اشتهرت الفنانة المغربية اليهودية ريموند البيضاوية بأغاني فنانين آخرين، أدتها بطريقتها الخاصة، ولكنتها المميزة، فأصبحت واحدة من بين الفنانين المحبوبين لدى الجمهور المغربي، بالرغم من وجودها خارج أرض الوطن.
مرت ريموند بعدة مراحل في مسارها الفني، قادتها للوقوف أمام الملك الحسن الثاني، والغناء في القصر الملكي بالرباط.
حلمت بأن تكون مصممة أزياء لكنّ الصدفة قادتها للغناء
وُلدت ريموند البيضاوية في عائلة يهودية مغربية سنة 1943، كبرت وترعرعت داخل أحد الأحياء الشعبية بمدينة الدار البيضاء، وعاشت طفولة عادية بين جيرانها المسلمين، الذين كانت تربطها بهم علاقة قوية.
كانت ريموند تحلم بأن تصبح مصممة أزياء، لكنها تزوجت عندما كانت تبلغ من العمر 14 سنة، ثم أنجبت طفلها الأول في سن مبكرة، الأمر الذي حال دون تحقيق هذا الحلم.
لكن القدر كان يخبئ لها مفاجأة أخرى، قادتها إلى عالم النجومية والشهرة، بعد دخولها عالم الغناء بمحض الصدفة، عن طريق الفنان المغربي اليهودي ألبير سويسة، الذي كان قد حل ضيفاً على عائلتها، وكان يعاني حينها من مشكلات رفقة شركة الإنتاج التي يتعامل معها، والتي طلبت منه إيجاد صوت نسائي من أجل تأدية بعض أغاني الفلكلور المغربي التي يشرف على توزيعها.
اقترح ألبير على ريموند تقديم الأغاني بصوتها، وبعد تردد وافقت، لتقوم بتسجيل أول أغنية بصوتها، وبعد ذلك استمرت في تسجيل أغانٍ أخرى لفنانين مغاربة آخرين.
انتقلت ريموند للعيش في إسرائيل رفقة جدتها سنة 1961 وهي في سن الـ18، لكن هذا الأمر لم يمنعها من الاستمرار في الغناء، وتقديم أغانٍ شعبية مغربية لفنانين آخرين بصوتها، من بينهم بوشعيب البيضاوي، ولطيفة أمل، اللذان كانا من بين رواد الفن الشعبي المغربي سنوات الستينيات.
وبسبب طريقتها في الأداء، ولكنتها المختلفة، تمكنت ريموند من جذب الجمهور لها، وأصبح صوتها واحداً من بين أشهر الأصوات في المغرب، بالرغم من وجودها خارج البلاد.
عشقت الدار البيضاء ولقّبت نفسها بـ"البيضاوية"
لقّبت ريموند نفسها بالبيضاوية، نسبة لمدينة الدار البيضاء التي قضت فيها 18 سنة من عمرها، إذ قالت خلال لقاء تلفزيوني لها في البرنامج المغربي "ما نسيناكش" أنها لم تنسَ أبداً الأيام الجميلة التي قضتها في أزقة المدينة الشعبية، والحب الكبير الذي كان يغمرها من جيرانها المسلمين.
وأشارت ريموند إلى أنها كانت تقضي وقتاً طويلاً خلال فترة طفولتها في منزل إحدى الجارات، عندما كانت تتوجه أمها للعمل، فلم تكن تشعر بأي اختلاف بين اليهود والمسلمين، بل على العكس تماماً، كانوا عبارة عن عائلة واحدة.
ومن بين الأماكن التي ربطتها بمدينة الدار البيضاء، شوارعها الشهيرة التي شكلت جزءاً كبيراً من ذاكرتها، من بينها شارع محمد الخامس، وشارع الأمير مولاي عبد الله، وغيرها من الأماكن التي جعلتها تحب المدينة، وتختار اسمها رفيقاً لها في مسارها الفني المستمر إلى يومنا هذا.
غنّت للوطن في حفلها الأول بالمغرب
أصبح صوت ريموند مألوفاً لدى المغاربة، لكنها، وبالرغم من شهرتها، لم تصدر أي عمل غنائي خاص بها، إلى أن جاءتها فرصة إحياء أول حفل غنائي لها في مسرح محمد الخامس بمدينة الرباط، بعدما كانت تحيي حفلاتها في إسرائيل فقط، وتقدم كل وصلاتها الغنائية باللهجة المغربية هناك.
شعرت ريموند البيضاوية بالرهبة من الوقوف أمام الجمهور المغربي للمرة الأولى دون أن يكون لها أي عمل غنائي خاص يحمل اسمها، فوجدت الحل الأمثل لمجاملة جمهور البلد الذي وُلدت وترعرعت فيه هو إصدار أغنية وطنية خاصة بها، أطلقت عليها عنوان "مغربية مؤمنة ببلادي".
بعد نجاح حفلها الأول في المغرب، وأغنيتها الخاصة الأولى، أصدرت ريموند أغنية وطنية أخرى حملت عنوان "احنا مغاربة يا سيدي"، ثم أغنية ثالثة اسمها "الطوموبيل"، بمعنى السيارة، وبهذا تمكنت من إنشاء أرشيف غنائي صغير، يحمل بصمتها الخاصة في مجال الأغنية المغربية.
فقدت النطق في حضرة ملك المغرب
تعرف الملك المغربي، الحسن الثاني، على ريموند المغربية من خلال أغنيتها "الطوموبيل"، فطلب أن تغني في حفل خاص بالقصر الملكي بالعاصمة الرباط سنة 1981، إلى جانب المغني اليهودي سامي المغربي.
بقدر ما كان الخبر مفرحاً بالنسبة لريموند، كان مخيفاً، لأن الغناء أمام ملك المغرب كان بالنسبة لها عبارة عن تحدٍّ حقيقي، وخطوة مهمة في مسارها الفني، الذي رسمت معالمه عن طريق أغاني فنانين آخرين.
فكرت ريموند في الاعتذار عن إحياء حفلها الأول في القصر الملكي، خوفاً من ألا تكون في المستوى المطلوب، لكن زميلها سامي المغربي، الذي كان قد اعتاد الغناء أمام الملك الراحل، تمكن من تشجيعها وإقناعها لخوض هذا التحدي.
خلال يوم الحفل، تعرضت ريموند لموقف محرج أمام الحسن الثاني، إذ فقدت القدرة على النطق والغناء في حضرة الملك، الأمر الذي تسبب في غضبه، وقبل مغادرته قاعة الحفل، تمكنت من تدارك الأمر، وقدمت أغنية "العظمة ما منوش"، والتي تعتبر واحدة من بين أشهر الأغاني القديمة التي غنتها بصوتها.
بعد وصلتها الغنائية الأولى، وتفاعل الحاضرين معها بشكل إيجابي، استعادت ريموند توازنها، وأكملت الحفل تحت تصفيقات الملك الراحل، الذي أنحنى لها بعد وصلتها الغنائية الأخيرة، حسب ما صرّحت به في لقائها التلفزيوني المذكور سابقاً.
ارتدت القفطان المغربي حفاظاً على هويتها
أصبحت ريموند واحدة من بين أشهر الفنانين الذين غنوا أمام الملك الراحل الحسن الثاني، من خلال حفلاتها المتكررة في القصر، إلى جانب فنانين مشهورين آخرين، من بينهم الحاجة الحمداوية، صاحبة أغنية "هي هي".
كما أنها غنت أمام بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل السابق، في إحدى المناسبات الخاصة هناك، أواخر التسعينيات، واختارت التغني بالملك الحسن الثاني، من خلال أداء أغنية "مراكش يا سيدي كلو فرح بيك".
وحرصت خلال حفلاتها في المغرب وإسرائيل، على ارتداء القفطان المغربي، تشبثاً بأصلها المغربي، وقالت إنها كانت تصرف في بعض الأحيان أكثر مما تجنيه في حفلاتها على إطلالاتها، لتكون في مستوى يشرف الفنانة المغربية.
وإلى جانب الغناء، دخلت ريموند البيضاوية مجال التمثيل سنة 1987، وقدمت أول أدوارها في الفيلم الذي حمل اسم "صيف الأخير في طنجة"، ثم توالت أدوارها في أعمال أخرى، بعضها في المغرب والبعض الآخر في إسرائيل، نذكر منها مسلسل "Ha-Masa'it" سنة 2002، وفيلم "Ahava Ze Koev" سنة 2004.
لم تتوقف ريموند عن الغناء إلى يومنا هذا، وما زالت مستمرة في إحياء عدة حفلات في المغرب وإسرائيل رفقة فرقتها الغنائية الخاصة، وهي حريصة على تقديم الأغاني المغربية القديمة التي اشتهرت بها في بداياتها الفنية.