الوصول إلى الجامعة نجاح، لكن النجاح الأكبر هو التخرج فيها، وعدم البقاء فيها أكثر مما يقتضيه وقت تخصصك، وبصفتي طالباً سابقاً أهديك يا صديقي الناجح الجديد في شهادة البكالوريا بعض النصائح:
في المسار الدراسي توجد مراحل؛ المرحلة الأولى الابتدائي، المتوسط، الثانوي، هذه الأطوار الثلاثة وإن كانت لا تتشابه في مضمون المواد أو عدد الأساتذة، لكنها متسلسلة ولديها نفس القالب والشكل، أما الجامعة فأعتبرها مرحلة مستقلة بحد ذاتها؛ لأنها تمتلك طريقة مغايرة للتدريس والامتحانات والتقويم والتنقيط، وإذا كان القائد المحنك هو الذي يدرس تضاريس أرض المعركة قبل أن يخوضها، فإن الطالب الناجح هو من سيستعلم عن النظام الذي يحكم كليته قبل أن يتفاجأ في المنتصف بأنه مقصيّ من مادة أو فاته حضور تقويم مهم.
في السنة الأولى ابتدائي عندما انتقلت من جو العائلة إلى القسم شعرت بنوع من الغربة، تقريباً نفس هذا الإحساس ستواجهه في أيامك الأولى بالجامعة، لا تخَف لن تكون هذه مشكلة كبيرة فقط حاول كسب بعض الأصدقاء، لكن تأكد أن نوعيتهم ستؤثر على 90 بالمائة من باقي مشوارك الدراسي، اختَر أولئك الذين لديهم هدف، وتخلّص من الجهوية والطبقية؛ لأن من محاسن الجامعة قدرتها على إعطائك أصدقاء من 48 ولاية.
بعد 12 سنة دراسة باللغة العربية ستسبب لك الدروس الملقاة باللغة الفرنسية بعض المتاعب، الوصفة غير المكلفة مادياً ولا مستنزفة للوقت هي التدوين اليومي للأفكار التي ستسمعها في المحاضرات حتى وإن لم تكن تفهمها كلها، بعد مدة سيتكون لديك رصيد لغوي مهم، ولا تعتمد بشكل مطلق على النسخ المطبوعة مسبقاً للدروس، حاول أن تكون لديك واحدة خاصة بك.
كثيراً ما يربط الطلبة الجدد بين الحرية والجامعة وهذا خاطئ؛ فالوصف الدقيق هو أن المسؤولية التي كانت ملقاة على والديك أيام الثانوية انتقلت إليك لأنك أصبحت راشداً، لست ملزماً بإحضار وليك لتبرير غيابك، أنت الآن ممسك بدفة القيادة في حياتك فحاول أن توجهها بذكاء، أما إذا فضلت التسيب والغياب المتكرر فستفشل والسبب لن يكون أستاذاً يهمه نوع سيارتك أو منصب والدك أكثر مما تحمله في عقلك؛ لأن هذا النوع يمثل أقلية، العلة فيك بل لأنك ما زلت طفلاً.
على كوكب المريخ توجد مركبة فضائية تجمع المعلومات وترسلها لكوكب الأرض، العالم المسؤول عنها يدعى نور الدين مليكشي، هذا الرجل كان في يوم من الأيام طالباً في الجامعة الجزائرية وتخرج فيها، وبفرنسا وحدها يوجد 32 ألف جزائري بين طبيب ومهندس أخذوا شهاداتهم من الجزائر، أنا لا أذكر هذه الأمثلة لأعالج قضية هجرة الأدمغة بل لأرد على الذين يحاولون النيل من عزيمتك وإقناعك بأن التحصيل العلمي في كلياتنا مضيعة للوقت، صحيح أنك في الجامعة ستشاهد الكثير من المظاهر السلبية وستصطدم بعميد برتبة ديكتاتور وستخنقك موظفة بسيطة بالبيروقراطية، لكن المتفوق والمجتهد هنا ليس أقل قيمة من المتفوق في بريطانيا ربما الأخير لديه أفضلية التفوق في التخصص والبحث العلمي؛ لأن الجو والإمكانيات هناك مشجعة أكثر، أما بخصوص المرتبة المتأخرة التي تحصل عليها جامعاتنا بين مثيلاثها في العالم فيرجع لعدد البحوث العلمية بدرجة أولى.
أسس بيل جيتس العملاق مايكروسوفت وستيف جوبز شركة أبل ومارك زوكربيرغ موقع فيسبوك، القاسم المشترك بين هؤلاء أنهم لم يكملوا دراستهم الجامعية، فلا توجد طريق واحدة تحتكر النجاح، بإمكانك أن تتخلى عن دراستك لتحقق أحلامك، لكن المصيبة هي أن تتخلى عنها لتُكمل نومك تحت بطانيتك؛ لأن الطقس في الخارج ممطر.
مقاعد الدراسة كانت دائماً منجماً للذكريات الرائعة، فالأوقات الجميلة مع الأصدقاء بمثابة حبة السكر التي ستنسيك الأيام الصعبة، أما الإكثار منها فسينسيك ما جئت لأجله، حاول أن تبني حاجزاً بين اللهو والدراسة، فاليوم الخالي من المحاضرات لا تقصد الجامعة فيه للجلوس في كافيتريا؛ لأنه في اليوم الموالي ستغيب عن محاضرة لتهزم من فاز عليك البارحة في مباراة البلياردو، فتخسر شيئاً أكبر قد يكون سنة أو مستقبلاً.
يوجد أساتذة متعتهم الوحيدة هي نظرات الحيرة التي سترسم على وجهك عندما يبدأون بالكلام، ربما هذه طريقتهم الوحيدة للحصول على بعض الهيبة داخل هذا العالم، أينشتاين إذا عرف أنك طالب جديد يستطيع أن يشرح لك نظريته النسبية حسب مستواك، لكن مثل هؤلاء سيعقدون لك البسيط، المهم لسنا أطباء لنعالجهم، لكن احذر أن تصدق أنك غبي، ولا تسمح لمخلوق بأن يطفئ شعلة التألق داخلك.
لست طفلًا لأُسديك نصائح من نوع راجع دروسك، اجتهد، أو اجلس في المقاعد الأمامية، لكل منا طريقته في الدراسة الواجب عليك أن تثق في قدرتك على النجاح، وأن تعترف بمسؤوليتك عند كل نكسة، لا تعلق فشلك على شماعة أي إنسان مهما كانت صفته طالباً، أستاذاً، أو إدارياً ولا تربطه بأي ظرف مادي أو معنوي، أنت الوحيد الذي ستقرر النتيجة فوزاً أو هزيمةً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.