تقول العرب المناسبة شرط. ومناسبة هذا المقال احتفاء موسوعة الجماهير بذكرى تأسيسها الخامسة عشر منتصف شهر يناير/كانون الثاني. نشرت "ويكيبيديا" خلال عقد ويزيد ملايين المقالات بمختلف لغات العالم، وشوشت على المعرفة الأكاديمية وزاحمتها، ودافعت عن حقها في الوجود حتى صار الساسة وعلية القوم في دول المشرق والمغرب يتسابقون على تحرير سيرهم بصفحاتها وتنقيحها وحمايتها من كل نقد لاذع أو تعديل جارح، والكلام في هذا الباب جم، غير أني أحببت أن أقصر الكلام هنا على مشاهد وصور دالَّة على أثر هذه الموسوعة الغريب العجيب، المضحك المحزن، في أحوال أهل المعارف والدرس
والعلوم..
….
1)مقهى إنترنت بمدينة من مدن المغرب الهادئات. يدلف شاب، طفل صغير، فتاة، تلميذ، يخرج ورقة مكتوبة من جيبه، وقد يأتي حاملا كتابه المدرسي، يفتحه، يشير إلى صفحة معينة، تمرين ، موضوع إنشائي، وقد يحمل طلبه في صدره، ومن ثم يمليه على صاحب المقهى، ويطلب منه أن يبحث له في الإنترنت عن موضوعه ذاك، ويحدد له بدقة عدد الصفحات المطلوبة، مع رجاء بقليل من "الروتوش" والتعديل ليبدو الموضوع أصيلا فريدا، دون نسيان الاسم الشخصي والصف واسم المؤسسة المدرسية في الصفحة الأولى مع قليل من الزينة التي يجود بها برنامج "ورود". يحوّل صاحب المحل الطلب إلى السيد "غوغل" الذي يحيله ، في غالب الأحيان، إلى موسوعة "ويكيبيديا"، الوحيدة التي تنشر المعرفة، عبر اتفاق جماعي، مجانا، وبدون رموز سرية أو مقابل مادي، ومن ثم تتخذ الصفحات طريقها إلى آلة الطباعة، وفي اليوم الموالي تكون بين يدي الأستاذ.
2) أستاذ جامعي يوزع مطبوعا للمادة التي يدّرسها لطلابه، بقليل من البحث يكتشف الطلبة أن الأستاذ قدم لهم نسخة وفيّة من مقال مطول لويكيبيديا. بالعودة للقسم، يتظاهر الطلاب بأنهم لم يكشفوا مصدر المطبوع، فيمدهم الأستاذ الجليل بمطبوع ثان، وثالث، ورابع كلها نسخ وفيّة لمقالات ويكيبيديا. يبعث الوضع على السخرية..مع ذلك لا أحد يجرؤ على مواجهة الأستاذ أو تنبيهه. المهم أن يمر العام بسلام بوكيبيديا أو بالجن الأزرق..
3) طالب يناقش بحث تخرجه مع لجنة من الأساتذة بثقة وأمل كبير في النجاح. يفتح عضو من اللجنة برنامجا معلوماتيا خاصا بقياس نسبة الاقتباس في البحوث، يقارن البرنامج أي بحث مع آلاف البحوث والمقالات والفصول المدخلة مسبقا في قاعدة بياناته–، تأتي النتيجة صادمة 80 في المائة من مادة البحث مقتبسة، ومصدر الاقتباس "ويكيبيديا". انتهت الرحلة.
4) أستاذ ثقة جليل يمضي يومه في تحذير تلامذته من زيارة تلك الموسوعة الرديئة بله الأخذ مما فيها من آراء فاسدة ومقالات تائهة، وكثيرا ما يشعر بغضاضة وغصة كلما فرط الطلاب في نصيحته، وجَدُّوا في التلفيق والتدليس والتركيب لتبدو المقالات غير منحولة، ما يلبث أن يجدها تعيد بعضها بعضا بشكل معيب، أو يكثر فيها اللغط والخطأ، وتقع في الغالب في ذيل الصحة العلمية ما بين ضعيفة وموضوعة ومردودة. وقد يبتسم، أو يحزن، أو يغضب، وقد يعيد "موّاله عن ويكيبيديا" على مسامع طلبته في اليوم الموالي، وقد يلجأ إلى قلمه الأحمر للتعبير عن غضبه، وقد يرأف بهم..
5) طالب أذكى من أن يقع في فخاخ الموسوعة، وأدهى من أن يكشف الأستاذ مسعاه، يقتفي آثار الإحالات المرقمة بالموسوعة، فإن وجدها لكتاب أو تقرير بحث عنه، واستقى ما يبحث عنه من معلومات مباشرة من المصدر الأصلي، وإن وجد في الإحالات ضعفا أو هلهلة، انصرف عنها، لا ضرر ولا ضرار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.