خلفت تصريحات نور الدين البحيري رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان التونسي يوم الإثنين جدلاً بين التونسيين إثر تجديده الدعوة التي أطلقها الغنوشي لإحياء " قانون الأوقاف" والذي ألغاه الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة سنة 1957 إثر الاستقلال في إطار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى وتوجهات الدولة الحديثة التي قام بها.
البحيري اتهم بالدعوة إلى إلغاء مجانية التعليم في تونس وتعويضه بما يعرف بـ"الاقتصاد التضامني" أو "foundation" وفق ما هو معمول به في دول مثل أميركا وبريطانيا، حيث يسمح هذا النظام للمنظمات وللأشخاص من تقديم هبات قارة أو منقولة من عقارات وأراضي وأموال تذهب مداخيلها للدولة في إطار المصلحة العامة بشكل مؤقت أو دائم دون التفريط في الملكية.
سوء فهم
البحيري نفى ما نسب إليه مؤكداً أن تصريحاته التي جاءت في حوار له عبر راديو "شمس إف إم " أكدت على أهمية مقترح رئيس حركة النهضة الخاص بإعادة إحياء قانون الأوقاف بشكل يساهم في دفع عجلة التنمية في مجال التعليم والبحث العلمي والذي بلغ مستويات متردية بسبب عجز الدولة عن تمويل هذا القطاع وهو نظام معمول به في أعرق الدول الغربية وفق قوله.
وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قد دعا منذ أيام رئيس الكتلة في البرلمان لتمرير مشروع قانون "الأوقاف" وذلك في كلمة ألقاها بمناسبة إشرافه على تكريم ثلة من أوائل الطلبة المتميزين في الجامعات احتفالات بيوم العلم، حيث شدد الغنوشي على أهمية تمرير هذا المشروع ورأى فيه حلاً لمشاكل التعليم في تونس حيث سيجعل من التعليم تضامنياً لا ينتمي للخواص ولا للدولة وفق قوله.
مقترح الغنوشي رأى فيه كثيرون رسالة مضمونة الوصول أراد رئيس الحركة توجيهها لشريكه في الحكم الباجي قائد السبسي الذي أحرج النهضة سابقاً بطرح مشروع قانون المساواة في الإرث، ليرد عليه الغنوشي بمقترح يحمل طابعاً دينياً حول قانون الأوقاف في ما يشبه المناكفة السياسة بين شريكين متوافقين في الحكم ظاهرياً وخصمين لدودين في الإيدولوجيا والمشروع المجتمعي بشكل عام.
شدّ حبل
مشروع الأوقاف فجر بين التونسيين جدلاً لم يبتعد في مضمونه وتوجهاته العامة عن ذلك الخاص بالمساواة في الإرث، حيث انقسم التونسيون كعادتهم بين مؤيد ورافض لهذا المشروع. بين من يراه خطراً على النظام التعليمي الحداثي الذي أرساه الرئيس السابق الحبيب بورقيبة وخطوة نحو إرساء الدولة الدينية، وتنصلاً للدولة من مسؤولياتها التنموية، وبين من أثنى عليه واعتبره مشروعاً من شأنه أن يساهم في خلق موارد جديدة للقطاع التعليمي في تونس والنهوض به في إطار الاقتصاد التضامني.
لسعد اليعقوبي كاتب عام نقابة التعليم الثانوي في تونس وصف دعوة حركة النهضة المبطنة لإلغاء مجانية التعليم، والتي نفاها رئيس الكتلة نور الدين البحيري، بغير الجديدة حيث سبق وأن دعا قيادي النهضة حسين الجزيري خلال مساءلته لوزير التربية السابق إلى أن يكون نصف التعليم في تونس عمومياً والنصف الآخر خاصاً.
وشدد في حديثه لـ"عربي بوست" على أن أي محاولة من أي حزب كان، للدفع نحو "التصرف في التعليم خارج إطار الدولة هي محاولة للمساس بقطاع استراتيجي في علاقة لصيقة بنمط المجتمع ومستقبل أجيال قادمة"، وأضاف: "أريد أن أذكر النهضة أن دولاً عريقة مثل فرنسا وألمانيا لم تتحدث لا عن الخصخصة ولا عن الاقتصاد التضامني في التعليم".
اليعقوبي اعتبر أن المدرسة العمومية كانت ولا تزال الملاذ الأول والأخير للطبقات الفقيرة والمتوسطة في تونس وحافظت على تجانس المجتمع التونسي بعيداً عن الصراعات الطائفية التي تعصف بدول أخرى وأن الدولة مطالبة وفق ما جاء في الدستور بتحسين هذا المرفق العمومي لضمان بقائه وعدم تخليها عن دورها الرئيسي.
وحذر في ذات السياق أحزاباً مثل النهضة ونداء تونس من طرح هذه القضايا الحساسة والاستراتيجية في إطار الصراعات السياسية وتصفية الحسابات بينهم مما من شأنه ضرب وحدة التونسيين وزيادة تقسيمهم، على حد قوله.
نظام قديم/جديد
أما القيادي في حركة نداء تونس خالد شوكات فاعتبر أن دعوة الغنوشي لاعتماد "الاقتصاد التضامني" قد وقع تأويلها بشكل خاطئ، حيث أنها التصقت في أذهان التونسيين بآلية قديمة هي "الأوقاف" والتي تمت بلورتها في العهد الإسلامي، ووقع تجاوزها في ظرف تاريخي وسياسي معين أراد من خلالها الحبيب بورقيبة تجاوز التعليم الزيتوني وجعل التعليم عاماً وعصرياً وتحت وصاية الدولة بشكل كامل.
شوكات أشار في حديثه لعربي بوست إلى أن ما ذهب إليه الغنوشي ليس بدعة بل أمر معمول به في دول علمانية على غرار تركيا التي تعتمد نظام الأوقاف لكن في إطار الفصل التام بين الدين والدولة.
وشدد على أن أهم شكلين للتنظيم في هذا المجال والمعمول به في أغلب الدول الغربية يتم في إطار نظام الأوقاف أو نظام الجمعيات مستدركاً: "قد يكون توجه النهضة نحو تغيير مقترح مشروعها من نظام الأوقاف إلى نظام الاقتصاد التضامني محاولة منها لتخفيف الضغط عليها باستخدام هذه المصطلحات التي تحمل في أذهان التونسيين بعداً دينياً وإيديولوجياً".
شوكات أثنى على هذا المقترح لكنه اعتبر أن الجو السياسي المشحون في تونس والذي تسيطر عليه التجاذبات السياسية يجعل من أي مقترح حتى وإن كان في مصلحة تونس محل شك واستهجان من أي طرف كان.