إلغاء مجانية التعليم.. عن أي مجانية يتكلمون؟!

إن الميزانية التي تصرفها الدولة على التعليم هي فقط "بضاعتنا رُدت إلينا"، وإن المسؤولين هم فقط موكلون بجمع هذه الأموال من الشعب وإعادتها إلى الشعب مقابل رواتب يتقاضونها، وبالتالي فهم ملزمون، باعتبارهم موظفي الشعب، بحسن التدبير واتخاذ القرارات لصالح المواطنين وليس ضدهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/18 الساعة 01:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/18 الساعة 01:07 بتوقيت غرينتش

بعدما صرَّحت الحكومة المغربية بضرورة رفع الدولة يدها عن قطاعَي التعليم والصحة، اللذين يعتبران من القطاعات الحيوية في المغرب، ها هو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يجتمع ليخرج لنا بمقترح إلغاء المجانية في التعليم ما بعد الإلزامي (الأولي، والابتدائي، والإعدادي) -مع وضع كلمة "مجانية" بين آلاف الأقواس-، وبالتالي تكون مفاهيم مقولة "تمخض الجبل فأنجب فأرا" قد تغيرت لتصبح "تمخض الجبل فأنجب فيلاً"، وذلك لضخامة المقترح وتبعاته إذا ما تم تطبيقه.

فبالنسبة للبعض، هذا المقترح يتوافق ومضامين ومقتضيات الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية 2015 – 2030، خصوصاً في ما يتعلق بتمويل المنظومة التربوية وتنويع مصادره.

من جهته، أشار المجلس إلى أن الرسوم ستطبق فقط على الأسر الميسورة، بينما سيتم الإعفاء الآلي للأسر المعوزة.

وكما جرت العادة، لم تسكت الحناجر الحرة ولم تقف الأقلام الكاتبة عن الحديث والكتابة عن هذا الموضوع؛ حيث أصبحت القضية تُتداول في المقاهي والملتقيات والجامعات ووسائل التواصل الاجتماعية، بين الأشخاص الغيورين على هذا الوطن الجريح.

تعتبر هذه الخطوة بمثابة مقياس لنبض المغاربة ومعرفة ردود أفعالهم تجاه مثل هذه القرارات؛ حيث إنه إذا سمح المغاربة بمرور هذا المقترح ومثيلاته فإننا لا محالة سنتفاجأ غداً بالإلغاء الكلي لـ"مجانية" التعليم، وكذا الزحف على باقي الحقوق الأخرى، خصوصاً أن قطاع الصحة هو الآخر شملته فكرة رفع الدولة يدها عنه.

من بين المشكلات التي تطرح نفسها هنا هي كيفية معرفة الأسر الميسورة من المعوزة، خصوصاً أننا نجد اليوم أن هذه المشكلة تطرح أيضاً في معرفة ما إذا كان الطالب يستحق المنحة الجامعية أم لا، فنجد أن بعض الطلبة محرومون من المنحة الجامعية والسكن الجامعي، بداعي أنهم أبناء موظفين، مع العلم أن الرواتب التي يتقاضاها هؤلاء الموظفون شهرياً لا تكفي لتوفير حاجات المنزل حتَّى، فكيف لرجل تعليم مثلاً أن يوفر حاجات ثلاثة من أبنائه يدرسون في الجامعة بالإضافة إلى الحاجات الأخرى؟!

من هنا نستنتج أن الدولة لن تستطيع التدقيق في وضع المعايير والشروط المتعلقة بإحداث رسوم التسجيل.
أين تتجلى مجانية التعليم على أرض الواقع؟

إذا ما غصنا في تحليل تجليات كلمة "مجانية" التعليم على أرض الواقع نجد أننا فقط موهومون بهذه المجانية، وحتى إذا كانت هناك "مجانية" فهي حتماً نسبية.

كيف نتكلم عن مجانية التعليم والطلبة في الجامعة يؤدون واجبات الكراء وفواتير الماء والكهرباء من جيوبهم مع العلم أن دريهمات المنحة لا تكفي لنفقات شهر أو شهرين في أقصى تقدير؟

كيف نتكلم عن مجانية التعليم والتلاميذ في بعض المناطق يقومون برحلة الشتاء والصيف للوصول إلى المدرسة، وبهذا يكونون قد أدوا الثمن من صحتهم؟

كيف نتكلم عن مجانية التعليم والأساتذة والموظفون يتقاضون رواتبهم من ميزانية الدولة التي تتكون بالأساس من الزيادات في الأسعار والضرائب التي تؤخذ من جيوب المواطنين "الغَلابة"؟

كيف نتكلم عن مجانية التعليم والطلبة والتلاميذ يتحملون تكاليف التنقل وشراء الكتب… إلخ؟

إن الميزانية التي تصرفها الدولة على التعليم هي فقط "بضاعتنا رُدت إلينا"، وإن المسؤولين هم فقط موكلون بجمع هذه الأموال من الشعب وإعادتها إلى الشعب مقابل رواتب يتقاضونها، وبالتالي فهم ملزمون، باعتبارهم موظفي الشعب، بحسن التدبير واتخاذ القرارات لصالح المواطنين وليس ضدهم.

نحن لم نأتِ بهذه السطور من عند أنفسنا، فواقع الحال أمَرُّ بأن يوصف بهذه العبارات المتواضعة، ولعل المغربي عالِم ومدرك لواقعه المعاش.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد