بعد سنوات من العطاء في مجال التمثيل، اختارت الفنانة المغربية سناء عكرود الوقوف وراء الكاميرا ودخول غمار الإخراج ثم الإنتاج، وأظهرت موهبة إضافية تمثلت في كتابة السيناريو، لتحكي قصصاً من عمق قناعاتها وأفكارها التي تريد أن تقدمها للجمهور.
في حوار مع "عربي بوست"، تحكي عكرود عن اختيارها طريقاً صعباً مليئاً بـ"الأشواك" وخوض تجربة إنتاج أفلام تدافع عن قضايا إنسانية مجتمعية، بعيداً عن سطحية الإغراء.
فيلم "قصر نظر" ينقل صوراً عن المرأة القروية المغربية.. هل تُناضلين بمواضيع أعمالك السينمائية؟
لا أعتبر ذلك ممارسة نضالية ثورية، إنما فقط أعيش وأتفاعل مع الواقع اليومي والقضايا التي أشاهدها وأشارك الجمهور فيها، للمساهمة بقسط قليل جداً في تغيير وضعية ما، وأن يكون عبوري في عمل ما له فائدة، إما من خلال خلق نقاش حول قضية ما أو تسليط الضوء عليها، من خلال السينما والتلفزيون.
لكن هناك من يعتبر أن "فاطيم" يحصر صورة المرأة القروية الساذجة، السائدة في السينما والتلفزيون المغربيين، ما ردُّك؟
لم تتم مناقشة هذا الموضوع بالشكل والزاوية التي اخترتها لفيلم "ميوبيا"، تناوُلي لهذه القصة مختلف تماماً، كان بإمكاني تناوله في وثائقي على غرار العديد من الأشرطة أو الربورتاجات الإخبارية، لكن تناوله من خلال الكتابة السينمائية مختلف تماماً.
هي ليست صوراً نمطية؛ بل هي صور سينمائية تختلف في التناول عبر الشخصية التي يجب أن تكون مختلفة على مستوى الأداء والإيقاع وطريقة التناول، دون استعراض عضلات المخرج للتقنيات على حساب الموضوع، لأن البطل والنجم في هذا الفيلم هما القضية التي يتناولها العمل.
عبَرتِ من التشخيص إلى الإخراج ثم الإنتاج؟ هل صحيحٌ أن طريق الإنتاج مليئة بالورود؟
طريقي حالياً ليس مفروشاً بالورد، بل أسير في طريق مليء بالأشواك، لم أحصل على أي دعم لإنتاج أعمالي الفنية، ولم أخض التجربة بحس تجاري يوماً، فالأمر ينطبق على فيلمي الأول "خنيفسة الرماد" وحالياً "ميوبيا". الاتجاه للإنتاج قادني إليه حلمُ تحقيق مشروعٍ متكامل أعرف تفاصيله الصغيرة والكبيرة، وسعيت لتوفير كل الإمكانيات اللازمة من أجل إنجاحه وإخراجه في الحلة التي أريد والتي آمنت بها، هي مهمة صعبة، خاصة إذا لم تتمكن من تعويض تلك الأموال في وقت ما، لكنني ربحت فيلماً وقضية، فهذا هو الربح الذي استثمرت فيه.
بعد تجربة الإخراج، هل أصبحت ترفضين الوقوف أمام كاميرات مخرج آخر؟
لا أبداً، أنا أرحب بأي فكرة، فقط يجب أن أحس بأنه سيضيف جديداً لمساري الفني وللجمهور أيضاً، عندما يتم اختياري كممثلة فأنا أقدم كل ما لدي، لأن مهنتي الأولى التي أتنفس من خلالها هي التمثيل.
اشتغالي خلال السنوات الأخيرة على أعمالي، ليس طغياناً مني أو سعياً نحو القيام بكل شيء، أبداً، فقط هو مشروع آمنت به، أعرف تفاصيله ونقاط قوته وضعفه وإيقاع شخصياته، لأنني كتبتها بنفسي، ولحظات صمته. ممكنٌ أن أكون قد اخترت طريقاً خاطئاً، لكنها رحلتي أنا وخطابي وأتحمل مسؤوليته.
لماذا لم نعُد نرى سناء في الأعمال التراثية كـ"رمانة وبرطال" و"دويبة" و"خنيفسة الرماد"؟
الأعمال التاريخية تحتاج ميزانيات لا بأس بها، ومعظم المنتجين يفضلون الإنتاجات الدرامية السهلة التي تعتمد على ديكورات جاهزة، والميزانيات التي يتطلبها أي عمل تاريخي تراثي لن تكون مربحة بالنسبة للمنتج الذي يبحث عن الربح المادي.
لذلك عندما يتعلق الأمر بمشروع فني تاريخي تراثي، يجب أن أقف على تفاصيله الكبيرة والصغيرة، فإذا ربحت فأنا أتحمل مسؤولية المغامرة، وإذا خسرت فأتحمل مسؤولية ذلك على مستوى الإنتاج.
على ذكر "خنيفسة الرماد"، ألا تفكرين في تجربة مماثلة؟
أنا أعشق هذا الستايل، والجمهور أيضاً متعطش إلى هذه الأعمال التراثية التاريخية التي تعتمد على الحكايا والفنتازيا، وبالتأكيد هناك كثير من الأعمال التي كتبتها، وهي الآن قيد الدراسة ولا يمكن الحديث في تفاصيلها الآن.
آخر مرة ظهرتِ في عمل عربي كان "احكي يا شهرزاد" الذي رافقه جدل كبير، لو أعادك الزمن هل ستقبلين بالدور نفسه؟
طبعاً، الاختيارات نفسها أقوم بها، لأن تلك القرارات التي اتخذتها آنذاك جاءت نتيجة نضج نفسي وتفكير في تلك المرحلة، لكن في المرحلة الحالية، سيكون ردي مختلفاً، لأن رؤيتي تغيرت في الفيلم كوسيلة للخطاب وطريقة التناول، والسينما هي فن وسيلة.
هذا النضج منحني استقلالية وسمح لي بالمرور للكتابة والإخراج، وتحمُّل مسؤولية اختياراتي، لأنها رؤيتي الخاصة بي.
هل نفهم من حديثك أنك أصبحتِ ترفضين الجرأة من خلال الإغراء والجسد في التعبير الفني؟
التعبير الفني هو وسيلة، وتختلف حسب الرصيد المرئي وثقافة منتج المادة الفنية، إذا كانت ثقافة المبدع الذي يكتب القصة محدودة، فأكيد سيقتصر على كل ما هو سطحي وسيتجه إلى الإغراء والجدل في الجسد، نتيجة غياب بحث في كل ما يحيط بالشخصية.
نحن في حاجة إلى تحريك كل ما هو فني ودفع الجمهور إلى التساؤل وخلق نقاش، بإمكان العمل الفني تناول التابوهات بشكل حذر في التناول، أما إذا كان التناول مباشراً وسطحياً، فأكيد أنَّ وقع العمل على الجمهور يكون سطحياً وباهتاً، وهو الأمر الذي ينطبق على استعمال الجسد في العملية الفنية.
لو أتيحت لك الفرصة، ما الدور الذي تتمنين تأديته عربياً؟ وأي فنان عربي تتمنين الوقوف أمامه؟
شرطي الوحيد لقبول أي عمل، أن تدهشني الشخصية، وتلك المتعة التي أحس بها في القراءة سيحس بها المشاهد دون شك، عندما نتحدث عن المتعة لا نعني بالضرورة الكوميديا بل المتعة في التراجيديا والأحداث الدرامية والذكاء في التناول والأداء.
تُعتبر السينما المصرية الأقوى عربياً، ما الذي ينقص نظيرتها المغربية حتى تصبح مثلها؟
نحتاج إلى نص جيد، وعدم التعامل مع المشاهد كفأر تجارب، نص حقيقي نابع من محيطنا وثقافتنا المحلية، لكنه يمكن أن يصل إلى العالمية من خلال تناول الجانب الإنساني، لأنَّ تناول القصة الحقيقية بإمكانه أن يجعها تصل للعالم بأَسره وتكسر حاجز اللغة وتلامس ثقافات أخرى.
كما نحتاج لمخرجِين مثقفين يحملون مشروعاً إنسانياً، ليسوا بتجار، فعندما تغيب المحاسبة يباح كل شيء، لابد من محاسبة المخرجين وتحقيق معادلة بين شباك التذاكر وفيلم يحترم مقومات العملية الفنية الإبداعية.
شهد مهرجان طنجة حادث انسحاب لجنة التحكيم بسبب فرض تتويج فيلم دون آخر، ما تعليقك على الواقعة؟
العناصر المكونة للجنة تحكيم مهرجان الفيلم بطنجة عناصر أكْفاء لكن لا يمكن أن تكون موضوعية، لأن الجوائز في كل المهرجانات العالمية لها دوافع سياسية وثقافية، اللهم القلة القليلة الصارمة في أحكامها ويعطون للأفلام الجيدة حقها من التتويج، لذلك أتعامل مع التتويج في جميع المهرجانات بحذر وتحفُّظ، والجائزة ليست معياراً لتقييم جودة العمل.
المملكة السعودية أبدت انفتاحاً على المجال الفني في العهد الأخير، هل تابعت الموضوع؟
أهنئ كل العقول التي استوعبت بشكل رائع، الدور الذي تلعبه هذه القوة الناعمة في النهوض باقتصاد الدول والرفع من السياحة، فالحكومة التي تستوعب ذلك وتعطي المجال الفني والثقافة بكل تجلياتها قيمتها، حكومة ذكية.
إذا أتيحت لكِ فرصة كتابة فيلم أو إخراجه في السعودية فما الموضوع الذي تختارين؟
سأختار المواضيع المتعلقة بالمرأة وحريتها، قضايا المرأة المطلقة، أو تلك الفتاة التي تأخرت في الزواج واختارت أن تظل عازبة، هذا الإطار الاجتماعي يعجبني طرحه للنقاش.
عملك في المغرب فلماذا تستقرين في كندا؟
أنا أعيش 80% في المغرب، لأن عالمي وخيالي في بلدي، وأسافر لدول أخرى لكن أبنائي يعيشون في كندا، ويسافرون معي للمغرب كلما سمحت الظروف بذلك.