كان شاباً فقيراً يعيش في قرية بعيدة يعمل فيها عامل بناء، قرر في يوم من الأيام أن يكون مطرباً، فشق طريقه نحو القمة ليس باستخدام أقدامه ويديه وحسب وإنما بأظافره.. إنه إبراهيم تاتليس، أحد أعظم المطربين في تركيا الحديثة.
من هو إبراهيم تاتليس؟
إبراهيم تاتليسيس أو تاتليس أو إيبو أو "بافاروتي تركيا" كما يفضل أن يلقبه الأتراك، هو عامل بناء سابق، ورجل أعمال ومليونير، وفنان، وأيقونة ثقافة شعبية، وربما عضو مافيا كما يزعم البعض.
وُلد إبراهيم تاتليسيس "إبراهيم تاتلي"، وهو الأكبر من بين 7 أشقاء، لعائلة فقيرة جداً في قرية قرب مدينة أورفة.
والده الراحل محمد من أصول عربية وكان بائع كبدة، وأمه ليلى كردية أُميّة، وقد قال ذات مرة عن أصوله العرقية وفقاً لما ذكرته صحيفة Daily Sabah التركية: "أبي عربي وأمي كردية بينما أنا تركي".
تاريخ ميلاده ليس دقيقاً، لكن شهادة ميلاده تشير إلى أنه وُلد في 1 يناير/كانون الثاني 1952، ومع ذلك، قال إنه وُلد في نوفمبر/تشرين الثاني 1954.
كانت عائلته تعيش في منزل داخل كهف، كان والده محمد يقضي عقوبة في السجن عندما وُلد إبراهيم الصغير، وقال ذات مرة إن أولى ذكرياته عن والده كانت عندما رآه خلف القضبان.
منذ طفولته كان صوته الفريد مألوفاً للأشخاص من حوله، وقد اعتاد الغناء بالمناسبات في أورفة، رغم أنه كان هناك كثير من المطربين والموسيقيين المحليين بالمقاطعات الجنوبية من تركيا.
يُعتقد أن تاتليس لم يدرس مُطلقاً، إذ ردَّ في إحدى المرات على سؤال حول وضعه الدراسي قائلاً: "لو كانت هناك جامعة أكسفورد في منطقة حران، لربما تخرجت من هناك". كما أنه كان يدافع في كثير من الأحيان عن الأميين الذين لم يستطيعوا الدراسة في المقاطعات الجنوبية الشرقية من تركيا.
بعد فترة، قررت عائلته الانتقال إلى إسطنبول، بصفته الابن الأكبر للعائلة بدأ إبراهيم العمل في الشوارع، كان يبيع "عوازل المياه" أو يقوم بعدة وظائف مؤقتة في مواقع البناء.
وقال وفقاً لما ذكره موقع Last.fm البريطاني: "عندما كنت طفلاً، كنت أبيع الماء في دور السينما، وأصرخ: هيا ماء بارد مثلج، حتى نهض فجأة رجل جالس على كرسي وصفعني 4 مرات وقال: اخرس يا حمار، هل سنستمع إليك؟!"، مؤكداً أن هذه الصفعات الـ4 هي التي أوصلته إلى هذا الحد.
الفشل كان بداية جيدة ليصبح أسطورة الأغاني الشعبية
هناك قصة شائعة حول استكشاف موهبته في أثناء عمله بموقع بناء، رغم أن هذا ليس صحيحاً بالضرورة.
لكن الحقيقة المؤكدة هي أن تاتليس اعتاد أن يغني في حفلات الزفاف والتجمعات الأخرى كفرصة لكسب بعض المال، حتى وصل إلى مرحلة أن يغني أكثر من العمل في الشوارع عندما انتقل إلى إسطنبول.
قلة من الناس يدركون حقيقة أن إبراهيم تاتليسيس قام بتسجيل بعض الأغاني ذات الأصوات الشعبية الأصيلة أو الأرابيسك، حتى إن أول تسجيل له كان تسجيلاً للهواة قام بتسجيله بنفسه في عام 1965.
فيما كان أول تسجيل احترافي له هو أغنية فردية "فتاة ذات شعر أسود-Karakiz"، إضافة إلى أغنية "لا تحرقني، تعالَ حبي"، وكان ذلك في العام 1970 بمساعدة المنتج الموسيقي يلماز تاتليسيس، الذي بسببه أطلق عليه لقب Tatlıses التي تعني صاحب الصوت الجميل.
ومن ثمّ قدم تاتليس بعض الأغاني الفردية الأخرى خلال السبعينيات، لكن لم يحقق له أي منها أي نجاح أو شهرة كبيرة.
كان عام 1974 علامة فارقة مهمة لتاتليس، ففي ذلك العام غنى إيبو أغنيته الشعبية الأولى "Ayağında Kundura" التي حظيت بشعبية كبيرة لدرجة أن الناس حتى أواخر السبعينيات كانوا يغنون الأغنية ويرددون كلماتها وهم يسيرون في الشوارع.
وفي العام 1976 حصل تاتليس على دبلوم من مدرسة كارتالبي الابتدائية في مدينة كلس بولاية غازي عنتاب عن طريق اجتياز الاختبارات المطلوبة.
أما في عام 1978 فلعب تاتليس أول دور له في عالم التمثيل من خلال مشاركته في فيلم بعنوان "Ayağında Kundura-Ceylan" الذي تم إنتاجه بناءً على شعبية أغنيته "Ayağında Kundura".
وفي الفترة الممتدة من 1978 وحتى العام 1993 شارك إبراهيم تاتليس في نحو 40 فيلماً.
6 أطفال من 4 نساء!
لطالما كانت علاقة إبراهيم تاتليس بالنساء إشكالية، إذ أنجب 6 أطفال من 4 نساء.
تزوج تاتليس لأول مرةٍ فتاة من مدينته أورفة وهي أدالت دوراك، وأنجب منها 3 أطفال، قبل أن يتركها بالمدينة مع أطفالها في العام 1979 للزواج من بيريهان سافاش شريكته في فيلم "الكتابة السوداء"، والتي استمر زواجهما حتى العام 1984.
وفي العام 2011 تزوج إيبو الحسناء عائشة جول يلدز، التي طلقها بعد عامين تقريباً في 2013 بعد أن أنجب منها طفلته إليف آدا.
وأخيراً في العام 2013، ظهرت ديلان تشيتاك المولودة في العام 1989، مؤكدةً أنها ابنته "خارج إطار الزواج" من إسيل تشيتاك.
وابنته ديلان هي الفتاة ذاتها التي ظهر معها يوم السبت 14 مايو/أيار 2022، وهو جالس على كرسي ليبدأ بالغناء معها أغنيته الشهيرة "ARAMAM"، في أحد اللقاءات التلفزيونية التي جمعتهما معاً.
وقد ظهر المطرب التركي وهو سعيد بأداء ابنته أغنيته الشهيرة "ARAMAM" المعروفة عربياً بـ"لن أتصل".
إبراهيم تاتليس والقضية الكردية
في ثمانينيات القرن الماضي، حظرت الحكومة التركية استخدام اللغة الكردية في عموم تركيا، لكن تاتليس لم يعر هذا الحظر اهتماماً، حتى إنه غنى أغاني فلكلورية كردية في حفل موسيقي أقامه بالسويد في سبتمبر/أيلول 1986.
وبالتالي حوكم المغني التركي بتهمة نشر دعاية انفصالية، لكن لم تتم إدانته حتى العام 1987، وتمّ رفض التهمة بعد أن أظهر ندمه.
وفي عام 1988 طلب رجل الأعمال محمد يلماز من تاتليس أن يغني أغنية شعبية كردية بمهرجان ثقافي في أوشاك، لكنه رفض قائلاً: "إنني كردي لكن القانون يمنعني من الغناء باللغة الكردية".
وفي عام 1998، ورد أن تاتليس عرض أن يكون وسيطاً بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني أثناء نزاع مسلح، وفي عام 2018، دعم عملية غصن الزيتون ضد وحدات حماية الشعب (YPG) في عفرين.
إبراهيم تاتليس ومحاولات الاغتيال
تعرض إبراهيم تاتليس خلال حياته حتى الآن إلى 3 محاولات اغتيال، أولاها في العام 1990 عندما أصيب برصاصة في ساقه، ومحاولة فاشلة في العام 1998، أما المحاولة الثالثة في العام 2011 فقد كانت الأكثر خطورة عندما اخترقت رصاصةٌ جمجمته وخرجت من جبينه.
وحدثت العملية في منتصف ليل يوم 14 مارس/آذار 2011، عندما هاجم رجلان مجهولان تاتليس، الذي كان خارجاً مع المتحدثة باسمه بوكيت تشاكيجي من أستديو قناة Beyaz TV التركية الخاصة في إسطنبول بعد عرضه التلفزيوني الأسبوعي.
وأصيب تاتليس برصاصتين في الرأس خلال الاعتداء المسلح، إحداهما اخترقت مؤخرة جمجمته وخرجت من جبينه إثر قضية تصفية حسابات مع عناصر المافيا، حسبما تردد بوسائل الإعلام التركية، وذلك في أثناء خروجه من أستوديو التسجيل بإسطنبول حيث يقيم.
وتم نقل تاتليس إلى مستشفى Acibadem بإسطنبول لتلقي العلاج في حالات الطوارئ، وخضع لعملية جراحية استغرقت 4 ساعات لإزالة الرصاصة، كما أنه أصيب بشلل كامل في النصف الأيسر من جسده لكنه تخلص منه بعد الذهاب إلى ألمانيا للعلاج.