هل توفر الدراسة الجامعية الوظيفة؟

كيف نخطط ونحن نعيش ثورة في العلم والعمل والوظائف التخصصية؟ وكيف يتعامل أبناؤنا وبناتنا مع التحديات التي يواجهونها في اختيار تخصصاتهم، والحصول على وظائفهم المستقبلية؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/31 الساعة 03:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/31 الساعة 03:55 بتوقيت غرينتش

بدا الموضوع بسيطاً عندما سمعتني ابنتي آية ذات السبعة الأعوام أتحدث عن التخصص والجامعة مع بقية أفراد الأسرة "لماذا لا يسألوا كل شخص ما يريد ويعلمونه ما يحتاج"، وحديثي مع ولدي أحمد وهو في الرابعة عشر في اليوم التالي أكد لي أن قرار التخصص يبدأ من قبل التخرج بأعوام، عندما قال لي إنه "محتار ماذا يريد أن يكون في المستقبل، ويجرب أشياء كثيرة لكنه يزداد حيرة".

يطمح كل شاب وشابة بمستقبل أفضل، ويختار طريق التعليم والتأهيل العلمي وسيلة للوصول إلى أحلامه وطموحاته، لكنه اليوم يواجه تحديات صعبة في اختيار التخصص المناسب الذي يوفر له حياة كريمة، ولذلك يقف خريج التوجيهي أو الثانوية في حيرة عند اتخاذ القرار بين رغباتهم الشخصية وأحلام أسرهم، وما تفرضه معدلاتهم الأكاديمية ونصائح من سبقوهم وتنبؤاتهم بمستقبل الأعمال والوظائف بسوق العمل المتغير بطريقة ديناميكية.

الحيرة التي يعيشها الطالب أو الطالبة ليست محصورة على العرب حتى وإن كانت أوضاعنا لها بعض الخصوصية، فالمعاناة عالمية، وكل طالب في أميركا أو في إفريقيا أو أستراليا يبحث عن ذلك التخصص الذي يجمع بين أكثر من دافع، بالنسبة لنا نحن العرب ما يعقد من هذه الحيرة هو إيماننا الناتج عن منظومة التعليم بأن التخصص الجامعي هو حكم بالشقاء أو السعادة الأبدية، بمعنى أن التخصص سيلازمك إلى الأبد، ولن تستطيع أن تغيره، فأدوات تطوير الذات من داخل المنظومة التعليمية محدودة، بمعنى أنك إذا درست محاسبة في البكالوريوس فأنت محاسب إلى الأبد بينما في الولايات المتحدة الأميركية لو درست محاسبة واكتشفت بعدها أنك تعشق التدريس، وتحب أن تكون معلماً فما عليك إلا دراسة بعض المواد في الجامعة، واستيفاء متطلبات مهنة التدريس للعمل بها، أو لمواصلة الماجستير في مجال التعليم.

هذا الواقع يضاعف من التحدي ومن حيرة الطالب وهو يختار باعتبار أن قراره سيلازمه إلى الأبد في الدول العربية وسيتحمل نتيجته، فإما شهادة جامعية بدون وظيفة أو تعيين حكومي في مكان لا يناسب التخصص، أو أن يكون محظوظاً ويجد العمل المناسب له ولتخصصه.

الأمر الآخر أن الطالب الجامعي الخريج قد يصعب عليه بفعل الأنظمة والبيروقراطية العقيمة التي لم تعد تخدم الواقع، ولا تتعامل مع متغيرات ومتطلبات المهن، مواصلة تعليمه وتطوير ذاته للعمل في قطاعات وتخصصات حديثة لتأخر الجامعات والمؤسسات التعليمية عن مواكبة احتياجات سوق العمل العصرية.

والأخطر من ذلك أن سوق العمل تتغير بسرعة لم يشهدها الإنسان من قبل، والمرجح أن 65 في المائة من طلاب الصف الأول في المرحلة الابتدائية سيعملون في وظائف لا توجد بعد في سوق العمل، فكيف يخطط أبناؤنا وبناتنا لسوق عمل تتغير بفعل ثورة العلم والتطورات التكنولوجية؟!

بالنسبة للمشكلة الأولى فالحل يعتمد على إدراك الحكومات لحاجات سوق العمل المستقبلية وتغيير أنظمة ومؤسسات التعليم، بحيث تستطيع أن تواكب متطلبات وحاجة السوق فيما تقدمه من برامج تعليمية وتدريبية وتخصصات يحتاجها المجتمع وسوق العمل.

طبعاً، التأهيل لوظائف اليوم والغد لا يبدأ بالجامعة، وإنما بالتعليم العام الذي يتطلب إصلاحاً هو أيضاً وتغييراً، بحيث يركز على مهارات التفكير والتواصل والتكنولوجيا والعمل الجماعي.،وبالتالي فإن جهود الحكومات وتطوير أنظمة التعليم هو أساسي في مساعدة أبنائنا وبناتنا ليس في اختيار التخصص فحسب، وإنما بالتعامل مع متغيرات السوق ومتطلباته والتغييرات في المهن ووظائفها ومتطلباتها نتيجة لتطور المجالات والتكنولوجيا من حولنا.

أما بالنسبة للمشكلة الثانية والمرتبطة بتطور سوق العمل وبالتغييرات في الوظائف التخصصية، فهنالك ما يمكن للطالب أن يفعله للتعامل مع هذا التحدي.،وربما أن أول عمل يكمن في التخلص من فكرة أن التخصص هو حكم وظيفي حتى الموت، بمعنى أن الطالب لو درس محاسبة فيجب أن يعمل في مجال المحاسبة، أو حتى طبيب أطفال فيجب أن يعمل في مجال علاج الأطفال من خلال عيادة، فوالدة صديق لي تذكره بإحباطها دائماً بعد أن انتقل من عمله في عيادته لعلاج الأطفال ليصبح مديراً لمستشفى للعلاج التأهيلي.

وبالتالي يجب أن يصبح الخريج مستعداً لإعادة تأهيل نفسه ولتطوير قدراته بحثاً عن فرص جديدة أو فرص أفضل، خريج كلية التربية اليوم مثلاً لا يمكن أن يكون ناجحاً في أي مدرسة، وربما لا يمكن توظيفه بدون أن يكون لديه مهارات التعامل مع التكنولوجيا الحديثة التي تمكنه من استخدام التطبيقات التعليمية والاستفادة منها.

وخريج الكومبيوتر إذا لم يواصل تعلم لغات البرمجة الجديدة وتجديد معرفته وخبرته سيجد نفسه، إما في عمل محدود أو بدون وظيفة؛ لأن الأعمال المتوافرة في المستقبل ستتطلب معرفة وخبرات غير التي تعلمها في الجامعة.

فكيف نخطط ونحن نعيش ثورة في العلم والعمل والوظائف التخصصية؟ وكيف يتعامل أبناؤنا وبناتنا مع التحديات التي يواجهونها في اختيار تخصصاتهم، والحصول على وظائفهم المستقبلية؟

أورد هنا نصائح بناءً على مشاهداتي وتجربتي الشخصية:

  • ابحث عن ذاتك أولاً وتعرف على هواياتك، واختر مجالاً تحبه أنت، ولو أحببت الموسيقى أو اللغة العربية.
  • طور من نفسك وتعلم ولا تتوقف وسلح نفسك بالتكنولوجيا وبلغة أجنبية.
  • والنصيحة الأثمن هي أن تختار مجالاً لا وظيفة، فالأنظمة الذكية والدراسات الجينية وتقنيات النانو والروبوتات ستحتاج وظائف جديدة عصرية.
  • ابحث عن سعادتك فمعها يأتي النجاح والتميز وسعادة أسرتك عندها ستكون حقيقة واقعية.
  • العلم من المهد إلى اللحد، فلا تتوقف حتى تكتسب المرونة المهنية.
  • تعلم واكتسب مهارات التفكير المنطقي وحل المشكلات وقراءة البيانات واتخاذ القرارات المحورية.
  • تعلم التعبير الشفهي والكتابة بوضوح والتواصل مع الآخرين والعمل معهم، وقدرات التفاوض والإقناع والمراقبة الذاتية.

في الأخير يجب علينا أن ندرك أن الشهادة الجامعية لا تضمن العمل ولا تضمن النجاح، ولا تضمن أن يصنع الإنسان الفرق في مجتمعه، لكن التعليم الجامعي مع المهارات التي تحدثنا عنها بما فيها مهارات التكنولوجيا والتواصل واللغات الأجنبية كفيلة بأن تعطي الخريج أو الباحث عن وظيفة التميز الذي يمكنه من الحصول عليها، والتعامل مع متغيرات سوق العمل والمضي في طريقه المهني بنجاح.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد