ممّا لا شكّ فيه أن سلسلة أفلام هاري بوتر تُعتبر إحدى أكثر الأعمال شعبية حول العالم، ولعلّ أكثر ما يميّزها أنها استطاعت أن تجمع الفئات العمرية كلها على حبّها. فالصغير، مثل الكبير، ارتبط بشخصيتها ارتباطاً وثيقاً وصل أحياناً إلى حدّ الهوس.
وبعد التكهنات الكثيرة، أعلنت شبكة HBO Max بشكلٍ رسمي عن إنتاج مسلسل هاري بوتر. وقد نشرت عبر حسابها على تويتر إعلاناً أولياً عن المسلسل المرتقب، مشيرةً إلى أنه سيكون مقتبساً "بإخلاص عن الكتب الأيقونية".
في الأساس، فإن سلسلة الأفلام الشهيرة مقتبسة من روايات هاري بوتر (وعددها 7) وهي من تأليف J.K Rowling. استغلت شركة Warner Bros. الروايات تباعاً لإنتاج سلسلة من 8 أفلام، عُرض آخرها في العام 2011.
اليوم، وبعد أكثر من 10 سنوات، يُعاد إحياء سلسلة الأفلام الناجحة من خلال مسلسل هاري بوتر.. فهل هذه خطوة ذكية، أم ضربٌ من المقامرة؟ وهل يعني ذلك أنها تعتبر هاري بوتر بمثابة الحصان الرابح، وتراهن على نجاحاته السابقة؟
كل ما نعرفه حتى الآن عن مسلسل هاري بوتر
في بيانٍ صحفي، كشفت شركة Warner Bros. Discovery أن مسلسل هاري بوتر الجديد سيكون مقتبساً بشكلٍ كامل من روايات هاري بوتر السبعة للكاتبة البريطانية J.K ،Rowling كما أنها ستشارك في المسلسل بصفة منتجة منفذة.
وقد أشارت مجلة Variety إلى أن Rowling ستشارك في مسلسل هاري بوتر الجديد وتتواجد في مواقع التصوير، كمنتجة منفذة، للتأكد من أنه لن يتمّ تحريف القصة أو بعضٌ من أجزاء الروايات، وهذه أمور قد تحدث خلال عملية تحويل أي رواية إلى مسلسل تلفزيوني.
وكما أن سلسلة الأفلام امتدت لـ10 سنوات، فقد أعلنت الشركة المنتجة أن مسلسل هاري بوتر سيمتدّ لـ10 سنوات أيضاً، وأنه سيتمّ إنتاجه "بنفس المناخ الملحمي والحب والاهتمام الذين اشتهر بهم هذا العمل".
من المقرر أن يعتمد كل موسم على كتابٍ من سلسلة كتب هاري بوتر الـ7، ما يعني أننا سنشهد 7 مواسم من مسلسل هاري بوتر.
وهذه نقطة إيجابية توحي بأنه سيتسنى لكاتبة السلسلة استعراض تفاصيل أكثر من الكتب، بعد أن اختصرت الأفلام الكثير من الأحداث والشخصيات؛ حسب تصريح كيسي بلويز، المدير التنفيذي للشركة.
فريق العمل سيكون جديداً ومختلفاً تماماً عن الفريق السابق، الذي عمل في سلسلة أفلام هاري بوتر، ولم تختر الشركة بعد أي اسمٍ، لاسيما أن الجزء الأول من مسلسل هاري بوتر من غير المتوقع أن يبدأ عرضه قبل العام 2025.
من المقرّر أن يُعرض مسلسل هاري بوتر عبر منصة HBO الجديدة، Max، التي تجمع ما بين HBO Max وDiscovery+، والتي سيتمّ إطلاقها في 23 مايو/أيار 2023 الجاري.
ظاهرة هاري بوتر
قبل أن تكتمل سلسلة أفلام هاري بوتر الشهيرة، وبعد 4 أجزاء منها فقط، كانت تُرجمت بالفعل إلى 40 لغة. دراسات علمية كثيرة ناقشت هذه الظاهرة، منها دراسة نُشرت في العالم 2002 تحت عنوان "هاري بوتر والسحر العميق: سرد الأمل في أدب الأطفال".
تتحدث الدراسة عن هذا العالم الموازي الذي نجح في الوصول إلى الجمهور بكلّ أشكاله، من كتب وأفلام وألعاب إلكترونية، إضافةً إلى أي مقتنيات طُبع عليها اسم هاري بوتر أو شيء من عالمها.
ورغم أن بعض النقاد توقع خفوت نجم سلسلة الأفلام، بعد أن يكبر الجيل الذي نشأ معها وشاهدها، إلا أنها استمرت في التوهج أكثر وأكثر وترسخت في وجدان هذا الجيل الذي نقل شغفه بها إلى الأجيال الأخرى.
شخصية هاري بوتر الرئيسية تعاطف معها الجميع، ولسنا نبالغ لو قلنا إننا شعرنا بما يُشبه التواصل معها، ولعلّ السبب في ذلك أنها شخصية بطل غير مثالية.
فهاري طفلٌ يتيم، لا يُمكن القول إنه وسيم، كما أنه ليس ذكياً بشكلٍ كبير. هو طفلٌ عادي يُشبه أي طفلٍ في مثل ظروفه العائلية، قبل أن يكتشف أنه ساحر ويملك باباً يأخذه إلى عالمٍ آخر، يُعامل فيه بشكلٍ مختلف.
تركيبة جذبت الأطفال من كلّ الطبقات والبلاد إلى الشخصية وربطتها بها، فهم ليسوا أمام بطلٍ خارق. ولم يكن هاري لينتصر من دون مساعدة أصدقائه، ذكاؤه لم يكن ليكفيه، وأكثر ما ميّزه قدرته على الحب والثقة بمن حوله.
حاولت J.K Rowling كتابة روايات عدة بعد انتهائها من سلسلة أفلام هاري بوتر الشهيرة، إلا أنها لم تلقَ نجاحاً يُذكر، بينما نجحت إلى حدٍّ معقول في المسرحية التي تعتبرها الجزء التاسع للسلسلة (Harry Potter and the Cursed Child) وسلسلة Fantastic Beasts.
وكما حصل مع الجمهور، فإن رولينغ توحدت تماماً مع هاري بوتر ولم تستطع أن تخرج من فلك هذا العالم، لدرجة أنها كتبت الكتب التي درستها الشخصيات -أو قرأتها- في السلسلة. فصعّبت على الجمهور قراءة أي شيء آخر تكتبه، بعيداً عن هذا العالم.
العالم الموازي الذي أنقذ رولينغ نفسها
أم عزباء ومفلسة لا تستطيع أن تتكفل بمصاريف روضة أطفال ابنتها الصغيرة، تجوب شوارع إدنبرة، ثم تجلس في مقهى "الفيل الأحمر" الصغير -سيجتذب شهرة واسعة بعدها- وتكتب لساعات بينما تغفو ابنتها الرضيعة إلى جانبها في عربة الأطفال.
هكذا بدأت رولينغ (J.K Rowling) كتابة سلسلة هاري بوتر، وقد استغرق الكتاب الأول 5 سنوات معها لإنهائه، ونُشر في بادئ الأمر تحت اسم "هاري بوتر وحجر الساحر"، ثم تغيّر إلى "هاري بوتر وحجر الفيلسوف".
9 دور نشر رفضت تبني الكتاب الأول، والدار العاشرة وافقت على نشره مقابل مبلغاً زهيداً عام 1997. وما إن بدأ يحقق نجاحاً كبيراً، وتُسحب جميع نسخ الكتاب من المكتبات، حتى لفت انتباه شركة Warner Bros. التي اشترت ملكية السلسلة من أجل تحويلها درامياً.
استطاعت J.K Rowling أن تكتب من وجهة نظر طفل. كتبت بشكلٍ ذاتي، ولكن غير شخصي. كتبت عن اكتئابها، ووحدتها، وفقرها، وتخيّلت العالم الذي -إن أُتيح أن تعيش فيه- فستفقد نفسها لساعات وهي تقرأه.
تُجمع الدراسات والتقارير التحليلية على أن هاري بوتر ظاهرة، ليس لأنه خلق عالماً كاملاً موازياً للسحرة، بل لأنه أعطى الأمل إلى كل الأطفال. الأمل بأنه لو مهما بلغت درجة وحدتهم أو بؤسهم، فهناك دائماً مخرج.
الجمهور متحمّس لكنه متخوّف
بعد الإعلان عن مسلسل هاري بوتر الجديد، تخوّف جمهور السلسلة من هذه الخطوة، بقدر ما تحمّس لها، كما أشار موقع Hindustant Times عبر تقريرٍ نشره في 14 أبريل/نيسان 2023 الماضي.
فكثيرون لا يمكنهم تخيّل شخصيات سلسلة أفلام هاري بوتر (التي اعتادوا عليها) بممثلين جدد؛ فمن يمكنه أن يلعب شخصية هاري بوتر سوى Daniel Radcliffe، أو شخصية هيرميون غرينجر سوى إيما واتسون في مسلسل هاري بوتر؟
وهذه المخاوف طبيعية حين يتماهى الجمهور مع شخصيةٍ قدّمها ممثلٌ واحد على مدى 10 سنوات، فالنجوم أنفسهم تشابهوا كثيراً مع الشخصيات التي قدّموها في سلسلة هاري بوتر.
ظاهرة هاري بوتر لم تؤثر على الجمهور فقط، بل على صناع العمل أيضاً، فجميعهم كبروا ونضجوا خلال تصوير السلسلة، والممثلون أنفسهم بدأوا أطفالاً وكبروا وهم يتقمصون الشخصية نفسها لعشر سنوات.
في الفيلم التسجيلي Return to Hogwarts، احتفالاً بمرور 20 سنة على إنتاج هاري بوتر، تقول إيما واتسون إنها تشابهت كثيراً مع هيرميوني غرانغر منذ تجربة الأداء. وأشارت إلى أنها كانت متأكدة من حصولها على الدور، وهو ما سبّب توتراً لوالديها اللذين خافا عليها في حال عدم حدوث ذلك.
وعن التماهي مع الشخصيات، أكدت واتسون أنها كانت تشعر بوحدة شديدة في الجزء الرابع من أفلام هاري بوتر، وكانت تفكر بجديّة في ترك السلسلة؛ وهو الشعور نفسه الذي عانت منه شخصية هيرميوني في الجزء الرابع.
اتفق كل النجوم في هذا الفيلم التسجيلي على أن أكثر ما ميّز هاري بوتر عن سواه من أفلام كُتبت في الأصل للأطفال، أن جميع الأطفال سيجدون من يمثلهم في السلسلة.. الطفل الوحيد، واليتيم، والطفلة الذكية، وغير الجميلة.
وعلى الضفة الثانية، فسيجد الكبار شخصيات يمكنها أن تتماهى معهم بسهولة، شخصيات جسّدت المشاكل التي يعانون منها بالفعل، مثل: الاكتئاب، والعزل المجتمعي، وخلافه.
تقامر HBO Max بمحبة معجبي هاري بوتر في المسلسل الجديد وتستثمر نجاح السلسلة؛ فهي متأكدة أنهم سيشاهدونه من باب الفضول وذهولهم بهذا العالم، لكن إعادة إحياء شخصياتٍ أحببناها لم يكن ناجحاً دوماً.. فهل يُمكن أن يكسر هاري بوتر القاعدة، ويكون الحصان الرابح؟