه لا يجوز أن أنزل هذا الشاطئ بملابسي واضطررت بالفعل أن أخلع كل ملابسي.
وطلبوا منه ما هو أسوأ من خلع الملابس
ثم قرروا اصطحابي إلى شيخ القبيلة الذي طلب مني أن أنضم وأصبح عضواً في القبيلة، ومن الضروري أن يصنعوا لي علامة على وجهي بآلة حادة لأكون مميزاً عن غيري وأصبح منتمياً إليهم.
يقول غلام "لم يكن أمامي أي اختيار سوى تصنع الموافقة".
ويضيف "ولكنني تحايلت عليهم بالحديث حتى منتصف الليل وبمجرد بزوغ الشمس هربت إلى الجبل ومنه إلى الطريق السريع".
وأردف قائلاً "بالمناسبة هذا المكان أنا أول عربي يزوره بشهادة مسؤولي السياحة فيه".
لقد اكتشف أشياء عظيمة بالأفارقة
كتب ياسين قائمة من الأسئلة وطرحها على كل شخص جلس معه منذ بداية الرحلة حتى الآن ليتعرف على مدى التقارب بين الشعوب الإفريقية.
ووجد غلام أن الإجابة واحدة وهي أن الشباب الإفريقي يريد التقدم ولكن لا يجد فرصة.
والأهم بالنسبة له كما يقول هو أن الشعب الإفريقي مسالم جداً لأنه دخل إلى كهوف وجبال، وصلى في قلب كنيسة إفريقية ووجد أنهم ويحترمون صلاته بل وصلوا من أجل أن يحفظه الله، ويدون غلام كل ملاحظاته وتجاربه وأخطائه عبر صفحته على فيسبوك المغامرة الإفريقية.
ويقول عن هذه الصفحة "من خلال صفحتي أحاول كتابة الأخطاء التي ارتكبتها حتى لا يتعرض لها المسافرون من بعدي، ويتعلموا كيف يتحدثون ويتواصلون مع الناس والمستلزمات الواجب عليهم اصطحابها وهكذا".
وأضاف "وبالتالي مع كل سفر تزداد الخبرة وتقل العراقيل، وللعلم فيسبوك ساعدني كثيراً جداً في تجنب العراقيل فعندما أصل إلى دولة أجد من يتابعني وينتظر وصولي من خلال المنشورات التي أكتبها).
ابن بطوطة الجديد يريد الخروج من نمط الحياة التقليدي
ظاهرة التدوين عن السفر عبر فيسبوك انتشرت بكثافة الفترة الأخيرة ويراها غلام ظاهرة طبيعية حيث قال "العرب هم من أول الشعوب المسافرة في العالم، وهم الذين سافروا لنشر الدين الإسلامي والتجارة، وغيرها من الأهداف.
وأردف قائلاً "بالتالي طبيعي مع التطور التكنولوجي وانتشار فيسبوك أن تنتعش ظاهرة الرحالة العرب ويدونوا عما يفعلون، وبالتالي هذا يشجع غيره ليفعل مثله".
وأضاف قائلاً "بالإضافة إلى أن المغرب بلد سياحي فطوال الوقت نقابل أجانب سائحين قادمين إلى المغرب للاكتشاف وبالتالي من الطبيعي أن نجد شباباً مغاربة يحكون ما يرونه، ويفعلون مثلهم.
وقال أنا أعتقد أن الشباب المغربي يريد الخروج عن الشكل التقليدي للحياة والزواج والإنجاب ثم الموت، وأنا في رأيي هذه ليست موضة وإنما هو اكتشاف للعالم من حق الشباب أن يعيشه ولا ننسى أن ابن بطوطة الرحالة الشهير هو مغربي من مدينة طنجة ".
نهاية الرحلة مازالت مجهولة، ولكن هدفه الحالي الوصول للقاهرة لحضور هذا الحدث الهام
يتوقع غلام أن يصل إلى مصر بحلول صيف 2019.
يقول "أتوقع أن أصل إلى القاهرة بحلول الصيف لأحضر ختام بطولة إفريقيا لكرة القدم 2019".
ولكن نهاية الرحلة تظل غير محددة بعد حيث أن كل خطوة يخطوها تدفعه للمضي قدماً والاستعداد نحو رحلات جديدة.
إذ يخطط ياسين لاستكشاف أمريكا الجنوبية بعد انتهائه من إفريقيا إلا أن احتياجه وافتقاده لحضن والدته والدفء الأسري قد يؤجل هذا الحلم قليلاً لحين الحصول على استراحة محارب.