تناقلت بعض الوسائل الإعلامية، والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، صورةً قيل إن لها القدرة على كشف نوعية شخصيتك، وما إذا كان لديك صفات الصدق أو التنافسيّة، فما حقيقة هذه الصورة وسبب الخداع البصري المتضمن فيها؟ وما مصدرها؟
خداع بصري لأيّ غرض؟
جاء في الأخبار المتداولة لوحة بالأبيض والأسود، تظهر بها فتاتان متلاصقتان بجانب بعضهما، إحداهما تحمل ورق التاروت، وتشكّلان معاً هيئة جمجمة، حيث يتموضع الرأسان مكان فجوتي العينين، وتمثل الأوراق السوداء موضع فجوتي الأنف والأوراق البيضاء الأسنان.
وقالت المصادر إن نظرك للوحة ورؤيتك لأحد هذين الشكلين أولاً له دلالة على سمة ما في شخصيتك.
فإذا مرّت بك اللوحة ورأيت الفتاتين بها للوهلة الأولى، فهذا يعني أنك شخص متفائل، وتنافسي للغاية وتريد الفوز بكل شيء.
أما إن رأيت الجمجمة أولاً، فيعني ذلك تحلّيك بالصدق، كما يضع الأصدقاء ثقتهم فيك، ويمكن لهم دائماً الاعتماد عليك، إلا أنك من النوع الذي يخبرهم بما لا يودّون سماعه أحياناً. فمن أين أتى هذا الزعم لعلاقة ما يراه المرء بالصورة بشخصيته؟
مصدر الخبر.. فيديو على "تيك توك"
تحيل المواقع العربية هذا التحليل إلى صحيفة "ذا صن" البريطانية، والتي تحيله بدورها إلى شخصٍ يُدعى "تشارلز ميريوت".
وقد نشرت صحيفة ذا صن هذا الخبر بالفعل، إلا أنه نُشِر ضمن قسم Fabulous المتخصص بنشر أخبار المشاهير والجمال والصحة والفن والأبراج، وغير ذلك من أخبار منوّعة.
جاء نشر هذا الخبر من قبل الصحيفة بمثابة متابعة أخبار نجوم السوشيال ميديا، باعتبارِ أن تشارلز ميريوت هو صاحب أحد الحسابات الشهيرة على منصة تيك توك، وليس بمثابة تبنّي التحليل من قبل الصحيفة.
وعند البحث عن تشارلز ميريوت، تبين أنه موسيقي وعازف غيتار، يعمل حالياً في مجال تحليل البيانات ضمن قطاع الخدمات المالية، وفقاً للتعريف الوارد في موقعه الشخصي.
بدأ تشارلز ميريوت بالاشتهار عبر الفيديوهات التي ينشرها في حسابه على تيك توك charlesmeriot، ويغلب عليها طابع المرح والتخمينات النفسية.
ينشر ميريوت سلسلةً من الفيديوهات للوحات خداع بصري منذ أكثر من عام، ويقول إن حسابه على تيك توك مخصص للمرح "Just for fun"، فيما تحيل مقدمة حسابه لموقع مختص بالتاروت و"القراءات الروحانيّة".
تأتي "التحليلات النفسية" تلك كلها للوحات الخداع البصري من حساب تيك توك، علماً أن صاحبه لا يُقدّم نفسه كعالم نفس، وليس لديه أيّ خبرة في المجال، والتفسيرات تابعة له من دون الاعتماد على أيّ منهج، وهو ما فشلت المواقع العربية التي تناقلت الخبر بذكره، وقد جرى تناقل أخبار سابقة مماثلة عن حساب تيك توك نفسه.
فما معنى اللوحة نفسها إذن؟
"الكلّ باطل" وإلى فناء..
شاعت فكرة تضمين رسم الجمجمة ضمن اللوحات الفنية لتشكّل نوعاً من الخداع البصري بشكلٍ خاصّ في القرن الـ19، ولكن هذا المبدأ في اللوحات لا يزال موجوداً حتى يومنا هذا.
لا يُعرف متى بدأ اللجوء لهذا النوع من التلاعب البصريّ بالأشكال لتضمين الجماجم في اللوحات، وربما تكون لوحة "السفراء" للفنان هولباين (1497 – 1543) أقدم لوحة معروفة تعتمد هذا الأمر.
تعد الجمجمة المشوهة أكثر الرموز شهرة في عمل هولباين، فبسبب طريقة رسمها ووضعها في الجزء السفلي من اللوحة، لا يمكن للمشاهد "رؤيتها" بالفعل إلا مع اقترابه من اللوحة من أعلى الجانب اليمين أو أسفل الجانب اليسار، ولا يُعرف حتى الآن سبب استخدام هولباين لهذه التقنية تحديداً برسم الجمجمة.
ومن ثم لوحة All Is Vanity الشهيرة للرسام الأمريكي تشارلز آلان غيلبرت، امرأة تنظر إلى انعكاسها في المرآة، بينما تُشكل مع المرآة وأدوات الزينة المصطفّة هيئة الجمجمة عند النظر إليها معاً.
استوحى الفنان لوحته من عبارةٍ إنجيلية "باطل الأباطيل، الكل باطل" الواردة على لسان الملك سليمان بن داوود، وتقصد الصورة إيصال فكرة أن لا شيء يدوم، وما وراء الجمال والصحة والثروات إلا الموت والفناء.
انتشرت تقنيّة وضع شكل الجمجمة في اللوحات بصورةٍ واسعة في اللوحات الغربية، كما أُنتج هذا النمط نفسه بعددٍ لا يحصى من البطاقات البريدية واللوحات حول العالم في القرن الماضي.
أما عن الرسمة المرفقة بالخبر تحديداً، فهي لوحة للفنانة أولغا بيليايڤا كانت تبيعها تحت عنوان "الفتاة قارئة التاروت"، وهي لوحة مستلهمة من إحدى صور الفوتوغرافيّ الروسي سيرج إن كوزينتسيف.