تتسارع نبضات القلب، وتشعر بخدر في يديك، وتذوب الأفكار في عقلك تماماً. السطور الصعبة التي خططت لأن تستهل بها خطابك؟ تلاشت جميعها ولا دليل على أنها وُجدت من الأساس، مثلما هو الحال مع مزيل العرق الذي وضعته ليستمر أثره طيلة اليوم، وأي حس فكاهي استدعيته مؤقتاً من أجل هذا الموقف.
والآن تبدو متجمداً في مكانك. وجميع هؤلاء الأشخاص الذين يجتمعون في قاعة المؤتمرات (أو في قاعة الصف أو في المدرج) يفعلون أسوأ شيء يمكنهم أن يفعلوه الآن.
يحدقون في وجهك وينتظرون كلماتك.. ثم ينتظرونها.. ويواصلون الانتظار. فتقول لنفسك: "لا يمكنني التريث حتى أغادر هذه المنصة. بل أريد أن أجري وأختبئ. لن يسير هذا على ما يرام. حسناً، سوف أنفجر".
أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة Duke سكوت كومبتون يقول لموقع How Stuff Works: "هذا تماماً هو ما يفكر فيه الأشخاص الذين يعانون من الخوف من مخاطبة الجمهور".
مشكلة حقيقية لا بد من التغلب عليها لاستكمال الحياة التعليمية أو المهنية.
الخوف من مخاطبة الجمهور .. حقيقي ومخيف
يعتبر الخوف من مخاطبة الجمهور واقعاً حقيقياً بصورة خطيرة. إذ إنه نوع من اضطراب القلق الاجتماعي، وهو مصطلح نُحت لأول مرة عام 1980 في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية.
يذكر المعهد الوطني للصحة العقلية في الولايات المتحدة:
لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي خوف شديد في العموم من -أو قلق تجاه- المواقف الاجتماعية أو المواقف التي تتطلب أداءً منهم.
إنهم يقلقون من أن هذه الأفعال أو السلوكيات المتعلقة بقلقهم سيقيمها الآخرون سلبياً فينحرجون.
وهذا القلق يقود غالباً الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي إلى تجنب المواقف الاجتماعية.
7 من 10 يعانون من رهاب التكلم
تشير جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية ADAA في تقرير لها إن عدداً كبيراً من البالغين الأمريكيين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي، إذ يصل عددهم إلى 15 مليون أمريكي.
ويأتي الخوف من مخاطبة الجماهير على رأس الاضطرابات التي تتفرع منه، والذي يُعرف أحياناً باسم رهاب التكلم.
بل إن المركز الوطني للقلق الاجتماعي (National Social Anxiety Center) يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، مستشهداً بما أشار إليه المعهد الوطني للصحة العقلية،
ويزعم أن 7 على الأقل من كل 10 أشخاص يعانون من درجة ما من رهاب التكلم.
المصابون به معرضون للاكتئاب والإدمان
ويحمل هذا الخوف خطورةً أكبر من تعرق الكفين وانعقاد اللسان. فهؤلاء الأشخاص الذين يعانون من رهاب التكلم الحاد يقلقون للغاية من طريقة ردود أفعالهم أو ظهورهم أمام الجمهور لدرجة أنهم يتجنبون المناسبات العامة كلها، ويمكن أن يضر ذلك برفاههم الشخصي والمهني.
وتحذر جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية من أن الأمور قد تزداد سوءاً، إذ تقول: "الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي هم أيضاً أكثر عرضة لإصابتهم بالاضطرابات الاكتئابية الكبيرة والاضطرابات الناجمة عن إساءة استعمال الكحوليات".
وتفسر مؤسسة أندرو كوكس للقلق الاجتماعي (Andrew Kukes Foundation for Social Anxiety) هذا الاضطراب بمصطلحات بليغة، فتقول: "قد يبدو الاسم غير مؤذ، لكن هذا الاضطراب معقد وقاس وأبعد ما يكون عن البساطة".
فالقلق الاجتماعي على حد تعبيرها، هو أكثر بكثير من الخجل وأي خوف آخر من مخاطبة الجمهور. إنه إدمان تجنب (التواصل مع الجمهور) ومرض مقاومته.
ما الذي يحدث لحظتها؟
تُعرف اضطرابات القلق الاجتماعي -بما فيها رهاب التكلم- بأنها قلقٌ وخوفٌ شديدان.
وتشير جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية إلى أنها الاضطرابات العقلية الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة.
ويأتي ضمن الأعراض التي تشير إلى أن شخصاً ما يعاني من اضطراب القلق (بحسب جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية):
- الشعور بالتوتر والضيق والانفعال
- الشعور بوجود خطر وشيك أو حالة ذعر أو قرب الموت
- زيادة معدل نبضات القلب
- التنفس بسرعة (فرط التنفس)، والتعرق، والارتجاف
- الشعور بالضعف والتعب
- صعوبة التركيز
- المعاناة من صعوبة النوم
- المعاناة من مشاكل الجهاز الهضمي
ويؤمن العلماء أن التوتر يتركز على اللوزة الدماغية، وهي جزء من الدماغ يرتبط بالعواطف.
والفكرة تدور حول ما تفعله اللوزة الدماغية استناداً إلى الذكريات السيئة أو الأفكار الخاطئة.
إذ تفرز هرمونات "الكر والفر" التي تضع جسد الشخص في حالة ضغط. ومن ثم يجد المرء يديه تتعرقان ونبضات قلبه تتسارع وتسيطر عليه رغبة في الهروب.
يقول كومبتون إن هذه الاضطرابات تبدأ في الغالب لدى الصغار -طفل خجول لا يشارك في الصف بالرغم من أنه يعرف الإجابة، أو يخشى اللقاءات التي يجتمع خلالها مع أقرانه للعب، أو لا ينضم إلى أي فريق رياضي خوفاً من إفساد الأمر- وتزيد مادام الطفل ينمو ليصير بالغاً.
ويضيف: "تبدأ معظم اضطرابات التوتر في مرحلة الطفولة المبكرة ولا تعالَج أو تُعرف. وينتهي الحال بالأشخاص بتطوير بعض من استراتيجيات التكيف السيئة".
ويبدو أن الاستراتيجية التي يلجأون إليها هي تجنب الجمهور.
إذ إن الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي لأعوام، بما في ذلك الخوف من التكلم أمام الجمهور، يتجنبون بكل بساطة المواقف العصيبة عندما يستطيعون.
وذلك تقريباً هو أسوأ شيء يمكنهم القيام به عندما يتعلق الأمر بالتغلب على مخاوفهم.
العلاج الأفضل هو القيام بعكس ما يمليه عليك دماغك
يقول كومبتون: "كلما تجنبت (العامة)، ساء الأمر. شعاري في العلاج هو أنك تحتاج أن تتجنب تجنُّب (التواصل مع الجمهور). إنه تقريباً أشبه بالتالي: إذا كان شيء ما يسبب لك القلق، فأنت في حاجة إلى القيام بعكس الشيء الذي يخبرك الماضي أن تقوم به".
في تغريدة نشرها راي دافيز، مؤسس موقع The Affirmation Spot، وهو كاتب ومفكر وفيلسوف معاصر يحرص على مساعدة الأشخاص لتكوين نظرة إيجابية تجاه حياة الأشخاص ومستقبل البشرية، قدَّم دافيز نصائح من أجل مواجهة هذا النوع من القلق قائلاً: "تأكيدات (لنفسك) حول الخطاب أمام الجمهور: أنا متحدث رائع أمام الجماهير وأتحسن مع كل خطاب. يحتاج جمهوري أن يسمع ما أقول. أخلق تواصلاً حقيقياً مع جمهوري. تؤثر كلماتي فيهم. أمنح جمهوري دائماً شيئاً ليتذكروه".
تجاوز رهاب التكلم يبدأ بالكلام ويصل للأدوية
يمكن للعلاج أن يساعد في تجاوز الخوف من مخاطبة الجمهور واضطرابات القلق الاجتماعي الأخرى.
ويعتبر العلاج السلوكي المعرفي نوعاً من العلاج النفسي (الذي يتم من خلال الحديث بين المريض والمعالج)، وهو شيء يستخدمه كثيرون -بمن فيهم كومبتون- على نطاق واسع لمعالجة القلق الاجتماعي.
يقول كومبتون: "في هذا العلاج، تبدأ بنوع من الأشياء الصغيرة: "أعرف أنك لا تريد الذهاب إلى أي مؤتمر وتصبح متحدثاً بارزاً. ولكن هل لديك رغبة في خوض حديث أمام شخص آخر فقط؟" نبدأ بأشياء صغيرة، فنبني بعضاً من الثقة والنجاحات. ثم نرفع درجة التواصل شيئاً فشيئاً من خلال جعل الموقف أكثر إثارة للقلق".
يمكن أيضاً اللجوء إلى الأدوية التي تقلل القلق. ولكن لعل أولى الخطوات هي الحديث أمام مرآة، أو مع صديق، أو وحدك في غرفة خالية.
تعلم أيضاً أن تتمهل وتتنفس بروية. وكن مؤمناً بفكرة مفادها أن حياتك ستكون أفضل إذا تجاوزت مخاوفك، حسبما يقول كومبتون